نوافذ الإثنين | البحث عن هوية
يكتبها: ميخائيل سعد
رأيت للمرة الثالثة المسلسل الكوري Mr. Sunshine، وهو أحد الأعمال الكورية المميزة، تدور أحداثه في فترة الاحتلال الياباني لكوريا في نهاية القرن التاسع عشر. يُعتبر المسلسل مزيجا من الدراما التاريخية والرومانسية، ويتميز بقصته العميقة وشخصياته المعقدة التي تمثل الطبقات والخلفيات الثقافية في المجتمع الكوري.
يحاول المسلسل، من خلال قصة حب رومانسية تجري في تلك الفترة التاريخية، بناء هوية كورية جديدة، وذلك عبر بناء شخصيات رئيسية مركبة ولها تطورات مثيرة، تشد المشاهد وتجعله يتعاطف معها. يجري كل ذلك في قالب فني رائع سواء من ناحية التصوير والموسيقى والاختيار الموفق لمواقع الأحداث ولغة سينمائية جديدة، وصولا إلى كشف تاريخ هويات بعض شخصيات المسلسل التي أثرت في أسلوب تعاملهم مع بعض، وساهمت في بناء هوية جديدة.
في كل مرة كنت أشاهد فيها هذا المسلسل كانت تحضر إلى ذهني الثورة السورية والمآلات الحزينة التي وصلت إليها. أريد التنويه هنا إلى أنني لست بصدد نقد مسلسل سينمائي، وإنما أحاول، من خلال متابعة أحداث هذا العمل الفني الجميل، الإشارة فقط إلى مسألة ”الهوية“، وكيف تمت معالجتها، كي نستفيد منها نحن السوريين الذي يأكلون بعضهم تحت مسميات متعددة مما يزيد في تمزقهم وربما اندثارهم مستقبلا.
الشخصيات الأساسية في المسلسل
في المسلسل العديد من الشخصيات، ولكن ما يهمني فعلا خمس شخصيات؛ ثلاثة شباب وفتاتان. تمثل كل شخصية فئة من المجتمع الكوري، هويتها تختلف عن هوية الآخرين، وتصل أحينا إلى درج
القطيعة أو الصراع، ولكن، بحكم اللحظات التاريخية، تتفاعل صراعاتهم الداخلية وخياراتهم مما يعزز من عمق القصة، ومن الالتقاء على هوية واحدة في المسألة الوطنية ألا وهي مقاومة المحتل الياباني ومحاولة طرده من كوريا.
يوجين
جندي أمريكي من أصول كورية كان عبدا لعائلة نبيلة وقد هرب إلى الولايات المتحدة بمساعدة راهب، يشعر بارتباط مزدوج. يتفاعل مع الاحتلال من خلال محاولته فهم هويته، مما يؤدي إلى صراعات داخلية حول ولائه، ويؤثر ذلك على علاقته بكيم هي وجو.
كيم هي
تمثل كيم هي روح المقاومة وقد تكون رمزا لكوريا. ابنة عائلة نبيلة مات والداها قتلا في اليابان لمحاولتهما تنظيم المقاومة الكورية، تتأثر بشكل كبير بأحداث الثورة الكورية، حيث تنخرط في النضال من أجل الحرية، مما يعزز من شخصيتها القوية. تتابع تطورات الأحداث التاريخية بعزم على تغيير مصير وطنها.
جو
صاحبة الفندق الكبير، وابنة أحد عملاـء اليابان، ناشطة وطنية، تتعرض للتحديات الناتجة عن المجازر والمظاهرات. تتأثر بشجاعة الآخرين وتصبح رمزًا للتضحية في سبيل الحرية. تعكس تجربتها الصراعات التي يواجهها الشعب الكوري في تلك الفترة.
ريو
الطالب الفاشل العائد من اليابان، ينتمي إلى الطبقة العليا ويواجه صراعًا داخليًا بين التزاماته العائلية ورغباته الشخصية. تتأثر مواقفه بالأحداث التاريخية، وعمل كصحفي وينضم إلى المقاومة الوطنية.
تعاني هذه الشخصيات من صراعات داخلية (الطبقة، الدوافع الشخصية، التحولات الشخصية، تأثير الأحداث التاريخية)، وصراعات ما بين بعضها نتيجة لتعارض القيم الثقافية، تؤدي في النهاية، مع تطور الأحداث، إلى تقارب فيما بينها حول بعض الأهداف الوطنية. يتطور بموازاة تلك المتغيرات، التنافس بين الشباب الثلاثة على قلب الشابة ”كيم هي“، التي قد ترمز إلى كوريا نفسها، فتمتزج هنا الأحداث التاريخية مع العواطف الرومانسية، عبر تفاعل عميق إلى خلق ”هوية“ وطنية تدفع بثلاثة من الشخصيات الرئيسية للتضحية بأنفسهم من أجل ”هوية كورية جديدة“ تتمثل في استمرار الشابة ”كيم هي“ في قيادة النضال ضد الاحتلال الياباني.
الخاتمة
بشكل عام، شكلت ثورة 1919 حجر الزاوية في إنشاء هوية كورية جديدة تتمحور حول القيم الوطنية، الثقافة والتراث، مما ساعد في تحديد مسار الشعب الكوري في النضال من أجل الاستقلال والحرية
كما أن الثورة ساهمت في تحدي بعض القيم التقليدية، مما أدى إلى ظهور أفكار جديدة حول الهوية والانتماء، وأعطت الفرصة للكوريين لإعادة تقييم ماضيهم.
السؤال: هي استطاعت الثورة السورية ٢٠١١ انجاز بعض ما أنجرته الثورة الكورية عام ١٩١٩؟
وهل تستطيع النخب السورية التي تدعي حبها ”لسورية“ أن تتجاوز أيديولوجياتها الصغيرة ومصالحها الشخصية، وتتفق على خطوط عريضة لهوية سورية جديدة؟
وهل نأمل أن نشاهد فنا جديدا يبشر بولادة سورية خالية من الكراهية؟
ملاحظة: من يريد مشاهدة المسلسل الكوري Mr. Sunchine, هو موجود على نتفليكس مع ترجمة
مونتريال في ١٦/٩/٢٠٢٤