العربي الآن

مقالُ النصر وقد مر شهر: محاولة للتعبير عما عشناه

حجارةُ البلاد التي صارت زهراً ملوناً في صباح ذلك اليوم المجيد 08:12:2024

محمد المير إبراهيم – العربي القديم 

منذ شهر تقريباً سقط نظام الأسد اللاحم.

حاولت أن أكتب عن الأمنيات التي صارت واقعاً، والموت الذي انتهى، والحياة التي انهمرت مطراً غيرَ مرئي لكنه حُلو المذاق.

عن الألم والمعاناة التي عاشها الشعب السوري عن بطولاته وتضحياته، الشهداء والمعتقلين والمُغيبين قسرياً منه. عن المجرم الذي لاذ بالفرار وهو لا يلوي على شيء.

عن القصر القائم على مقبرة جماعية تملكُ سبعين ألفَ رُفاةٍ لبشرٍ ذهبوا دون ذنب سوى رغبتهم في الحياة . عن العلم الذي صار بلاداً، عن دموعِ الفرح التي تدفقت كنهر الدم الممتد أربعة عشر عاماً. أم عن رعب الجلادين والقتلة.

عن الكَسرةِ في صوت كل من لم يقل لا واكتفى بنعمٍ حادةٍ كنصلِ القاتل وعينيه.

حجارةُ البلاد التي صارت زهراً ملوناً في صباح ذلك اليوم المجيد 08:12:2024 .

هذه التفاصيل عاشها وعايشها كل العالم ليس السوريين فقط .

عن ماذا أتكلمُ إذاً!؟ مستقبل البلاد؟ تاريخها؟ ماضيها؟ واقعها؟ من أين أبدأ؟ سياسةً؟ اقتصاداً؟ اجتماعاً؟ هذه للأهل الاختصاص

قررت أن أتكلم عن الروح

نعم.. الروح البلدية المقسمة بيننا، الموزعة علينا، الثابتةُ فينا دون أن نعلم .

سأحدثكم عن أمي  قبل حوالي شهر ونصف كلمني ابنُ عمي الباقي في البِلاد.

كُنتُ قد عزمت على إنهاءِ أول مجموعة شعرية لي.

فجأة كتبَ لي.. قال:

كيف حالك، هل أنت بخير؟!

تفاجأت وأجبته بأنني كذلك

سألته عن سبب سؤاله .

قال: لقد رأيت والدتك اليوم في المنام، اذ أتت لزيارتنا وهي تقول لي

)محمّد يبكي كثيراً وهو مشتاق ويريد أن يعود إليكم حالاً، إذهب وأحضره أو سأحضره بنفسي)

ابتسمت.. أحسست أنها تبارك لي هذه الخطوة… ربما تمنيت لكن مرّت هذه المحادثة في حينها مرورَ الكِرام.

سأحدثكم أيضاً عن صديقي

تحادثنا وبدأت التبريكات والتهاني بالنصر والتحرير صديقي لم أراهُ منذ عام2006 . لكني رأيته في عام2011 وتحدثتُ معه وأذكر تماماً أن كان معارضاً لهذا النظام. أثناء حديثنا علمت أن أخويه قد استشهدا في معاركَ ضد نظام الأسد.

وصدمت حين أخبرني بأنه لم يزر البلاد منذ عام 2010

قلت له: من ذاك الذي كلمني على باب كراج السيارات التي عملنا فيه سويةً؟

غارت الكلمات في حلقه ثم خرجت فجأةً معبّقة برائحة الفخر والألم حين أجاب / هذا أخي الأصغر.. وهو أحد أخوي الشهيدين. صعقت

سأحدثكم عن صديقي الشهيد

منذ يومين نظمتُ عزاءً وتأبيناً لشهداء الثورة في مدينة السلمية .

كنت قد عهدت على نفسي أن أفتح لصديقي عزاءً في مدينته يليق به وبتضحياته .

صديقي الذي دخنا أول سيجارة معاً

عرفنا الحُب  افترقنا حين شببنا نحو الحياة، ثمّ جمعتنا البلاد مجدداً.. في حبها

هو أعلى وأسمى قدم نفسه قرباناً لله وللوطن ولحرية هذا البلد.

بعد طول انتظار حققت عهدي وفتحتُ له وللعديد من رفاقه الشهداء عزاءً وتكريماً وتأبيناً.

حزنت يومها بسبب الحضور الخجول من الذين شاركناهم ذات الهواء، وذات الأمل والألم

نمتُ على مضض وقلبي يهدأ صاغراً أمام موجات الحزن التي اجتاحته .

 رأيته كما أذكره أيام الدراسة والشباب.. مرتدياً كنزة صيفية رقيقة بنية اللون وابتسامته على وجهه، كان مبستم بحق.

أخبرني أنه تقصد اخفاء أمر انشقاقه عن الجميع خوفاً عليهم.. ومنهم أيضاً.

كأنه عادَ من الجبهة، استغربت كيف استطاع الدخول؟ وهو معروفٌ بانشقاقه؟

أخبرني أنه أتى.. كزيارة وسيعود. أراني مغلف ..يحتوي شهادات خبرة أو شهادات جامعية لا أذكر بالضبط. غادر المكان الذي التقينا فيه.. بابتسامته المعهودة وأنا استيقظت

نعم روحُ هذه البلاد ترانا

تعرفنا واحداً واحداً

أمي أرادت أن تُبشرني على طريقة الأرواح الغامضة أنني سأعود إلى البلاد فرحاً منتصراً

الشهيد الحي في حينها أعاد ارتباطي برفيقي الذي فقدته منذ زمنٍ بعيد، لأعرفه بعد النصر والتحرير وكأن روحه كانت بيننا، تعيد شبك أيادينا، وتغزل بين قلوبنا رابطاً خفياً منها، من دم أخيه الشهيد.

صديقي محمد الشهيد

أرادت روحه أن تواسيني، أن تأخُذَ بيدي كي لا أحزن كي أستمر، وكأنه يقول: لقد وصلتنا رسالتكم يا صاح لا بأس عليك

هذه الروح التي انتصرت روحُ البلاد الأبدية ..تضحك في وجهنا اليوم دونَ أن نراها

ونحن ننظر إلى شمسِ الحرية دون وعي أو إدراك، دون أن نقول شيء سوى: ويا محلاها الحرية.

الرحمة لشهداء الثورة السورية العظيمة… المجد لهذه البلاد… العدالة لكل حبة تراب وطأتها قدم الطاغية

عاشت سورية حرة أبية.. إلى الأبد كروحها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى