الرأي العام

مقامات أمريكية | الستايروفوم وأنانية الذات

د. حسام عتال

لا، لم أُولد في قصر باكنغهام.

ولم يكن هناك ملعقة ذهبية في فمي عندما أُسقِطَ رأسي في حماه، حارة الكيلانية تحديداً. لقد أكد لي ذلك الدكتور وجيه بارودي بنفسه – أنه لم يرَ ملعقة ذهبية في فمي. الدكتور وجيه الذي وَلَّدني طبيب نسائي شهير وشاعر غني عن التعريف. مدينة حماة معروفة بالمجزرة التي ارتكبها حافظ الأسد في عام 1982، والتي تلتها تسوية ثلثي المدينة بالأرض، بما في ذلك البيت الذي وُلدت فيه. ولكنني أحيد عن الموضوع الآن…

كنت أقصد الحديث عن نفسي، بكل أنانية، لأني بعد أكثر من 30 عامًا من العيش في الولايات المتحدة، ما زلت، دون حرج أو خجل، غير معتاد على الأكل من أطباق الستايروفوم أو الشرب من أكواب الستايروفوم. لا أستطيع تحمل ذلك الشعور بالمواد الهزيلة المزعجة الملمس التي تُستخدم عادةً في صناعة علب الأغذية وغيرها. كما أنني أعتقد، رغم كل الأدلة العلمية التي تدّل على النقيض، أن الستايروفوم يغيّر طعم الطعام – أعتقد أنه يضيف نكهة سيئة للطعام الموجود فيه.

لذلك، كلما أتيح لي، أنقل محتويات علبة الستايروفوم إلى طبق أو كوب من الزجاج أو الخزف. هذا سهل في مكتبي عند العمل، حيث أحتفظ بمجموعة صغيرة من الأطباق وكوبين من الخزف، وملعقة /شوكة/ سكين من المعدن. كما أحتفظ بكوب سفر زجاجي في سيارتي، وأحمله معي في حقيبتي اليدوية على متن الطائرات أو القطارات. رغم ذلك، أتنازل أحياناً إذا دُعيت إلى نزهة أو مأدبة مع الأصدقاء أو المعارف كي لا أحرج المضيف أو أفرض عبئاً على منظّمي طاولة الطعام. في العمق صوت يقول: فكّر في كل المرض والمعاناة في العالم، والآن أنت تشتكي من كوب ستايروفوم؟ أنضج قليلاً، تصرَّف كبالغ.

ستايروفوم هو اسم تجاري لرغوة بلاستيكية من البوليسترين الموسع. هو شائع الاستعمال لأنه غير مكلف، ويعد عازلاً جيداً، وخفيف الوزن، وسهل التشكيل (مثل أي صديق  مخلص). المشكلة هي أنه  يتفكك ببطء شديد، حيث يستغرق أكثر من 500 عام كي يتحلل  (أيضاً مثل الصديق المخلص).  هذه نفس هذه الخصائص تجعله يتطاير بسهولة مع الرياح، وينتشر من حاويات النفايات إلى الأراضي المحيطة. ولأنه يطفو، نراه ينتشر على نطاق واسع على سطح الماء في النهار والبحيرات والمحيطات. بالإضافة إلى ذلك، فإن منتجات الستايروفوم تميل إلى التفكك إلى قطع صغيرة مما يجعلها خطراً على الحيوانات البرية والأسمك، وحتى الأطفال. وإذا احترق في النار، فإنه يطلق ملوثات كثيرة وخطيرة مثل الكربون الأسود وأول أكسيد الكربون. في الواقع، هو خامس أكبر منتج للنفايات السامة في العالم. لهذا يصنف على أنه مادة قد تكون مسببة للسرطان للبشر من قبل وكالة حماية البيئة الأمريكية والوكالة الدولية لأبحاث السرطان. وكأن كل ذلك ليس كافياً، الستايروفورم، عند تعرضه لأشعة الشمس، ينتج ملوثات هوائية ضارة تُساهم في استنزاف طبقة الأوزون.

كل يوم يُدفن حوالي 1,369 طنًا من الستايروفوم في أماكن تخزين النفايات الأمريكية )هذه ستبقى مكانها حتى عام  2520 (في أمريكا، نرمي  25,000,000,000 كوب ستايروفوم قهوة كل عام. ومن حيث الحجم، يشغل الستايروفوم ما بين 25 إلى 30 بالمائة من مساحة مدافن النفايات، هذا يخلق مشكلات إضافية تتعلق بالمساحة الأرضية المستعملة.

للأسف، بعد أزمة كوفيد-19، أصبح الناس يستعملون المزيد من الستايروفوم نتيجة الانتشار المتزايد للطعام الذي يُطلب من خارج البيت.

ما الذي يمكن عمله؟

 أنت كمستهلك، يمكنك ممارسة بعض الضغط عندما تشتري، فيمكنك التأثير على مطعمك المفضل الذي يبيع الطعام الجاهز بأن تطلب منهم استخدام علباً ورقية قابلة للتحلل. ويمكنك تبديل أوعية الطعام من الستايروفورم بأخرى من زجاج أو خزف، في أماكن العمل أو في البيت، ويمكنك شراء كميات اكبر من المواد، بالجملة، لاختصار مواد التعليب المرافقة لكل حفنة صغيرة من الطعام. أو، إن لم تفلح هذه الطرائق، فعلى الأقل إذهب إلى الغابة واحتضن شجرة (كما فعلت ابنتي في الصورة المرافقة).  هذه الوسائل ليست صديقة للبيئة فحسب، بل قد تمنع ذلك الشعور البائس الذي طاردني (ولا زال) كلما لمستُ أو وضعتُ في فمي وعاء من الستايروفورم، خلال الثلاثين عاماً الماضية من حياتي في الولايات الأمريكية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى