أرشيف المجلة الشهرية

كفرنبل المحتلّة.. لافتاتٌ أرّخت لثورة

نور مارتيني- العربي القديم

شهر نيسان يشرع الباب على ذكريات الثورة الأولى، ويسرج العنان للذكريات التي بدأت تتسرّب من أيدينا شيئاً فشيئاً، فلا هوية الأمكنة بقيت على حالها، لاسيما بعد غياب صانعي الذاكرة فيها، ولا عاد من الممكن استحضار تلك الذكريات، دون أن تقف الذاكرة عند العقبات التي واجهها السوريون طيلة هذه السنوات.

ففي مطلع نيسان من عام 2011 بدأ الحراك في الريف الإدلبي يأخذ منحىً جادّاً ومنظّماً، وبدأت المظاهرات تصبح تقليداً أسبوعياً، ما لم تكن هنالك أحداث استثنائية تستدعي التظاهر أثناء أيام الأسبوع.

كواحدةٍ من نساء المحافظة التوّاقات إلى التغيير، كنا نترقّب تسريب صور مظاهرات كفرنبل، فالصّور القادمة من هناك، كانت تظهر لافتات تجسّد أحلامنا جميعاً، وتحمل رسائل لا تخلو من طابع الفكاهة، كانت اللافتات تعبّر عن نبض الشارع، في الوقت نفسه الذي تعكس فيه وعياً سياسياً، لما يقوم به النظام، ومحاولاته الحثيثة للقفز على القوانين الدولية.

كانت تلك اللافتات هي العلامة الفارقة التي أرسلت رسائل إيجابية للسوريين جميعاً، داعية إياهم إلى التخلّص من الخوف والبحث عن الخلاص، من خلال جرأة الخطاب وعالميّته، حيث كانت اللافتات تُكتب باللغتين العربية والإنكليزية، الأمر الذي جذب أنظار العالم الخارجي إلى كفرنبل.

و لعلّ كفرنبل، تلك البلدة البسيطة الوادعة التي تحتضن قدْراً كبيراً من ذاكرة المحافظة وآثارها، والتي تتمتّع بطبيعة أخّاذة، قد دفعت أبهظ الأثمان لاحقاً، من براميل واغتيالات وتشريدٍ لأبنائها؛ لأنّ حدّة تمرّدها تجاوزت المسموح بأشواط بعيدة، فأهل كفرنيل سخروا من الأسد وزبانيته في لافتاتهم، ووجهوا خطاباً مباشراً للعالم: (إلى حلف الناتو.. أنا بانتظارك ملّيت)، أو من قبيل: (نطالب بدخول العصابات المسلّحة.. لحمايتنا من الجيش).

وبالطبع، فقد كان للخطاب الموجّه باللغة الإنكليزية دور كارثي على النظام بكل المقاييس، فمن ناحية كانت دعوة صريحة لأبناء البلدة المغتربين والمهجّرين؛ للانخراط في هذا الحراك، حيث إنّه أصبح بيدهم تفويض من سوريي الداخل؛ للتحرّك في المنافي التي توجّهوا إليها طوعاً أو كرهاً. 

أما الناحية الأخرى في كونها خطوة حقيقية، نحو تدويل القضية السورية، وطرحها في المحافل الدولية؛ على اعتبارها تجاوزت مرحلة كونها حركة تمرّد داخلية، لتكتب معالم الثورة الواضحة، من تنظيم وكوادر بشرية، ومطالب محدّدة عكستها لافتات كفرنبل الموجّهة للجمهور الناطق باللغة الإنكليزية.
كلّ هذا، ناهيك عن الطوفان البشري الذي يخرج في تظاهرات كفرنبل أسبوعياً، ودورها الملهم لباقي المناطق والمحافظات، جعلها سبّاقة في تلقّي براميل الطاغية، فكان انتقام النظام من حجرها وبشرها غير مسبوق، كما عمل النظام على تغييب كل من أسهم في صناعة هذه الذكرى المضيئة، فاغتال رائد الفارس، وحمود جنيد،  واغتيل قبلهما خالد العيسى، واعتقل كثر من أبناء البلدة، أما من تبقّى، فداست جحافل ميليشياته بيوتهم وأرزاقهم، وشرّدتهم في بلاد الله الواسعة، لتمحو معالم الإهانات التي طالت نظام هولاكو العصر، على يد تلك البلدة العريقة التي تحتضن أعرق آثار سوريا.

__________________________________________

من مواد العدد العاشر من (العربي القديم) الخاص بإدلب، نيسان / أبريل 2024

زر الذهاب إلى الأعلى