أبناء المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي: ضحايا القصور التشريعي والتمييز الطائفي
حازم بعيج- العربي القديم
تعد قضية الجنسية أم الحقوق المدنية المعاصرة، إذ من خلالها يتمتع الإنسان بجملة واسعة من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية في عالم مركب على جملة من تعقيدات الدولة الحديثة، ولا يمكن الحديث عن الحقوق الطبيعية والأساسية للإنسان المعاصر دون الحديث عن الجنسية، ومعايير دساتير الدول وقوانينها وآليات منح هذا الحق، وعلى اختلاف تعريفات الجنسية ومسوغات منحها، نجد فيها سمة صلبة تبين ضوابطها وآلياتها بصورة عادلة ملائمة للقانون والتشريعات الدولية المعاصرة وللحقوق والحريات على اختلافها.
الجنسية: هوية قانونية، يقر بها القانون الدولي والمحلي، لفرد من الأفراد، تمكنه من التمتع بحق محلي مساو لبقية الأفراد في دولة سيدة وذلك بحقوق المواطنة والحماية المختلفة، والتمتع بصفة قانونية دولية تضمن له حقوقه وتقيم عليه التزاماته المختلفة.
وللجنسية طرق مختلفة أبرزها: الأرض: ويقصد بذلك الولادة على أرض معينة ووفق ضوابط يصنعها مشرع دولي وينحتها مشرع الأرض تلك، والدم: وهي رابطة النسب أبوة أو أمومة (الوالدين)، والتجنيس: ويقصد به توافر جملة من الشروط التي تضعها دولة ما للراغب في الحصول على جنسيتها. وقد يحمل الإنسان جنسية واحدة من هذه أو بأكثر، وقد يتمتع بجنسية واحدة أو أكثر، وقد يكون عديم جنسية لا يتمتع بأي جنسية على الإطلاق بسبب قصور تشريعي أو تمييز أو اضطهاد في البيئة التي يعيش فيها، وإسقاط الجنسية عن إنسان بعد حملها يعني أنه يتساوى مع من خلق على هيئة عديم جنسية، وإن كان للأولى ضوابط صارمة، إلا أن الثانية ما تزال تشكل عائقا أمام ملايين الأفراد في العالم للتمتع بحقوقهم الطبيعية والأساسية. في انتهاك واضح لكل معايير العالم المعاصر، وحرمان من حقوق أقل ما تكون طبيعية حسب إجراءات القانون والاتفاقيات الدولية التي تولد التزاما من قبل كل حكومات العالم تقريبا.
حول قانون الجنسية اللبنانية
ينظم القانون 15 الصادر في 19 كانون الثاني من عام 1925 معظم تقنيات اكتساب الجنسية في الجمهورية اللبنانية، وهو نفسه القانون المعدل قانونا في 1/11/1960، ويتألف من 13 مادة، تبين طريقة اكتساب الجنسية من ناحية الأولاد، أو تخلي حامليها عنها، أو المطالبة باستعادتها لمكتسبيها الطبيعيين برابطة الأرض أو الأبوة أو عديمي النسب من جهة الأم ولأب لبناني، أو من جهة مجهولية الأب والأم جنسية، أو من أم لبنانية وأب أجنبي لا تعطى جنسية تابعيته لأولاده، أو لأولاد أم لبنانية متوفى عنها زوجها الأجنبي أو منفصلة… وعليه يجعل القانون ال١٥ هذا الدولة اللبنانية في حالة اشتباك مع التزامات الدولة الدولية من اتفاقيات، وحالة التعارض مع مقدمة الدستور وعرضه الذي ينص على عدم التمييز والمساواة، فالقانون ١٥ لا ينص على حق اللبنانية المتزوجة من أجنبي على منح جنسيتها لأولادها من غير استثناءات المادة الأولى والثانية من القانون، كما ينص على قدرة الأجنبية المتزوجة من لبناني نيل جنسية زوجها كما في المادة الخامسة، والأولاد يأخذون جنسية والدهم بصورة مباشرة برابطة الأبوة كما في الفقرة الأولى من المادة الأولى.
هذا التمييز بين اللبناني واللبنانية قديم في القانون اللبناني وتعديل 1960 لم يلغ هذا التمييز في الحقوق الممنوحة للبناني فيما يتعلق بالجنسية مقابل المقيدة للبنانية المتزوجة من أجنبي في ذات الشأن فيما يتعلق بحقها بمنح جنسيتها لزوجها وأولادها.
وإذا كانت رابطة الأبوة هي رابطة النسب، فالجنسية يشترك فيها الدم ولا تقيد به لأنها صفة قانونية وحق مساو، وليست صفة بيولوجية أو دينية أو قريبها، فلا تخضع لرابطة الأبوة أو الأمومة، كما أنها لا تقرر باجتزاء أحد مسبباتها، أي أننا لا يمكننا اجتزاء طريقة الأرض أو الدم لتتلاءم مع هوى المشرع أو تقصيره، وهذا من ناحية إنسانية بحتة، فكيف إن كانت مزدوجة بين عامل القصور التشريعي والتمييز السياسي على أساس الانتماء الطائفي أو الدين أو الجنسية؟ حتما ستخلف انتهاكات وأزمات ومشكلات لا تحصى، وخاصة مع وجود بيئة وافدة ديمغرافية تتقاطع إيجابا مع مكونات الجمهورية اللبنانية، فمثلا نجد مئات الحالات للاجئين في لبنان يفتقرون إلى صفة قانونية من بلدانهم الأم ويتزوجون من لبنانيات، هنا تكون الضريبة الأخلاقية والإنسانية مضاعفة على الأولاد الذين لا يتمتعون بجنسية إطلاقا لا من جهة الأب ولا من جهة الأم، ولا حتى برابطة الأرض والولادة لأن المادة الأولى تستثني ذلك
التزامات دولية مضطربة
تنص مقدمة الدستور اللبناني في الفقرة ب – ج على أن لبنان “لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء”.
“لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل”.
بالتالي دستور لبنان يرتكز على ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إضافة إلى التزامه كثيرا من الاتفاقيات والصكوك الدولة المخصصة مثل: الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام 1966، والعهدين الدوليين عام 1966، واتفاقية حقوق الطفل عام 1989، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1979 (سيداو)، وهنا أبدى لبنان مع التزامه تحفظات عديدة على عدد من بنود هذه الاتفاقية، أبرزها عدم التزام البند الثاني من المادة التاسعة والذي ينص على حق المرأة المساوي للرجل في منح جنسيتها لأولادها، في ظاهرة تمييزية غير معقولة، إذ إنه يجب استثمار هذا البند لتحسين واقع المرأة اللبنانية دستوريا والدفع بعجلة الدستور اللبناني، وليس إبداء تحفظ لغايات سياسية تمييزية تمس كل بنيان دولة القانون والمجتمع، فالبند المتحفظ عليه ليس فيه انتقاص من قاعدة دستورية عادلة ولا يعود بالنقص على أي جهة في حقوقها الطبيعية والأساسية، بل يكشف ثغرات قانون معمول به من زمن الاحتلال الفرنسي، وعدل تعديلا واحدا وما زال غير مواز لمقدمة دستور لبنان أو التزامات الدولة، أو تطلعات المجتمع وعلى وجه الخصوص المرأة اللبنانية، ناهيك من عدم وجود مادة دستورية تنص على عدم التمييز -بصراحة غير مقيدة- بين المرأة والرجل في لبنان فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
مقترح
إن استمرار المشرع اللبناني بتجاهل حقوق طبيعية وأساسية مفتاحها الجنسية، فضلا عن كونه استند إلى قانون قديم جدا صدر في عهد المندوب السامي الفرنسي على سورية ولبنان ساراي وتحت إشرافه ورعايته، والذي لا يخفى على أحد الأساسات الطائفية والتقسيمية التي فصل على أساسها ما عرف بمتصرفية جبل لبنان وثم لبنان الكبير مراعاة لهواجس طائفية تكرس للمسيحيين في لبنان امتيازات استثنائية دون غيرهم من المكونات اللبنانية، مما يعرض الدولة لأزمات متعددة يقع فيها الجور والظلم على المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي وعلى الكتلة الديمغرافية اللاحقة بها والتي تتوسع شيئا فشيئا، علاوة على التمييز هذا تأتي طروحات محلية لبنانية للدفع باتجاه رفع التمييز في الجنسية بشروط تمييزية تعقد الانتهاك الحاصل، كاستثناء أبناء اللبنانية المتأهلة من جنسيات أجنبية عربية معينة كالسوري والفلسطيني اللذين يمثلان النسبة الأكبر من الجنسيات الأجنبية المتأهلة من زوجة لبنانية، واللذين هم بطبيعة الحال غالبيتهم العظمى من المسلمين! فبهذا الشكل نكون أمام تمييز مضاعف.
لذا يجب على المشرع اللبناني رفع التحفظ عن البند الثاني من المادة التاسعة من اتفاقية سيداو الموقع عليها، تماشيا مع مقدمة الدستور اللبناني التي يلتزم فيها ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن ثم تمهيد الطريق لتعديل قانون الجنسية بما يلائم الالتزام.
كما ينبغي للمشرع اللبناني إيجاد قواعد دستورية صريحة من غير استثناءات وتقنينها لرفض أي تمييز بين الرجل والمرأة قد يقع أو يتسبب بانتهاكات جمة وحرمان لكثيرين من التمتع بأولويات الحقوق والحريات، كما يحصل مع أولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي.