الرأي العام

التناقضات والانتهاكات في المشهد السوري

بعض الشخصيات المعارضة التي كانت تهاجم الجولاني بالأمس، أصبحت اليوم ترى فيه شريكاً سياسياً أو ضرورة

رودي حسو – العربي القديم

شهدت الساحة السورية تحولات معقدة في السنوات الأخيرة، حيث تبدلت الولاءات السياسية وتغيرت مواقف الشخصيات والقوى المسيطرة، ما كشف عن تناقضات جوهرية في الخطاب السياسي والعسكري للمعارضة. هنا سوف ألقي الضوء على التناقضات والانتهاكات المرتبطة بكلٍّ من محمد أبو عمشة وحاتم الشقرا، وكيف أصبحا في مواقع نفوذ رغم سجلهما الحافل بالتجاوزات. كما نتطرق إلى ازدواجية مواقف بعض السوريين المعارضين الذين كانوا ينتقدون هذه الشخصيات في الأمس القريب، لكنهم اليوم يطالبون قسد بتسليم السلاح، متغافلين عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الجولاني في صفوف هيئة تحرير الشام.

أبو عمشة: شخصية مثيرة للجدل

محمد أبو عمشة، زعيم فرقة السلطان سليمان شاه، كان أحد أبرز قادة الفصائل المدعومة تركياً، لكنه لم يخلُ من سجل انتهاكات واسع، شمل اتهامات بالقتل خارج القانون، السرقة، الابتزاز، والاتجار بالممتلكات في عفرين. ورغم الفضائح التي طالت فصيله، بما في ذلك اتهامات بالفساد والاعتداءات الجنسية، إلا أنه ما زال يحتفظ بمكانة قيادية، معتمداً على الدعم التركي وتوازنات القوى المحلية.

ما يثير الاستغراب أن العديد من المعارضين السوريين الذين كانوا ينتقدون أبو عمشة قبل سنوات، صاروا اليوم يبررون وجوده بل ويدافعون عنه تحت ذرائع مختلفة، رغم استمرار التقارير التي توثق انتهاكاته بحق المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها.

حاتم الشقرا: صعود في ظل الفوضى

حاتم الشقرا، قائد فرقة أحرار الشرقية، لا يقل إثارة للجدل عن أبي عمشة، إذ ارتبط اسمه باتهامات بعدة انتهاكات خطيرة في شمال سوريا، أبرزها إعدامات ميدانية، اختطاف مدنيين، واستيلاء على ممتلكات النازحين. فصيله متورط في قتل السياسية الكردية هفرين خلف عام 2019، وهو الحدث الذي أثار انتقادات دولية واسعة.

ورغم هذه الاتهامات، لا يزال الشقرا في موقع قوة، مستفيدًا من غياب المحاسبة الحقيقية واستمرار الدعم الإقليمي، في وقت يواصل فيه بعض المعارضين الدفاع عن وجوده أو التزام الصمت تجاه تصرفاته، متجاهلين ماضيه المليء بالتجاوزات.

الهجوم على قسد والتغاضي عن الجولاني

من أبرز مظاهر التناقض في المشهد السوري هو أن المعارضين الذين يطالبون اليوم قسد بتسليم السلاح بحجة إنهاء الفوضى، هم أنفسهم الذين يتغافلون عن انتهاكات الجولاني وهيئة تحرير الشام.

هيئة تحرير الشام، التي كانت تُعرف سابقاً بـ جبهة النصرة، ارتكبت العديد من الجرائم والانتهاكات، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، القتل خارج القانون، فرض الضرائب القسرية على المدنيين، وقمع المعارضين في إدلب. ومع ذلك، فإن بعض الشخصيات المعارضة التي كانت تهاجم الجولاني بالأمس، أصبحت اليوم ترى فيه شريكاً سياسياً أو ضرورة لمواجهة خصوم آخرين مثل قسد.

الازدواجية في الخطاب

هذه التناقضات تكشف عن أزمة أعمق في المعارضة السورية، حيث يتم تحديد “العدو” وفق المصالح السياسية المتغيرة، وليس بناءً على مبدأ ثابت لحقوق الإنسان أو العدالة. فما كان مرفوضاً في الأمس، أصبح مبرراً اليوم، والعكس صحيح.

إذا استمرت هذه السياسات المبنية على ازدواجية المعايير وتجاهل الانتهاكات بناءً على الولاءات السياسية، فإن المعارضة ستفقد المزيد من مصداقيتها وشعبيتها، مما يفتح المجال أمام قوى أخرى لملء الفراغ في المشهد السوري المعقد.

لا يمكن بناء مستقبل مستقر لسوريا إلا من خلال محاسبة جميع الأطراف على انتهاكاتها، بغض النظر عن موقعها السياسي أو علاقاتها الخارجية، وإلا فإن البلاد ستظل عالقة في دوامة الفوضى والصراعات الداخلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى