العربي الآن

المعلمون المفصولون: بين الحقيقة والتشويه والكيل بمكيالين

العدالة الحقيقية لا تعرف الكيل بمكيالين والأحقية ليست امتيازاً بل حقًا مشروعاً

مصطفى الشحود- العربي القديم

في خضم الأزمات السياسية والاجتماعية التي عصفت بالمنطقة، برزت قضية المعلمين المفصولين كأحد الشواهد الصارخة على معاناة الإنسان في مواجهة الاستبداد والظلم. ومع تصاعد الاتهامات التي تطعن في نزاهة هؤلاء المعلمين، وتشكك في دوافعهم، يصبح من الضروري تسليط الضوء على الحقيقة، بعيدًا عن التشويه والتضليل.

أولاً: الحقيقة وراء الاتهامات

تُروّج بعض الجهات لفكرة أن المعلمين المفصولين امتنعوا عن الالتحاق بمديريات التربية الحرة انتظاراً للعودة إلى النظام الذي فصلهم. هذا الادعاء ليس فقط عاريًا عن الصحة، بل يتجاهل جوهر القضية. كيف يُعقل أن ينتظر هؤلاء العودة إلى نظام قمعي فصلهم تعسفيًا بتهم سياسية ملفقة، أبرزها “الانتماء للإرهاب”، وهو اتهام اعتبره الكثيرون وسام شرف لأنه كان يُطلق على كل من تجرأ على الوقوف في وجه الظلم والدكتاتورية؟

ثانياً: معاناة ما بعد الفصل

لم يكن فصل المعلمين مجرد قرار إداري، بل كان بداية لمعاناة مركبة:

التشريد والنزوح: اضطر العديد من المعلمين للتنقل بين المناطق بحثًا عن الأمان، مما جعل الاستقرار في وظيفة تعليمية أمرًا شبه مستحيل.

العمل في المدارس الخاصة: في ظل غياب فرص التوظيف في المدارس العامة، لجأ بعضهم للعمل في مدارس خاصة تابعة للتربية الحرة، لكن ذلك لم يكن خيارًا بقدر ما كان ضرورة. العمل في مهن حرة أو منظمات: آخرون وجدوا أنفسهم مجبرين على العمل في وظائف لا تمت لتخصصهم بصلة، فقط لتأمين لقمة العيش.

ثالثاً: من المسؤول عن “الفصل”؟

التساؤل عن سبب تسميتنا بـ”المفصولين” يجب أن يُوجّه إلى الجهة التي فصلتنا، لا إلينا. لم يُفصل هؤلاء المعلمون بسبب تقصيرهم أو عدم كفاءتهم، بل لأنهم رفضوا الخضوع لنظام جائر. فكيف يُتهم من ضحى بعمله وراحته أنه ينتظر العودة لنظام هو ذاته من ظلمه واضطهده؟

رابعاً: المعايير المزدوجة في المحاسبة

من غير المنطقي محاسبة من اضطرته الظروف القسرية للنزوح أو العمل في مهن أخرى، بينما يُغض الطرف عن أولئك الذين بقوا في مناطق النظام ولم يتركوا وظائفهم رغم توفر فرصة الالتحاق بالتربية الحرة. العدالة الحقيقية لا تعرف الكيل بمكيالين.

خامساً: الأحقية ليست امتيازاً بل حقًا مشروعاً

الحديث عن “الأحقية” في التثبيت يجب أن يُبنى على معايير عادلة:

من استمر في العمل رغم الظروف الصعبة، سواء في التعليم الخاص أو في مجالات أخرى، له الحق في العودة إلى عمله. من فُصل تعسفيًا لأسباب سياسية يجب أن يُعاد اعتباره، لا أن يُحاكم مرتين: مرة من قبل النظام القمعي ومرة أخرى من قبل من يفترض أنهم يقفون إلى جانب قضيته.

لن نصمت عن التشويه

الصمت ليس في صالح قضيتنا. هناك محاولات واضحة لتقزيم معاناة المفصولين وتصويرها وكأنها مجرد خلاف وظيفي. القضية لم تكن يومًا عن راتب أو وظيفة، بل عن كرامة ومبدأ ورفض الخضوع لجهات لا تمثل قناعاتهم.

خاتمة: دعوة للتضامن لا للانقسام

بدلًا من تبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات، علينا جميعًا أن نفكر في كيفية المطالبة بالحقوق بطريقة تحترم الجميع وتقدر تضحياتهم. فالقضية أكبر من مجرد وظائف أو رواتب؛ إنها قضية إنسانية بامتياز، تتعلق بالحق في العيش بكرامة دون خوف من القمع أو التهميش. لقد دفع المعلمون المفصولون ثمن مواقفهم بشجاعة، ولن يكون الإنصاف إلا بالاعتراف بتضحياتهم، لا بتشويهها.

تعليق واحد

  1. منهم من كان في بداية الثورة ضمن الخدمة الإلزامية وانشق عن النظام البائد مع انطلاق الثورة وضحى بجميع سنوات عمره ودراسته وخاض المعارك مع الثوار الابطال، وحتى الآن لم يصدر أي قرار انصاف لهم.

زر الذهاب إلى الأعلى