تفاصيل سورية | المعارضة في وطن ممزق يداوي جروحه
الوضع الجديد يحتاج معارضة حريصة على المشاركة في بناء الدولة، على مبدا مع الإيجابي وضد السلبي لفضحه
غسان المفلح – العربي القديم
– سورية لم تكن بخير منذ 1963. تزايدت جروحها يوما بعد يوم حتى وصلنا إلى بلد لا يصلح للعيش مع الحقبة الأسدية لمدة خمسة عقود ونيف. لا يصلح للعيش بحدوده الإنسانية الدنيا. هكذا تركت سورية من قبل الاسدية 8. كانون اول 2024.
سورية الآن بلد جريح وممزق. بلد ليس لديه أموال يدفع رواتب موظفيه. بلد لا كهرباء ولا خدمات. علما أنه عندما اغتصب الأسد سلطتها لم يكن هنالك مشكلة كهرباء فيها عام 1970. هذا مثال بسيط على هول التركة.
– ثلاثة عناوين غطت البلد منذ تسلمها الأسد 1970 وحتى لحظة سقوط وريثه: الفساد وتحالفاته الداخلية، مما أدى لنهب مرعب لمقدرات البلد. الطائفية مزقت نسيجها الاجتماعي وأخيرا القتل على هوية الولاء. معتقلات لا تعد ولا تحصى مقابر جماعية مدن وقرى مدمرة، واقتلاع ملايين من ارضهم وارزاقهم.
سؤال ماهي التركة الإيجابية لنظام الأسد؟ ابحثوا عنها في السراج والفتيلة لن تجدوها كما يقول المثل. إنها تركة سوداء مغمورة بدم السوريين الأبرياء.
– حدث غير وجه المنطقة هو الثورة السورية 18 آذار 2011. منذ ذلك التاريخ وسورية التي حولها الأسد الابن إلى مقبرة جماعية بغطاء أمريكي دولي، تعرضت لاحتلال خمسة جيوش. خلقت هذه الجيوش قوى أمر واقع إضافة للاحتلال الاسدي.
– حدث التغيير المنتظر وغير المتوقع من كافة نخب المعارضة وحتى نخب الثورة ذاتها ولا متوقع من تحالفات العصابة البائدة الداخلية والخارجية. حدث تغيير عالمي في اللوحة لا يهم الحديث عن الأسباب الآن. تغيير يحتاج من كل هذه النخب أن تتوقف قليلا مع نفسها. معارضة كل هذا التغيير حدث وهي تنام في العسل! على يدي قوة خارج الحسابات كلها، سواء للمعارضة أو للنخب الثقافية والأيديولوجية في البلد. هذا يقتضي مراجعة للذات عميقة. لكن هذا لم يحدث، بل ما يحدث الآن هو العكس تماما. الخطاب نفسه، وطريقة التفكير والممارسات نفسها، وكأن ترسيمتها الأيديولوجية لم تخترق في هذه النقلة المهولة التي حدثت في سورية.
– بدأت تظهر النزعات الفاشية لدى هذه النخب السياسية نفسها التي ترفع شعارات العلمانية والديمقراطية. بدأ في خطابها حالة تنمر مرعبة لا تقيم وزنا للسلم الأهلي. نتيجة لإحساسها بأن المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا غدر بها. الان لا تحاول الوقوف مع ذاتها بل تحاول تغيير موقف المجتمع الدولي عموما والامريكي خصوصا من هذه النقلة. بعنوان عريض اسمه العلمانية والديمقراطية. كأن الأمريكي لا يعرف ماذا يدور وما كان يدور في سورية. هذه النزعات الفاشية لا تهتم الآن ببناء الدولة بل تهتم باتهام السلطة الجديدة وقسم مهم من الشعب السوري بأنه شعب متخلف يحب أن يصنع ديكتاتورا جديدا. هذه بذرة رميت بوجه الثورة منذ اليوم الأول. نفس الأشخاص وتياراتها هذه رمتها بوجه الثورة منذ يومها الأول أيضا. باختصار إنها ثورة سنية! هذا العنوان تلقفها التيار الإسلامي بكل فروعه ليحتفل بها ويؤكدها. وعمل عليها. كي نكون صريحين فاعلي الأقليات الدينية والطائفية وقفوا ضد الثورة، يمكننا ان نسجل الموقف الاعتذاري للشيخ حكمت الهجري الذي قال فيه: كان يجب أن نخرج بالثورة مع شعبنا. هذا الموقف لم يعلنه ولا فاعل اقلوي غيره. هذه النخب ترى الآن أن الأكثرية العربية السنية هي سبب بلاء البلد. لا يغرنكم الخطابات الرنانة عن الديمقراطية وحقوق الانسان والعلمانية. كما اشرت سابقا، اعطونا تنظيم ديمقراطي واحد انتجته المعارضة أو الفصائل أو قوى الامر الواقع كلها أكثر ديمقراطية مثلا من هيئة تحرير الشام!! تحول العرب السنة إلى دريئة للإطلاق عليها. صار العرب السنة كتلة واحدة تحتاج إلى دفن أو تسلم الحكم هكذا باختصار شديد كي لا نلف ولا ندور. هل قسد أكثر ديمقراطية؟ هل فلول الأسد أكثر ديمقراطية؟ هل فصائل حوران سهل وجبل أكثر ديمقراطية؟ هل فصائل تركيا أكثر ديمقراطية؟ بالتالي هل نخب المعارضة التقليدية أكثر ديمقراطية؟ لا اتحدث عن افراد، اتحدث عن تجمعات. الآن دمشق تنعم بالحرية غير الموجودة في المناطق الاخرى التي تسيطر عليها قوى الامر الواقع.
– لدى العرب السنة كل التيارات ولديهم تيارات شوفينية قومية وطائفية. هذا صحيح لكن الصحيح أيضا أن العرب السنة الآن وحتى اللحظة يتصرفون بردود فعل على ما مروا به خلال الحكم الاسدي من جهة وخلال الثورة من جهة أخرى من قتل وتدمير ومحاولات إبادة جماعية. لهذا هم يتعاملون بردود فعل على ما عانوه ويعانوه حتى اللحظة وهذا ما جعلهم يرون في هذه السلطة محرر ومخلص من نظام قاتل. لهذا كثر لا يعترف باحتلال عفرين مثلا من قبل فصائل تركيا، كما لا تعترف قسد باحتلال الجزيرة السورية.
– لهذا تيارات الفلول من كل الأطراف تسعى بحجج شتى إلى شكل من اشكال حكم العسكر من خارج هذه الأكثرية العربية السنية. وإلا كيف يمكننا تفسير تحالف هذه التيارات مع تنظيم غير ديمقراطي اسمه قسد؟ قسد المعروفة للقاصي والداني وللدول كلها أنها محكومة من قبل حزب العمال الكردستاني التركي، بغض النظر عن اساليبه النضالية التي يمكن ان تكون موقع خلاف هناك. صاحب قضية عادلة في تركيا ومحتل في سورية. كيف يمكننا ادراج هذا التحالف وأين يمكننا ادراجه؟ الآن قسد تشكل محور تحالفي بين فلول الاسدية وبين فلول هذه التيارات. يعني بلغة حزبي حزب العمل الشيوعي يلتقي اصلان عبد الكريم مع فاتح جاموس مع فلول العصابة البائدة وفلول المعارضة. في تحالف غير مباشر محوره قسد. يريدون استخدام قسد وفصائل السويداء وأحمد العودة من أجل الانقضاض على الحكم إن تيسر لهم ذلك. دون أن يرف لهم جفن في خطورة هذا الخيار على السلم الأهلي في سورية، مطلبهم عدم تسليم السلاح. رغم أنهم ينعمون بالحرية في دمشق، وعرب الجزيرة وكردها لا ينعمون بربع هذه الحرية تحت العسكر القسدي. هذه اللوحة لا علاقة لها بحقوق شعبنا السوري الكردي التي يجب أن يحصل عليها في مناطق تواجده الأكثري. ضمن شكل فيدرالي خاص بسورية والانتشار الكردي. يجب أن يحمل العرب السنة قبل غيرهم حق الكرد السوريين، بإدارة حياتهم اليومية في مدنهم وقراهم. هذا يقوى الدولة الجديدة ولا يضعفها.
– قسم مهم من أهلنا في السويداء يريد الاندماج مع الوضع الجديد لكن ما يمنعه من ذلك الفصائل المتواجدة هناك، تماما كفصيل احمد العودة في سهل حوران.
– الوضع الجديد يستحق معارضة مختلفة كليا عن هذه المطروحة في السوق الفصائلي العسكري والسياسي. يحتاج معارضة حريصة على المشاركة في بناء الدولة، على مبدا مع الإيجابي وضد السلبي ومن أجل فضحه حتى تتضح اللوحة من جهة، وحتى نصير معارضة لنظام لايزال الشعب السوري يتنفس الحرية في ظله منذ شهر ونصف. تستطيع شتم الشرع في ساحة الامويين. في خطابه الأخير وضع برنامج عمل للسلطة. برنامج عمل في حال تم الالتزام به يمكن أن يفضي لتأسيس سورية دولة قانون ونظام ديمقراطي. نحتاج لوجوه شابة جديدة تشكل تجمعات مدنية وسياسية أقله عابر للطوائف من أجل أن تكون كتلة تاريخية مدنية بمواجهة أي تغول للسلطة على حساب بناء الدولة الجديدة. هذا ما بدانا نلمسه في مناطق عدة. تحتاج هذه النويات على تشابك وطني من أجل انجاز هذه الكتلة التاريخية. في هذا السياق يكتب الصديق سامر عامر ما يلي” انتشال سوريا من قبرها السياسي بعد نصف قرن، هي عملية معقّدة ليس لها علاقة برغباتنا ولا بنرجسيتنا الثورية، السوريون الآن مدعوّون لمراجعة كل السيناريوهات واستبعاد المؤلم منها (ليبيا، السودان.. الخ). بالمناسبة ما الذي يمنع الائتلاف من حل حكومته وقطع الطريق على آثام الارتزاق والاستزلام؟ ما الذي يمنع سماحة الشيخ الهجري أن يقول ويرفع الصوت: سوريا الكل الاجتماعي هي مخرجنا الآمن ولا خيار لنا غير ذلك، ما الذي يمنع أكراد سوريا من التخلص من هيمنة قنديل لصالح الاستحقاق السوري الجامع. هي لحظةٌ تاريخية إمّا أن نستحقها وإمّا أن تتجاوزنا”.
– هنالك موجة دفاع عن السلطة الجديدة تحمل الهراء ذاته من تخوين كل من يبدي رأيا ضدها. هذا الهراء سيزول قريبا جدا. سيزول عندما تتعود الناس وتتعلم على التعايش مع المختلف سياسيا ومعتقديا وقوميا وطائفيا. تتعود كل الأطراف. الديمقراطية لا تتعلمها الشعوب بالولادة بل تتعلمها بالممارسة، هنالك رؤوس أموال قادمة ووازنة من مصلحتها الديمقراطية في سورية. كما أنه مطلوب من هذه الكتلة التي تقف مع السلطة أن تكون أكثر ديمقراطية ورحابة صدر في التعامل مع الاختلاف. أخيرا أيضا على هذه السلطة أن تتابع الانتهاكات وتجري محاكمات علنية للذين ينتهكون حياة الناس وحرياتهم الفردية والعامة. لا يكفي الكلام اننا قبضنا على هذا المجرم أو ذاك.
– لا يوجد طرف وازن الآن يمكن أن يستثمر في الطائفية او القومية سوى الفلول. خطوط السلطة الجديدة مفتوح مع الجميع، لا تريد معركة عسكرية مع أي طرف.
– من جهة أخرى أكثر حساسية لنتحدث عنها بوضوح وشفافية، تتعلق بالأكثرية العربية السنية، التي في لا وعيها ووعيها الآن أن التاريخ أنصفها بعد كل هذا العذاب والقهر والإبادة التي تعرضت لها. خلال مجريات الثورة فقدت الثقة بالأقليات، لأن الفاعل الديني والمجتمعي بالأقليات إن لم يكن داعما للأسد فهو متفرج على الإبادة. لهذا نجدها تخاف من هذا الإنجاز الذي أتت به الثورة السورية على يد هيئة تحرير الشام، بالمناسبة ليس مهما من حرر بالنسبة لها في العمق. المهم أنها تحررت. تحتاج إلى الاسترخاء وعدم الخوف من الأقليات. هذه النقطة تحتاج لوقفة حوارية جادة غايتها مصلحة البلد. تحتاج لزمن كي تشعر أنها أنصفت حقيقة كي لا يعاد السيناريو السابق. لهذا تحركات أغلب من يعارض سلطة دمشق الجديدة لا توحي لها بالثقة. مطلوب أن نمد يد مختلفة عما حدث خلال سنوات الثورة. هذه تحتاج لضمير.
– من كان يقيم في الخارج ممن يطلقون على أنفسهم معارضة، والآن هم يعارضون السلطة الجديدة في غالبيتهم لم يكونوا بنفس الحماس والمتابعة والتضامن مع ضحايا الأسد! كثيرا ما نوهت لهذه المسألة سابقا. الآن أي انتهاك تجدهم يبالغون في الحديث عنه، ويبالغون في خطابهم ضد هذه السلطة. حيث يشعر العرب السنة أنهم هم المدانون، حتى بعدما تكشفت تفاصيل الهولوكوست الاسدي في سورية. لم تحاول هذه التيارات أن تكن في صف الضحية عندما كانت الإبادة، والآن تراهم باتوا انسانيين وحقوقيين انسانيين حد المفاجأة. مع ذلك من حق أي سوري مهما كان موقفه السابق ألا يسكت عن أي انتهاك. لكن يجب وضعه ليس في خطاب الصراع على السلطة في اللحظة الراهنة بل في سياق البحث عن ترسيخ الحرية وبناء الدولة كما اشرت أعلاه. أطلت عليكم اعزائي القراء.. وللحديث بقية.
هذا رأي للنقاش..