نوافذ الإثنين | الزرادشتية: الديانة التوحيدية الأولى في العام
إحدى الديانات القديمة المهمة في التاريخ وتؤمن بوحدانية الله والخير المطلق والشر المطلق
تحرير وتنسيق: ميخائيل سعد
الديانة الزرادشتية، المعروفة أيضًا بالزرادشتية أو المجوسية، هي واحدة من أقدم الديانات التوحيدية في العالم، وتأسست على تعاليم النبي زرادشت (أو زراسترا) الذي عاش في إيران القديمة. يعود تاريخها إلى حوالي 1500 قبل الميلاد.
المعتقدات الأساسية:
- التوحيد: تؤمن الزرادشتية بإله واحد يُدعى “أهورا مزدا”، الذي يُعتبر خالق الكون ومصدر الخير.
- الصراع بين الخير والشر: تركز الديانة على الصراع المستمر بين قوى الخير (أهورا مزدا) وقوى الشر (أهريمان).
- الخير والشر: يشدد على أهمية الاختيار الأخلاقي، حيث يُعتبر كل إنسان مسؤولاً عن أفعاله.
النصوص المقدسة:
تعتبر “الأفستا” الكتاب المقدس للزرادشتية، ويتضمن تعاليم زرادشت، الصلوات، والطقوس.
الطقوس والممارسات:
تشمل الممارسات الزرادشتية الصلاة، الصوم، والاحتفالات مثل “نوروز” (رأس السنة الفارسية).
الانتشار والتأثير:
على الرغم من أنها بدأت في إيران، فقد انتشرت الزرادشتية إلى مناطق أخرى، وخاصة الهند، حيث يعيش بعض أتباعها اليوم.
تُعتبر الزرادشتية واحدة من المصادر الرئيسية للتأثير على ديانات أخرى، مثل اليهودية والمسيحية والإسلام.
1- زرادشت ونشأة الزرادشتية والعقائد الأساسية
زرادشت هو مؤسس الديانة الزرادشتية، والمعروف أيضاً باسم الزرادشتية. يُعتقد أن زرادشت عاش في الفترة الأخيرة من العصور البدائية أو الفترة الأولى من العصور الحديثة في إيران، ويُعتبر أحد أهم الشخصيات التاريخية في الثقافة الإيرانية، وكان أيضًا معروفًا باسم “زرتوشترا” في النصوص القديمة. وفقاً للتقاليد الزرادشتية، تلقى زرادشت رؤيا إلهية من الإله أهورا مازدا، واكتشف المعرفة الإلهية والحقائق الروحية التي تشكل أساس الديانة الزرادشتية. قام زرادشت بتعليم هذه العقيدة ونشرها بين الناس.
تعتبر الزرادشتية إحدى الديانات القديمة المهمة في التاريخ، وتؤمن بوحدانية الله والخير المطلق والشر الطلق، وتجسد الخير والشر في قوتين متناقضتين ومتصارعتين. تركز الزرادشتية على القيم الأخلاقية مثل الحقيقة والعدل والنزاهة والنجاستين الجسدية والروحية.
على الرغم من أن الزرادشتية كانت تنتشر بشكل واسع في الماضي، إلا أنها تعتبر اليوم إحدى الأديان الصغرى، حيث يتبعها عدد محدود من الأتباع في إيران والهند وبعض المجتمعات الزرادشتية المنتشرة في جميع أنحاء العالم.
المعتقدات الرئيسية في الزرادشتية.
الزرادشتية تشتمل على مجموعة من المعتقدات الرئيسية. وهذه أبرز بعض المعتقدات:
الوحدانية الإلهية: تعتقد الزرادشتية في وجود إله واحد يُدعى “أهورا مازدا”، وهو إله الخير والنور. يعتبر أهورا مازدا الخالق الأعلى والمحافظ على الكون.
المعركة بين الخير والشر: تعتبر الزرادشتية الكون مسرحًا لصراع مستمر بين الخير والشر. يُعتقد أن الإله أهورا مازدا يحارب الشر ويدعم الخير، وتدعو الزرادشتية أتباعها إلى اختيار الخير ومكافحة الشر.
العدالة الإلهية: يعتقد الزرادشتيون في وجود نظام عدالة إلهي يحاسب البشر على أعمالهم في الحياة الدنيا ويكافئهم أو يعاقبهم بناءً على تصرفاتهم. تُعتبر الأعمال الصالحة والأخلاقية والعدلية في الحياة هي المفتاح للحصول على الثواب الإلهي.
التنوير الروحي: تشجع الزرادشتية على السعي للنور الروحي والمعرفة الإلهية. يُعتبر التعلم والتحصين الروحي جزءًا مهمًا من المسيرة الروحية للفرد، وتُشجع الزرادشتية على اكتساب المعرفة وتطوير القدرات الروحية.
النزاهة والنجاستان: تعتبر الزرادشتية النزاهة والنجاستان (النظافة الجسدية والروحية) من القيم الأساسية. يُشجع في الزرادشتية الحفاظ على النزاهة في الأفعال والكلمات والتفكير، ويُعتبر النجاستان طريقًا لتحقيق التوازن والتطهير الروحي.
تعتبر هذه المعتقدات الرئيسية جزءًا من فلسفة الزرادشتية، وتوجد أيضًا عدة مفاهيم وتعاليم أخرى في إطار هذه الديانة التي تنظر إلى الحياة والكون من منظور فلسفي وروحي متكامل.
2- الممارسات الطقوسية والشعائر
تحتوي الزرادشتية على عدد من الطقوس الدينية المهمة التي يمارسها أتباعها. هنا بعض الطقوس البارزة في الزرادشتية:
النموذج الناري: تُعتبر النار رمزًا مقدسًا في الزرادشتية، وتُعتبر النيران النقية الطبيعية محل العبادة الأساسي. يُعتقد أن النيران تمثل القوة والنور والتطهير الروحي. يُقيمون محافظ على النار في معابدهم ويقومون بإضاءة النيران والصلاة أمامها.
طقوس الصلاة: يقوم أتباع الزرادشتية بأداء الصلوات المنتظمة في أوقات محددة خلال اليوم. يُعتقد أن الصلاة تعزز التواصل مع الإله وتعزز الروحانية الشخصية.
طقوس التطهير: يُعتبر التطهير الجسدي والروحي جزءًا هامًا من الزرادشتية. يقوم المؤمنون بأداء طقوس التطهير المختلفة، بما في ذلك غسل اليدين والوجه والقدمين قبل الصلاة واستخدام الماء المقدس والمواد المطهرة في بعض الطقوس الخاصة.
طقوس الاحتفالات السنوية: يحتفل أتباع الزرادشتية بعدد من المناسبات الدينية السنوية التي تشمل الاحتفال بالمواسم الزراعية والمناسبات التاريخية المهمة. تشمل بعض هذه الاحتفالات النوروز (رأس السنة الزرادشتية) والمهرجانات المرتبطة بالحصاد والمواسم الزراعية.
طقوس العبادة الأسرية: يُعزز في الزرادشتية أيضًا العبادة الأسرية والمنزلية. يُشجع أتباع الديانة على قراءة الأدعية والصلوات في المنزل وتجديد الروحانية الشخصية من خلال القراءة المقدسة والتأمل.
هذه بعض الطقوس الدينية المهمة في الزرادشتية. وتحتوي الزرادشتية على تنوع طقوسي في مختلف المجتمعات الزرادشتية ولا يوجد اتفاق كامل بين جميع الأتباع حول التفاصيل الدقيقة للطقوس.
في الزرادشتية، توجد عدة مناسبات دينية سنوية تحتفل بها المجتمعات الزرادشتية. هنا بعض المناسبات الدينية السنوية الأخرى في الزرادشتية:
نوروز (Nowruz): يُعتبر نوروز هو الاحتفال برأس السنة الزرادشتية ويصادف في 21 مارس. يُعتبر نوروز مناسبة مهمة تحتفل بها المجتمعات الزرادشتية للاحتفال ببداية الربيع وتجديد الحياة. يتضمن الاحتفال تناول الطعام والشراب والرقص والغناء وعروض الألعاب النارية.
جشن سيزد (Jashan Sizdah): يُعقد جشن سيزد في اليوم الثالث عشر من شهر فروردين (مارس/أبريل). يعتبر هذا الاحتفال فرصة للخروج والتنزه في الهواء الطلق، حيث يقوم الناس بنزهات وتناول الطعام والاحتفال بالطبيعة وتجديد الروحانية.
جشن مهرجان (Jashan Mehregan): يُعقد جشن مهرجان في 16 أكتوبر ويُعتبر مناسبة للاحتفال بالكرم والصداقة والحب. يتضمن الاحتفال تبادل الهدايا وتناول الطعام والاجتماعات الاجتماعية.
جشن ساد (Jashan Sadeh): يقام جشن ساد في 30 يناير وهو احتفال بالنار والضوء. يقوم المشاركون بإشعال نيران كبيرة والاحتفال بالنور والدفء في فصل الشتاء.
هذه بعض المناسبات الدينية السنوية الأخرى في الزرادشتية. قد تختلف المناسبات وتواريخها بين المجتمعات الزرادشتية المختلفة حول العالم، وقد يتمتع كل مجتمع بتقاليده واحتفالاته الخاصة.
من المستحسن معرفة بعض الطقوس أو التقاليد الخاصة ببعض المناسبات:
نوروز (Nowruz): يشتهر نوروز بالعديد من الطقوس والتقاليد. من أبرزها:
تنظيف المنازل: يتم تنظيف المنازل وتجديد الديكورات قبل حلول رأس السنة الزرادشتية.
تحضير المائدة الهفت سين: تُعد مائدة خاصة تسمى “هفت سين” وتحتوي على سبعة عناصر رمزية ترمز إلى الحياة والنمو والخير والنجاح والصحة والحكمة والجمال.
تبادل الهدايا: يتم تبادل الهدايا بين الأسر والأصدقاء في هذه المناسبة.
هذه بعض الأمثلة على الطقوس والتقاليد التي قد تصاحب المناسبات الدينية في الزرادشتية. يجب ملاحظة أن هذه الطقوس والتقاليد قد تختلف من مجتمع زرادشتي إلى آخر، وقد تتأثر بالتقاليد الثقافية والجغرافية للمجتمعات المختلفة.
2- انتشار الزرادشتية والتطورات الحديثة
تطور انتشار الزرادشتية على مر التاريخ، وشهد بعض التطورات الهامة في العصر الحديث:
- الانتشار الأولي:
- نشأت الزرادشتية في فارس (إيران الحالية) خلال القرن السادس قبل الميلاد.
- انتشرت الزرادشتية بشكل واسع في آسيا الوسطى والشرق الأوسط خلال العصور الوسطى.
- التراجع والمحافظة:
- تعرضت الزرادشتية لتراجع كبير بعد الفتوحات الإسلامية في القرنين السابع والثامن الميلاديين.
- لكن المعتنقون للزرادشتية حافظوا على ممارساتهم السرية في مناطق محددة.
- الهجرات الحديثة:
- في القرن التاسع عشر، هاجر الزرادشتيون من إيران إلى الهند حيث أسسوا مجتمعات جديدة.
- أصبحت المجتمعات الزرادشتية في الهند (المعروفة باسم الباريسيين) أكبر مجتمع زرادشتي في العالم.
- الانتشار العالمي:
- في العقود الأخيرة، انتشرت الزرادشتية في أنحاء العالم مع الهجرات المختلفة.
- توجد مجتمعات زرادشتية صغيرة في أماكن مثل أمريكا الشمالية وأوروبا واستراليا.
- التطورات الحديثة:
- شهدت الزرادشتية نوعاً من التجديد والإصلاح في الفترة الحديثة.
- ظهرت تيارات وفروع جديدة تحاول تكييف المعتقدات الزرادشتية مع التطورات الحديثة.
على الرغم من تراجعها التاريخي، إلا أن الزرادشتية لا تزال موجودة اليوم كدين صغير له تأثيره الروحي والثقافي في مناطق معينة حول العالم.
كان للزرادشتية تأثير ملحوظ على بعض الأديان الأخرى في المناطق التي انتشرت فيها على مر التاريخ:
- تأثير على اليهودية والمسيحية:
- هناك اعتقاد بأن مفاهيم مثل الملائكة والشيطان والجنة والجحيم في اليهودية والمسيحية تأثرت بالمعتقدات الزرادشتية.
- كما أن الفكرة الزرادشتية عن الحياة بعد الموت والقيامة والحساب والعقاب لها صدى في هذه الأديان.
- تأثير على الإسلام:
- المفاهيم الزرادشتية عن الملائكة والشيطان والجنة والجحيم انتقلت إلى الإسلام أيضاً.
- كما أن بعض الممارسات الطقسية والروحية في الإسلام لها جذور في التقاليد الزرادشتية.
- تأثير على البوذية والهندوسية:
- هناك تشابه في بعض المفاهيم الأساسية مثل الخير والشر والنفس والكون بين الزرادشتية والديانتين الهندوسية والبوذية.
- يعتقد البعض أن هذا التشابه نتج عن تأثير الزرادشتية على هذه الديانات خلال انتشارها في آسيا.
إذن يمكن القول إن الزرادشتية كانت ذات تأثير كبير على العديد من الأديان الأخرى في المناطق التي انتشرت فيها على مر التاريخ.
كما كان للزرادشتية تأثير على الفلسفة اليونانية والحضارات الأخرى في المنطقة.
- التأثير على الفلسفة اليونانية:
- يعتقد البعض أن الفكر الفلسفي اليوناني، خاصة فيما يتعلق بالثنائية بين الخير والشر والروح والمادة، تأثر بالمعتقدات الزرادشتية.
- كما أن مفاهيم الزرادشتية عن الحياة بعد الموت والقيامة لها صدى في بعض الفلسفات اليونانية.
- التأثير على الحضارات الأخرى:
- لوحظ تأثير الزرادشتية على الحضارات القديمة في المنطقة مثل البابلية والآشورية والسومرية.
- ظهرت بعض المفاهيم الزرادشتية في الديانات والثقافات المحلية في المناطق التي سيطرت عليها الإمبراطوريات الفارسية الزرادشتية.
- تأثير على الفن والأدب:
- انعكس التأثير الزرادشتي على الفنون والأدب في المناطق المختلفة، خاصة في الأعمال الفنية والأدبية التي تناولت المواضيع الدينية والروحية.
يمكن القول إن الزرادشتية كان لها تأثير ملحوظ على الفلسفة اليونانية والحضارات الأخرى في المنطقة، خاصة في المجالات الدينية والفكرية والثقافية.
أما أبرز الأفكار الزرادشتية التي انتقلت إلى الحضارات الأخرى فهي:
- الثنائية بين الخير والشر:
- الفكرة الزرادشتية عن وجود قوتين متعارضتين، إحداهما خيرة (أهورامزدا) والأخرى شريرة (أنغرا مينيو)، لها صدى في العديد من الأديان والفلسفات الأخرى.
- مفهوم الروح والجسد:
- الزرادشتية قدمت مفهوماً متميزاً عن الروح والجسد، حيث ترى الروح ككيان منفصل عن الجسد.
- هذا المفهوم له تأثير واضح على الفكر الفلسفي اليوناني والمسيحية واليهودية والإسلام.
- الحياة بعد الموت والقيامة:
- الزرادشتية تؤمن بفكرة الحياة بعد الموت والقيامة والحساب والجنة والجحيم.
- هذه المفاهيم ظهرت بشكل واضح في اليهودية والمسيحية والإسلام.
- التطهير والنار:
- الزرادشتية ربطت مفهوم التطهير بالنار كوسيلة للتخلص من الشر والخطيئة.
- هذه الفكرة انتقلت إلى الديانات الأخرى مثل المسيحية والإسلام.
- الملائكة والشيطان:
- الزرادشتية قدمت مفاهيم محددة عن الملائكة والشيطان والقوى الخيرة والشريرة.
- هذه المفاهيم بدورها انعكست في اليهودية والمسيحية والإسلام.
كانت هذه بعض الأفكار الزرادشتية البارزة التي انتقلت إلى ديانات وفلسفات أخرى في المنطقة.
خاتمة
الديانة الزرادشتية هي واحدة من أقدم الديانات التوحيدية، تأسست على تعاليم النبي زرادشت. تركز الديانة على مفهوم التوحيد، حيث يُعتبر “أهورا مزدا” إله الخير، بينما يمثل “أهريمان” قوى الشر.
تُعزز الزرادشتية من أهمية الاختيار الأخلاقي والمسؤولية الفردية، حيث يُشجع الأتباع على السعي نحو الخير.
تشمل النصوص المقدسة “الأفستا”، التي تحتوي على التعاليم والطقوس.
تُمارس الزرادشتية من خلال الصلاة، الصوم، والاحتفالات مثل “نوروز”. على الرغم من تراجع عدد أتباعها، إلا أن الزرادشتية تظل مؤثرة في الفكر الديني والثقافي، وقد تركت بصمة على العديد من الديانات اللاحقة.
ملاحظة: هذا المقال جزء من دراسة طويلة بعنوان: مدخل إلى تاريخ الأديان الآسيوية، حررتها لقسم التاريخ في جامعة ماردين.
___________________________________________
المصادر والمراجع:
السواح، فراس. موسوعة تاريخ الأديان في أربع مجلدات، دمشق: دار التكوين للطباعة والنشر، الطبعة الخامسة، ٢٠١٠.
م. كولر، جون. الفلسفات الآسيوية، المنظمة العربية للترجمة، بيروت: توزيع مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة ٢٠١٣.
كدرو، نرجس. أديان ومعتقدات المغول الإيلخانيين، أنقرة: سونغان، الطبعة ١، ٢٠٢٣.
سعيفان، كامل. موسوعة الأديان القديمة، معتقدات آسيوية (العراق-فارس-الهند- الصين- اليابان).، مدينة نصر،٢٠١٢
العبداني، عبد الله، الشامانية فلسفة للحياة سيات، ٢٠١٠
سميث، هوستن. أديان العالم، حلب: دار الجسور للثقافة، الطبعة ٣، ٢٠٠٤.
مونتريال ١٦/١٢/٢٠٢٤