الزعيم الروحي للملايين من أبناء الطائفة الإسماعيلية: الآغا خان الرابع وإرثه الإنساني والتنموي
رغم الدور الذي لعبته شبكة الآغا خان للتنمية، إلا أن تجربتها في سوريا كشفت عن قضايا فساد واستغلال نفوذ

نوار الماغوط – العربي القديم
في 4 فبراير 2025، فقد العالم شخصية بارزة في مجال العمل الخيري والتنمية، برحيل صاحب السمو الأمير كريم الحسيني، الآغا خان الرابع، في العاصمة البرتغالية لشبونة عن عمر ناهز 88 عامًا. كان الأمير كريم زعيما للطائفة الإسماعيلية النزارية، وشخصية ذات تأثير عالمي في مجالات التنمية المستدامة ومكافحة الفقر، حيث أسس ورأس شبكة الآغا خان للتنمية، التي تُعد واحدة من أكبر المنظمات غير الحكومية في العالم.
حياة الآغا خان ومسيرته
وُلد الأمير كريم الحسيني في 13 ديسمبر 1936، وتولى الإمامة في 11 يوليو 1957، خلفًا لجده الآغا خان الثالث. ،و الذي يعتبره أتباعه من سلالة النبي محمد ورغم أنه لم يكن الابن الأكبر للعائلة، اختاره جده لقيادة الطائفة، مؤمنًا بأن الشباب هو مفتاح المستقبل في ظل العصر الحديث.
على مدى عقود، لعب الآغا خان دورًا مركزيًا في تعزيز الحوار بين الشرق والغرب، حيث سعى إلى تسليط الضوء على القيم الإسلامية الحقيقية، بعيدًا عن الصور النمطية، ودعا إلى التعاون الدولي في القضايا الإنسانية والتنموية. كما كان له تأثير كبير في ميادين الثقافة والفن الإسلامي، حيث أطلق جوائز ومبادرات لدعم العمارة الإسلامية والفنون التقليدية.
إرثه التنموي: شبكة عالمية من المشاريع الخيرية
تُعد شبكة الآغا خان للتنمية (AKDN) واحدة من أبرز إنجازاته، حيث توظف نحو 96 ألف شخص وتدير برامج في أكثر من 30 دولة، بميزانية سنوية تقارب مليار دولار. تركز الشبكة على مجالات عدة، منها الرعاية الصحية، والتعليم، والإسكان، والتنمية الاقتصادية، خاصة في البلدان النامية في آسيا وإفريقيا.
انتشرت مستشفيات الآغا خان في أماكن كانت تعاني من تدهور في الخدمات الصحية، مثل بنغلاديش، طاجيكستان، وأفغانستان، حيث استثمرت الشبكة مبالغ طائلة لتحسين البنية التحتية الصحية. كما شملت جهوده دعم التعليم من خلال إنشاء جامعات ومدارس، لضمان وصول الأجيال القادمة إلى فرص تعليمية ذات جودة عالية.
الآغا خان في سوريا: مشاريع تنموية وسط تحديات معقدة
دخلت شبكة الآغا خان إلى سوريا بهدف تحسين البنية التحتية، لا سيما في مجال الحفاظ على التراث، والرعاية الصحية، والتنمية الاقتصادية. لكن رغم المشاريع الطموحة، واجهت المبادرات تحديات كبيرة، من بينها البيروقراطية الحكومية والفساد الذي تسلل إلى بعض جوانب التنفيذ
الفساد والتلاعب بمشاريع الآغا خان في سوريا
رغم الدور التنموي والانساني الذي لعبته شبكة الآغا خان للتنمية عالميًا، إلا أن تجربتها في سوريا كشفت عن قضايا فساد واستغلال نفوذ أثارت جدلًا واسعًا. فبينما كانت المشاريع تُنفَّذ باسم التنمية والحفاظ على التراث، ظهرت تقارير تفيد بأن بعض المسؤولين داخل الشبكة تورطوا في ممارسات فساد مالي وإداري، بالتعاون مع جهات حكومية محلية .
التلاعب بمشاريع الترميم في حلب
في بداية عمل المؤسسة بحلب ، تقدَّمت بطلب إلى المؤسسة الإعلامية التابعة لشبكة الآغا خان، طالبًا تغطية مشاريع الترميم التي تقوم بها الشبكة في قلعة حلب. كان الهدف توثيق هذه الإنجازات التاريخية التي يُفترض أن تكون إضافة للمجتمع المحلي. لكن المفاجأة كانت برفض الطلب من قبل السيد م . د ، الذي كان يشغل منصبين داخل المؤسسة: المسؤول المالي والمسؤول الإعلامي في حلب. بالإضافة لعمله في مركز البحوث العلمية بحلب و برر الرفض بقوله: “لا داعي للإعلام، إنجازاتنا تحكي عنا”.
لم يكن هذا الرفض مجرد قرار إداري، بل كان يخفي شبكة من الفساد وسوء الإدارة. لاحقًا، أفاد أحد العاملين في المؤسسة بأن المذكور تورَّط في سرقة الأموال المخصصة لترميم المواقع التاريخية، وذلك بالتعاون مع مديرية آثار حلب. لم يقتصر الأمر على سرقة الأموال، بل تم تدمير بعض المعالم التاريخية عمدًا، ثم أُعلن في وسائل الإعلام أن “الإرهابيين” هم من دمَّروا ما تم ترميمه بملايين الدولارات. كشفت التحقيقات اللاحقة أن هذه الادعاءات لم تكن سوى غطاء للفساد المالي والإداري، حيث تم التلاعب بعقود الترميم والمبالغ المخصصة لها، ما أدى إلى خسائر فادحة على المستوى التراثي والمالي
سرقة الإنتاج الإعلامي والتلاعب بالحقوق
في عام 2001، جري إعداد مجموعة من الأفلام الوثائقية حول زيارة الآغا خان لسوريا، والتي كانت تهدف إلى تسليط الضوء على مشاريع المؤسسة في البلاد. لكن هذه الأفلام تعرّضت للتلاعب وسرقة الحقوق، حيث قامت السيدة ف . ح ، زوجة أحد الموظفين الفاسدين الكبار في وزارة الصناعة، بحذف أسماء فريق العمل من “تتر” البداية و النهاية ، بما في ذلك اسم الإعلامي الذي عمل على إعداد الوثائقيات. ، لتظهر الأفلام وكأنها إنتاج حصري لممثلي المؤسسة. هذا النوع من التلاعب الإعلامي يهدف إلى السيطرة على جهود الإعلاميين وإخفاء الحق المعنوي لهم بعيدا عن التدقيق الخارجي.
الانتقام الوظيفي وتصفية الحسابات
لم تتوقف التجاوزات عند الفساد المالي وسرقة الإنتاج الإعلامي، بل امتدت إلى الانتقام الوظيفي.في عام 2002 ، تعرضت زوجتي الدكتورة جمانة وردة، الطبيبة الاختصاصية في الصحة العامة،لموقف مهين أثناء عملها في وزارة الصحةحيث تم تكليفها من قبل وزير الصحة وقتها إياد الشطي بالتنسيق مع شبكة الآغا خان بشأن المساعدات المالية والعينية التي يمكن أن تقدمها المؤسسة للوزارة. أثناء لقائها بالسيدة ش . د ، الممثلة المؤقتة للشبكة، قوبلت برفض وقح للتعاون، حيث قالت لها السيده المذكوره : “ما ضل حدا بيفهم غيرك؟”، ما دفع زوجتي إلى العودة محبطة. وعندما أبلغت مديرها بما حدث، رد عليها بأسف قائلاً: “سنرسل لهم مفتاح الوزارة، هؤلاء جماعتكم يريدون السرقة”.
علاوة على ذلك، تعرضت أيضا لموقف مشابه , ففي عام 2017، حين تقدَّمت الدكتورة جمانة وردة، بطلب وظيفة لدى شبكة الآغا خان في ألمانيا. رغم أن مؤهلاتها كانت مطابقة تمامًا لمتطلبات الوظيفة، إلا أن طلبها قوبل بالرفض بسبب أن زوجها كان الصحفي الذي انتقد المؤسسة في بداية عملها في مدينة سلمية .
كشفت المعلومات أن قرار الرفض اتخذ كإجراء انتقامي من أحد المسوؤلين في المؤسسة وهو من الشخصيات المرتبطة بالنظام السوري، استخدم نفوذه داخل المؤسسة لتصفية الحسابات مع معارضي النظام.
التدخلات السياسية وتأثيرها على العمل التنموي
مثل العديد من المنظمات الدولية العاملة في سوريا، واجهت مؤسسات الآغا خان التنموية تحديات تتعلق بتدخل الأجهزة الأمنية والبيروقراطية الحكومية، حيث تم فرض موظفين معينين من قبل الجهات الرسمية، ما أدى إلى الحد من نزاهة المشاريع وفعاليتها.
عندما تخضع أي منظمة لضغوط سياسية أو أمنية، فإن ذلك يؤدي إلى سوء الإدارة، الفساد، وعدم وصول الدعم إلى المستفيدين الحقيقيين.
الحاجة إلى الشفافية والمساءلة
الحوادث التي تم توثيقها، سواء في سرقة أموال الترميم، التلاعب بالإنتاج الإعلامي، أو التوظيف القائم على تصفية الحسابات، كلها تشير إلى مدى تغلغل الفساد في بعض أقسام المؤسسة داخل سوريا.
ما المطلوب لإصلاح الوضع؟
نأمل من الزميل المهندس و الصديق غطفان عجوب … الممثل المقيم الحالي لمؤسسة الآغا خان في سوريا ….البدء بإجراءات إنه أهل لها ونثق بقدرته على انجازها بكفاءة مع خالص التقدير .
- إجراء تحقيقات مستقلة: مراجعة العقود والمشاريع التي تم تنفيذها داخل سوريا لكشف الفساد ومحاسبة المسؤولين.
- تعزيز الرقابة الإعلامية: السماح للصحفيين بمتابعة مشاريع المؤسسات التنموية دون عراقيل، لضمان الشفافية.
- وضع معايير توظيف عادلة: منع استخدام النفوذ داخل المؤسسات التنموية لإقصاء الكفاءات بناءً على اعتبارات سياسية أو شخصية.
- التدقيق المالي والإداري: مراجعة ميزانيات المشاريع لضمان عدم إساءة استخدام الأموال المخصصة للتنمية.
ورغم رحيل صاحب السمو الأمير كريم الحسيني، الآغا خان الرابع، فإن إرثه التنموي لا يزال قائمًا. يبقى التحدي في ضمان أن تحمل مؤسساته رسالته الحقيقية دون أن تتحول إلى أدوات بيد الفاسدين أو الخاضعين لأجندات سياسية. تحقيق الشفافية والمساءلة ليس مجرد مطلب أخلاقي، بل هو ضرورة لضمان استمرارية العمل التنموي بعيدًا عن الفساد وسوء الإدارة.
عاش الآغا خان لفترة طويلة في فرنسا وكان مقره في البرتغال في السنوات القليلة الماضية، لكن شبكته التنموية ومؤسسته مقرها في سويسرا.

وتم تعيين خليفته في وصيته التي سيتم قراءتها بحضور عائلته والقادة الدينيين في لشبونة قبل أن يتم الإعلان عن الاسم. ووفقًا لموقع المجتمع الإسماعيلي على الإنترنت، يتم اختيار الخليفة من بين أفراد نسله الذكور أو أقاربه الآخرين.
وقد أعلن لاحقاً أن الأمير رحيم الحسيني آغا خان الخامس هو الإمام الوراثي الخمسون للمسلمين الشيعة الإسماعيليين، كما عينه الإمام شاه كريم وفقًا للتقاليد والممارسات التاريخية للمسلمين الشيعة الإماميين الإسماعيليين. وتم الإعلان عن ذلك بحضور عائلة الإمام وكبار قادة الجماعة، في لشبونة في 5 فبراير 2025، بعد قراءة وصية الإمام شاه كريم.
نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته