الرأي العام

ماذا لو نجحت الثورة في أيامها الأولى؟

هذا السؤال يكشف حجم التعقيد الذي واجه الثورة السورية، حيث لم تكن المشكلة فقط في شخص بشار الأسد

جميل الشبيب – العربي القديم

هذا سؤال مهم: ماذا لو نجحت الثورة السورية في أيامها الأولى؟ وبقيت الدولة العميقة الأسدية والجيش الطائفي على حالهما؟ لا شك أن النتائج كانت ستختلف تمامًا عما وصلنا إليه بعد 14 عاماً من الثورة. إن التضحيات الكبيرة التي قُدمت طوال هذه الفترة لم تذهب سدى، وكان لها الدور الأساسي في فضح وكسر أركان الحكم الاستبدادي والدولة الأمنية البشعة التي سيطر بها النظام الأسدي على جميع مفاصل الدولة.

لو انتهى النظام بسرعة في أيام الثورة الأولى، لكنا قد شهدنا ظهور رئيس جديد، لكنه سيكون تحت سيطرة الدولة العميقة، تماماً كما يتحكم صانع الألعاب بدمى المسرح. هذا السيناريو حدث في دول أخرى مثل مصر وتونس، حيث أطيح بالرئيس، لكن بقيت الدولة العميقة تتحكم بالمستقبل والحاضر.

سيناريو الصراع المستمر

لو استمر الصراع بين الثورة والدولة العميقة بعد سقوط الأسد سريعاً، لكانت سوريا اليوم أكثر انقساماً وتمزقاً، وربما وصلت إلى حالة تشبه ما نشهده في اليمن أو ليبيا. فالمجتمع السوري يحمل في طياته عوامل تقسيم عديدة، رسخها نظام الأسد طيلة 54 عامًا.

هناك مناطق في سوريا ذات طابع اجتماعي وطائفي متمايز، مثل السويداء ذات الأغلبية الدرزية، والساحل الذي يسيطر عليه العلويون، والحسكة ذات الأغلبية الكردية. هذه الخصوصيات تجعل فكرة التقسيم قابلة للتنفيذ إذا ما دعمتها جهات خارجية أو غذتها صراعات داخلية.

طوال الثورة، كان السوريون يُهدَّدون بأن نجاحها سيؤدي إلى انهيار الدولة بسبب انهيار مؤسساتها. هذه الفكرة كانت تتردد على لسان الأمريكيين والروس، الذين أكدوا مرارًا أنهم لا يريدون انهيار الدولة، بل يرغبون في الحفاظ على مؤسساتها مقابل سقوط بشار الأسد.

لكن هذه الحجة كانت تخفي حقيقة أن الجيش والأمن ليسا مجرد مؤسسات للدولة، بل هما العمود الفقري لنظام الأسد. الادعاء بأن “النظام شيء والدولة شيء آخر” كان وهمًا يردده السياسيون الغربيون، فيما تأكد لاحقًا أن الجيش هو الأداة الرئيسية التي يرتكز عليها النظام لاستمرار حكمه.

ماذا لو سقط بشار وبقيت مؤسسات النظام؟

تخيلوا لو أن بشار الأسد سقط بعد 14 عاماً من الثورة، وبقيت مؤسسة الجيش على حالها، مليئة بالضباط والعناصر الطائفيين بفكرهم الإقصائي وسلوكهم القمعي وسيطرتهم على مفاصل الدولة. في هذه الحالة، لكان الصراع الذي عشناه طوال السنوات الماضية يبدو وكأنه “لعب عيال”، كما يقول المصريون، مقارنة بما قد يأتي بعده.

صراع “الثيران”

لو حدث ذلك، لكنا انتقلنا إلى مرحلة جديدة من الصراع، صراع “الثيران”، الذي سيدمر الحياة السياسية في المرتبة الأولى، ثم الاجتماعية والاقتصادية في المرتبة الثانية. ربما كنا سنعود إلى أجواء الخمسينيات في سوريا، حيث كانت الانقلابات العسكرية تحدث كل بضعة أشهر، لتأتي برئيس جديد يحكم البلاد بالحديد والنار.

حتى لو كان الرئيس الجديد من الأكثرية، فإن الانقلابات في العالم العربي لم تفرز إلا دكتاتوريين. أما السجون الشهيرة مثل صيدنايا والمزة، والأفرع الأمنية التي كتمت أنفاس السوريين، فكانت ستستمر بأدوارها القمعية وربما تعمل بكفاءة أكبر تحت غطاء جديد.

خلاصة

هذا السيناريو الافتراضي يكشف حجم التعقيد الذي واجه الثورة السورية، حيث لم تكن المشكلة فقط في شخص بشار الأسد، بل في بنية نظام متجذر يعتمد على القمع والسيطرة. الثورة لم تكن مجرد محاولة لتغيير رأس النظام، بل كانت محاولة شجاعة لكسر نظام عميق ومستبد تشكل على مدى عقود طويلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى