أرشيف المجلة الشهرية

مقال هجائي نادر عنها في قناة روسية: مجزرة حماة 82 حرب الأسد ضد الشعب السوري

المصدر: قناة ألف، 27/10/2019

ترجمة د. علي حافظ

يبقى عام 1982 حافلاً بالأحداث في ذاكرة البشرية: مظاهرة قوامها 200 ألف شخص في لشبونة عاصمة البرتغال، ضد التهديد بالحرب، ونشر الأسلحة النووية، وهبوط المركبة الفضائية السوفييتية “فينيرا-13” على كوكب بعيد. لكن ذلك العام دخل تاريخ سوريا، باعتباره العام الذي حدثت فيه “مجزرة حماة”. كان حافظ الأسد والد الرئيس السوري الحالي بشار هو الشخصية الرئيسة في هذه المجزرة.

قُتل في ذلك الوقت ما بين 17 إلى 40 ألفاً من سكان المدينة البالغ عددهم 250 ألف نسمة، وفقاً لتقديرات مختلفة!

استيلاء حافظ الأسد على السلطة

نتذكر اليوم حدثاً رهيباً آخر نتج عن شهوة السلطة، والمصلحة الشخصية الأنانية. ولسوء الحظ، فقد ضاعت هذه القضية على جدول الأعمال على خلفية الثورة الإيرانية، ولم يولِ المجتمع الدولي اهتمامه الواجب بهذه المأساة. وكما هو الحال اليوم، خشي الكثيرون من أن يصل “الإسلاميون” إلى السلطة.

كان حافظ الأسد والد الرئيس الحالي بشار هو الشخصية الرئيسة في هذه المجزرة، والذي وصل إلى السلطة؛ نتيجة سلسلة من خياناته لرفاقه.

يمكن بسهولة تتبّع النمو الوظيفي له، من خلال المصادر المفتوحة، وهكذا شارك الأسد في الانقلاب العسكري الذي أوصل حزب البعث إلى السلطة في سوريا عام 1963، حيث تم تعيينه قائداً للقوات الجوية. وفي عام 1966، شارك في انقلاب آخر أطاح بالآباء المؤسسين لـ “حزب البعث الاشتراكي”، وأوصل الجنرال صلاح جديد إلى السلطة. وبعد تولّيه منصب وزير الدفاع في الحكومة الجديدة، قام بانقلاب عسكري أطاح بجديد عام 1970، لكن في الطريق إلى حلم حافظ المنشود، وقف الدستور الذي يحظر على غير المسلمين تولّي منصب رئيس البلاد.

اضطهاد المسلمين السوريين

كما تعلمون، فإن الأسد كان علوياً، ولم يُعتبر مسلماً، لكن في عام 1973، تبنّى بعض الزعماء الروحيين للشيعة الاثني عشرية (الحركة الشيعية الرسمية الأكثر انتشاراً في إيران الحديثة) فتوى، مفادها أنه يجب اعتبار العلويين شيعة يخضعون للقواعد القانونية للعلاقات بين الشيعة، والتي تحدد الأمر الواقع، من خلال الاعتراف الرسمي بهم كمسلمين شيعة. وبناء عليها، فتحت الطريق أمام حافظ الأسد إلى الرئاسة!

تمتعت “جماعة الإخوان المسلمين”، بمكانة قوية نوعاً ما في البلاد ذلك الوقت، حيث مثّلت إلى حد كبير الأغلبية السنية في البلاد. أثار استيلاء العلويين على السلطة تحت قيادة عشيرة الأسد، ردود أفعال نشطة من جانبهم!

قدّمت حكومة الأسد دستوراً جديداً في مارس 1973، أزالت منه جميع الإشارات إلى الإسلام، باعتباره الدين الرسمي للدولة؛ ما أدى إلى تعزيز الشكوك السنّية في أن حكومة الأسد الجديدة ليست مؤيدة للعلويين، والعلمانيين، والقوميين فحسب، وإنما مناهضة للإسلام أيضاً.

شهدت المواجهة تصعيداً حاداً، منذ وصول حزب البعث إلى السلطة، ففي يوليو/تموز 1980، صدر “القانون رقم 49″، الذي نصّ على عقوبة الإعدام لأعضاء “جماعة الإخوان المسلمين”. وكان السبب هو محاولة اغتيال فاشلة لرئيس سوريا، حيث اتُهمت المنظمة بالتعاون مع أجهزة مخابرات رئيس العراق صدام حسين، زعيم فرع آخر منافس للبعثية ذاتها.

اندلعت أعمال عنف واسعة النطاق، ضد المعارضين السياسيين. خلال فترة القمع الدموي، شكّل أعضاء الحزب الحاكم وحدات عقابية خاصة تسمّى “سرايا الدفاع”، وكان يقودهم الأخ الأصغر لحافظ، ونائبه رفعت الأسد الذي قام نفسه بمحاولة انقلاب فاشلة عام 1983.

إعلان استقلال مدينة حماة

تعرض آلاف المعارضين للتعذيب، حتى الموت في سجون تدمر، والذين اعتُقلوا للاشتباه في تورّطهم، مع ما سمّوا بـ “الإسلاميين”. في ليلة 2-3 فبراير 1982، تحركت “ألوية” الأسد شبه العسكرية نحو مدينة حماة التي اعتُبرت في ذلك الوقت معقلاً للمعارضة السنّية. كان من المفترض أن يضع الجيش حداً لأية جماعات، ومشاعر مناهضة للحكم، متذرعاً بشنّ حرب ضد “المتطرفين الدينيين الموالين للعراق”، لكن القوات الحكومية هُزمت على يد قوات المتمردين.

ونتيجة للدفاع الناجح، أُعلنت حماة “مدينة محرّرة”: دعت الإذاعة الرسمية للمتمردين حينها جميع السوريين، إلى الانتفاضة ضد حكومة الأسد، بينما ردّ حافظ بعنف غير مسبوق، حيث تقدّم جيش قوامه 12 ألفاً إلى حماة؛ من أجل محاصرتها. قال رجل أعمال أمريكي عاش في حماة حينذاك: “بقيت حماة تحت سيطرة الأهالي، خلال الأيام الأربعة الأولى من المواجهة. وكان الجيش يخسر المعركة؛ لذلك استدعت الحكومة قوات خاصة لتهدئة المتمردين”.

دمار مدينة حماة وسكانها

لكن، لم يكن القتال ضد المتمردين، بل ضد جميع السكان، بما فيهم المدنيون.

تم إطلاق نيران المدفعية على المدينة، وعمل الطيران بلا رحمة من الجو. وبعد القصف والتمهيد المدفعي شنّت القوات هجوماً، ولم تأخذ أيّ أسرى.

تم قمع الانتفاضة بعد أربعة أيام من القتال العنيف الذي حوّل المدينة إلى أنقاض، ومن ثم استمر التطهير لعدة أسابيع.

“مشيت في الشارع الرئيسي المليء بالركام، ومررت بساعة حماة الشهيرة التي لم يبقَ منها أثر، كذلك لم يبقَ أي أثر للمسجد الكبير.. رأيت مناطق تحوّلت إلى أطلال”، هكذا يتذكر أحد السكان المحليين الأيام الأولى بعد المذبحة!

“كانت مجزرة حماة من المحرّمات، لم يتحدّث الناس عنها حتى في ما بينهم. أمّا أولئك الذين قُتلوا واختفوا، فلم يُذكروا حتى من قبل عائلاتهم، وما حدث كان مجرد كلام عن أحداث عادية”، كما صرح ياسر الحموي أحد سكان المدينة.

يصف المؤرخون أحداث حماة، بأنها تُعدّ بين أكثر الأعمال دموية التي قامت بها أي حكومة عربية، ضد سكانها في تاريخ الشرق الأوسط في القرن العشرين.

كانت الغالبية العظمى للقتلى من المدنيين، ولا علاقة لهم بالقتال. وكما ذكرت سابقاً، قتل من 17 إلى 40 ألف شخص، وسجن النظام من 30 إلى 100 ألف، وفي غضون أسابيع قليلة دمر نصف المدينة. تم مسح الآثار التاريخية والمباني القديمة، و63 مسجداً، و4 كنائس من على وجه الأرض…

عُدّ عام 1982 قاتلاً بالنسبة للمعارضة السورية؛ إذ لم تعد موجودة عملياً لوقت طويل. وتعرّضت الأغلبية السنّية التي تمثل 80 % من سكان البلاد للقمع والترهيب.

لسنوات عديدة، فضّل خبراء “مكافحة التطرف الإسلامي” الإشارة إلى قمع الأسد لحماة، كمثال للحل الدموي، ولكن الناجح للخلاص من المشاكل الأكثر تعقيداً في الشرق الأوسط.

تحوّل كل هذا إلى غبار عام 2011، مع انطلاق الانتفاضة السورية الجديدة التي استندت إلى نفس الأسباب التي سادت أوائل الثمانينيات. وطغى المجد الرهيب لبشار نجل حافظ الأسد الذي أجبر أكثر من نصف سكان البلاد، على البحث عن الخلاص في الخارج، على جرائم الحرب التي ارتكبها والده في حجم الخسائر والدمار.

العنوان الأصلي باللغة الروسية:

Резня в Хаме 82 г. Война Асадов с народом Сирии

 Алиф ТВ 27.10.2019

_____________________________________________

 من مقالات العدد الثامن من مجلة (العربي القديم) شباط/ فبراير 2024

زر الذهاب إلى الأعلى