حكومة المبشرين بالجنة: حين تستطيع أن تنتقد الرئيس وتعجز أمام وزير!
العار المهني أن صحيفة (الثورة السورية) لم تغط على صفحتها الرسمية، أيا من ندوات أسبوع اتحاد الصحفيين، ولم يغط قسم المراسلين في الجريدة سوى ندوة مديرها العام الأستاذ خالد الخلف، ليس بمنشور واحد، بل بستة منشورات دفعة واحدة!

محمد منصور- العربي القديم
لم يكن الاستياء الشعبي الذي قوبلت به عبارة الفنان همام حوت، في افتتاح حملة “حلب ست الكل” حين وصف الوزراء العشرة الحاضرين في الحفل، بأنهم “العشرة المبشرين بالجنة”… لم يكن هذا الاستياء سوى تعبيراً عن حقيقة أن الشعب السوري، مل لغة النفاق والتمسح بالمسؤولين، وإسباغ صفات مدائحية فاقعة عليهم لمجرد أنهم تبؤوا كراسي الوزارات.
المنتمون للتيار الديني اعتبروا أن المسألة فيها سخرية من صحابة رسول الله صلى الله عليهم وسلم، رضوان الله عليهم… لكن من واقع معرفتي بالتزام الأستاذ همام الديني، أرى أن المسألة بعيدة كل البعد عن هذا المقصد. أما من يريدون للدولة أن تنهض على أسس جديدة من المواطنة فقد اعتبروها تملقا للمسؤولين، وسواء كان هذا التملق أو التزيد في المديح هدفه إنجاح الحملة، أو التقرب من السادة الوزراء كأفراد بيدهم أمور الحل والعقد، فإن النتيجة واحدة، وهي غير مستساغة لدى أغلبية السوريين.
عندما دعتني جريدة (أحوال) للكتابة في عددها الأول، الذي صدر ورقيا في دمشق في عيد التحرير، كتبت مقالا بعنوان: “أين اختفت صور الرئيس” قلت فيه إن قرار الرئيس أحمد الشرع الشجاع في منع رفع صوره حتى في الدوائر الحكومية، “صاب ثقافة تأليه الحاكم وعبادة الفرد في مقتل” وقلت أيضاً: “لقد أغلق الرئيس الشرع بإصراره الواثق، واحدة من كبرى بوابات النفاق وهدر الأموال… فمنع نشر صوره خطوة غير مسبوقة، على اختلاف أنظمة الحكم الجمهورية والملكية… وهي خطوة سيسجلها التاريخ بكثير من التقدير…”
نزل الملايين إلى الشوارع في كبرى المدن والبلدات السورية، فلم نر صورة واحد للرئيس الشرع. كانت الأعلام الخضراء ترفرف في أيديهم وعلى أكتافهم وفوق رؤوسهم، لتعلن ميلاد وطنية حقيقية، تحترم الرئيس لكنها لا تقدسه، ولا تتملق له. في كل نجاحات المنتخب السوري الأخيرة، لم يهد أحد النجاح والفوز للرئيس، وعندما انبرى شاب سوري مغترب لإنتاج أغنية عنه، انتقده الناس بشجاعة حتى اعتذر عنها وحذفها… وهذا إنجاز يحسب للثقافة الوطنية الجديدة التي يأمل السوريون أن تسود وتترسخ.
لكن هذا الإنجاز العظيم، يواجه بالمقابل مقتلا، تحدثت عنه في إحدى ندوات اتحاد الصحفيين التي عقدها في احتفالات التحرير، ودعيت لأحدها كضيف. قلت: إنك اليوم في سورية تستطيع أن تنتقد الرئيس أحمد الشرع، وستواظب وسائل الإعلام الرسمية على استضافتك أو إتاحة المجال لك للكتابة أو الحديث، لكنك لا تستطيع أن تنتقد أي وزير. فقد جعلوا للوزراء حصانة في وسائل الإعلام الرسمية، أكبر من حصانة الرئيس الواثق من شعبيته وحب الناس له. وتحديتهم أن ينشر أي مقال في جريدة (الثورة السورية) مثلا ينتقد وزير الإعلام، الذي لا يوقع بريد وزارته إلا كل يوم خميس… هذا إذا لم يصادف أن يكون في هذا الخميس أو ذاك مسافراً. وتحدثت عن حجب الرخص عن شبان متوثبين يريدون أن يؤسسوا منصات مستقلة، وعن طلبات تعجيزية تفوق قدراتهم كاشتراط مساحة الشقة التي ستؤسس فيها موقعا إلكترونيا مثلا، أو المبالغ المالية التي ستدفع لقاء الترخيص، والتي اشتكي لي منها، شبان إعلاميون من حماة، يحاولون أن يؤسسوا شيئا لمدينتهم المهمشة التي عتم عليها الأسدين خلال نصف قرن تعتيما انتقاميا. آلمني أن يقول لي شاب إعلامي التقيته في حماة قبل أشهر: “والله يا أستاذ حاسين ما تغير شي، مازلنا مهمشين”.
حين أنهيت ندوتي أسرت إحدى موظفات وزارة الإعلام لأحد الزملاء الصحفيين الحاضرين، أنهم يعانون مع الوزير معاناة كبيرة بسبب قراره عدم توقيع البريد إلا كل يوم خميس. تذكرت وهو يتحدث لي ما نقله أحد الكتاب والباحثين السوريين من أبناء مدينة السلمية، حين زار وزارة الإعلام، وكان في الطابق الأرضي… فقد طلب منه الحرس المغادرة على الفور، واصطفوا كأنهم في وضعية حرس الشرف. سألهم: لماذا؟ فأجابوه: السيد الوزير وصل لازم نكون في استقباله. رد صديقي الذي يعرف كواليس الإعلام منذ ثلاثة عقود: والله محمد سلمان استحى يعملها.
كانت نتيجة مشاركتي في أسبوع ندوات اتحاد الصحفيين، أنه لم يكتب كلمة عن الندوة التي شاركت بها. حسناً… قد تكون مشاركتي غير ذات قيمة، وقد يأتي من يقول لي بتذمر: “يعني إذا جريدة الثورة ما غطت الندوة التي شاركت بها، بيكون نقص عليها شي؟” وربما سأبتسم وسأقول له معك حق لم يعيدوا إطلاق هذه الجريدة من أجلى. لكن العار المهني أن صحيفة (الثورة السورية) إياها لم تغط على صفحتها الرسمية، أيا من ندوات أسبوع اتحاد الصحفيين، ولم يغط قسم المراسلين في الجريدة سوى ندوة مديرها العام الأستاذ خالد الخلف، ليس بمنشور واحد، بل بستة منشورات دفعة واحدة!
لو كنت مديرا عاما للصحيفة، أو رئيسا لتحريرها، لعاقبت هؤلاء لأنهم بسلوكهم هذا يفتقرون لأدني قيم اللياقة واحترام زملاء المهنة. ولأنهم أظهروا للمتابعين أن هذه الجريدة هي لبروظة وتلميع مديرها العام أو رئيس تحريرها أو الوزير المشرف عليها، وليس لمتابعة نشاطات البلد وحوارات زملاء المهنة. إن اتحاد الصحفيين الذي نظم هذه الفعالية بتنوع لافت ومهني باختيار الأسماء والضيوف ومن أجيال مختلفة، هو الاتحاد الذي ينتمي له نقابيا كل محرري هذه الجريدة وسواها. لكن ماذا تفعل حين تنهار قيم احترام المهنة، ولا يقول رئيس التحرير أو المدير العام لهؤلاء: عيب بهدلتونا!

ستة منشورات على صفحة جريدة الثورة الرسمية لتغطية محاضرة مديرها العام، مع تجاهل معيب لكل ندوات اتحاد الصحفيين الأخرى (العربي القديم)
لن أستفيض كثيرا في تجاهل جريدة (الثورة السورية) و(الإخبارية السورية) العرض الأول لفيلم (أيام التحرير) في المكتبة الوطنية، الذي أنتجته وزارة الثقافة مشكورة، فقد اعتذر رئيس تحرير جريدة الثورة ومديرها العام عن عدم الحضور حين دعوتهما شخصياً، لسفرهما الاضطراري إلى إدلب، رغم أن رئيس التحرير الصديق الرائع نور الدين الإسماعيل كان ضيفا في الفيلم، وقد تعهد لي مدير المراسلين في الجريدة بالحضور ثلاث مرات وبأنه سيغطي الحدث بنفسه، لكنه لم يحضر ولم يعتذر وعندما عاتبته قال لي في رسالة نصية: “والله ماصرلي للأسف… صار عنا شغل” ورغم هذا “الشغل” قامت الجريدة مشكورة بتغطية فيلم “الابن السيء” بمنشورين على صفحتها رغم أنه ليس العرض الأول له، وسبق أن عرض في دار الأوبرا من قبل. وهو فيلم يستحق الاحتفاء بالتأكيد… كما نشرت عن فيلم (غاندي الصغير) في إدلب، رغم أنه ليس العرض الأول له، واليوم نشرت مادة عن فيلم (ردع العدوان) الذي لم يعرض بعد!!!
هذه الملابسات دفعتني لسؤال رئيس تحرير الجريدة إن كان هناك توجيها بعدم التطرق للفيلم، بسبب موقفي المعلن من وزارة الإعلام، التي لا يحتاج وزيرها لتزكية شعبية أو مهنية من أحد، فرأي الناس بأدائه بات معروفاً، لدرجة أنه قال في لقائه مع منصة سوريا الآن: “إذا كان وجودي سيؤثر على شعبية الرئيس فأنا بطلع برا” لكن رئيس التحرير أكد لي: “قطعا هذا لم يحصل مطلقا ولا يمكن أن يحصل”. ولأنني أصدقه وأكذب نفسي فقد صدقته… ولو على مضض. فإذا لم أصدقه ماذا بإمكاني أن أفعل سوى أن أقول له أن الظلم لا يدوم مثلاً… ولو دامت لسواكم ما وصلت إليكم؟!
ليست المشكلة فقط في جريدة الثورة أو وزارة الإعلام وحسب، فقد تواصلت أخيرا مع مدير مكتب وزير آخر، فلم يرد لمدة ثلاثة أيام على رسالتي… وعندما عاتبته قال لي: أن المسجات فوق ما بتتخيل.
وبالطبع فأنا أصدقه… فأنا خيالي عاجز الآن بالمعنى الحقيقي للكلمة… ولا عمل لدينا اليوم إلا أن نصدق كل التبريرات، حتى لو كانت على حساب كرامتنا ووجعنا… ودامت حكومة المبشرين بالجنة!