دلالات وقضايا | أبشع 23 ألف جريمة موثَّقة ضدَّ الطُّفولة
تضمُّ الوثائق 23 ألف اسم من أسماء الأطفال المفقودين؛ أي 23 ألف جريمة موثَّقة بالاسم وظروف الاعتقال أو التَّعذيب أو القتل أو الاتِّجار بالأعضاء

د. مهنا بلال الرشيد – العربي القديم
بعد تشكيل حكومة الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة الجديدة مباشرة صدر القرار الوزاريُّ رقم 1806 للعام 2025 لمتابعة أخطر انتهاكات النِّظام المخلوع وأبشع جرائمه المنظَّمة بحقِّ الطُّفولة وأطفال المعتقلين وأبناء المعتقلات في السُّجون وأطفال المياتم والمبرَّات وجمعيَّات رعاية الأطفال وقرى الأطفال من مجهولي النَّسب. وخوَّل هذا القرار الوزاريُّ السَّيِّدة هند قبوات وزيرة الشُّؤون الاجتماعيَّة والعمل مع السَّيِّد سامر القربيّ رئيس لجنة الأطفال المفقودين مع باقي أعضاء اللَّجنة المختصَّة وفريق العمل التِّقنِّي متابعة ما يقرب من 23 ألف جريمة موثَّقة ارتكبها نظام المخلوع خلال ما يقرب من أربع عشرة سنة من عمر الثَّورة السُّوريَّة المباركة، وانطلقت عجلة التَّحقيق بعد تحريك دعاوى قضائيَّة من قبل أهالي الأطفال المفقودين وذويهم.
الجريمة الأولى بحقِّ الطُّفولة
زار المجرم المخلوع بشَّار الأسد مع زوجته أسماء الأخرس قرى الأطفال (SOS) في خان العسل بالقرب من مدينة حلب في بدايات وراثته السُّلطة والحكم في الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة؛ أي قبل أكثر من عشرين سنة من وقتنا الرَّاهن، وبثَّ يومها التِّلفزيون الرَّسميُّ صورًا ومقاطع مرئيَّة للمجرم المخلوع بشَّار الأسد مع زوجته أسماء الأخرس، وهم يلعبون بالدَّحل أو كرات البلُّور الزُّجايَّة مع أطفال هذه القرى أو المياتم المعروفة باسم قرى الأطفال في خان العسل (SOS). وبخلاف صورة الرَّئيس اللَّطيف وزوجته الحنونة الَّتي صدَّرها التِّلفزيون الرَّسميُّ من خلال اللَّعب مع الأطفال أو ملاطفتهم، أوبطريقة شيطانيَّة لا تخطر على ذهن أيِّ إنسان سويٍّ كان المجرم بشَّار الأسد وزوجته أسماء الأخرس يفكِّرون بتدجين بعض هؤلاء الأطفال لتحويلهم إلى عبيد يؤمنون بأنَّ بشَّار الأسد (ربُّهم) أو بتحويلهم إلى سجَّانين يقومون بأفظع الجرائم في المعتقلات؛ وهنا لا نستبعد أن يُفرز بعض هؤلاء الأطفال الصِّغار عند بلوغهم لممارسة التَّعذيب في سجن تدمر أو سجن صيدنايا بعد تدجين هؤلاء الأطفال بالأيديولوجيا الخبيثة وتربيتهم الخاصَّة بالتَّعاون مع مربِّيات قذرات، وربَّما دفع التَّفكير الإجراميُّ الكامن خلف تدجين الطِّفل البريء إلى الاستمتاع بالتَّعذيب ذاته؛ لأنَّه رُبِّي على هذه الأفكار المشوَّهة، وربَّما كان الإنسان المعذَّب والده أو شقيقه الَّذي لا يعرفه في المعتقل، كما أنتجت هذه القرى قطعان الحماية الشَّخصيَّة (bodyguard) للعائلة الحاكمة المجرمة.
بالمحصِّلة ومن خلال (مناهج تربويَّة خاصَّة جدًّا)، ومن خلال تسليم هذه القرى وتلك الجمعيَّات والمياتم والمبرَّات إلى شخصيَّات نسائيَّة قذرة ترتبط بأسماء الأسد مباشرة، حوَّل التَّفكير الإجراميُّ أبناء هذه المياتم إلى (جماعات وظيفيَّة خاصَّة جدًّا جدًّا)، تستسيغ الجريمة والإجرام، وتمارسهما بطريقة منظَّمة؛ لأنَّها مدرَّبة على مثل هذا السُّلوك؛ وهنا نتذكَّر مقولة لفيلسوف التَّربية البراغماتيِّ الأمريكيِّ جون ديوي، الَّذي قال: (يولد الطِّفل وعقله صفحة بيضاء، والتَّربية تطبع عليها خبرات الحياة)؛ أي أنَّ الفكر الإجراميَّ المنظَّم طبع أسوأ خبرات الحياة في أذهان أضعف فئة مجتمعيَّة؛ وهم الأطفال، وليس الأطفال الأبرياء العاديُّون، وإنَّما الأيتام من أبناء الأرامل من زوجات المعتقلين أو شهداء الحرب أو أحفاد الجدَّات الثَّكالى المفجوعات بفقد الأبناء، أو أبناء الثَّائرات اللَّواتي اغتصبهنَّ بعض السَّجَّانين في السُّجون؛ فوُلد أطفال لا يعرفون شيئًا من هذه الحياة غير قضبان السُّجون، الَّتي وُلدوا ونشؤوا فيها؛ لنتذكَّر مقولة مؤلمة أخرى: (الطُّيور الَّتي تنشأ في الأقفاص لا تعرف معنى الحرِّيَّة، بل ربَّما حنَّت إلى الأقفاص حنين الطَّير إلى عشِّه أو حنين الإنسان إلى وطنه)، وبهذه الطِّريقة وجد بعض الأطفال نفوسهم كفتيان أو يافعين وُلدوا في السُّجون، ونشؤوا فيها أو خلف قضبانها.
المجرمون الأطبَّاء والمثقَّفون الخونة أخطر جزء في هذه الجرائم
لم يصنع الفكر الإجراميُّ في إدارة المياتم (جماعات وظيفيَّة مظلومة جدًّا جدًّا) من أطفال السُّجون وأبناء المعتقلين والمعتقلات وحسب، بل تشير بعض التَّقارير إلى تصفية بعض الأطفال والمتاجرة بأعضائهم وأعضاء بعض المعتقلين أيضًا وبيعها للأثرياء؛ لتصل هذه الجرائم المنظَّمة حدودًا لا توصف في بشاعتها وقذارتها؛ إنَّها جريمة مركَّبة لا تقف عند تهديم بيوت الآباء الأبرياء أو اعتقالهم وتعذيبهم حتَّى الموت، بل تتعدَّى إلى تشريد أطفالهم وتحويلهم إلى المياتم (المداجن)، ثمَّ تقود إلى اعتقال الأطفال أنفسهم أو تعذيبهم حتَّى الموت مثل اعتقال الطِّفل الشَّهيد حمزة الخطيب وتعذيبه حتَّى الموت، أو اغتصاب النِّساء الثَّائرات من معتقلات الرَّأي وإجبار بعضهنَّ على الإنجاب من زواج غير شرعيٍّ وبالإكراه خلف قضبان السُّجون، مع الاتِّجار بالبشر أو الاتِّجار بأعضاء البشر من الأطفال والمعتقلين بالتَّعاون مع بعض الأطبَّاء القذرين في مشافي أو (مسالخ) الدَّولة؛ لجمع سبائك الذَّهب الَّتي كُشف عن بعضها في واحد من قصور المجرم وسيم بديع الأسد، ولبناء قصورالمجرم المخلوع بشَّار الأسد وقصور المجرم ماهر الأسد ومزارعه وتأمين السُّلالات الفريدة من الخيول لزوجته وبناته وتأمين مصاريف الحرب ضدَّ الشَّعب الثَّائر وشراء السَّيَّارات الفاخرة لهذه العائلة القذرة مع تأمين رحلات وألعاب ترفيهيَّة لأبناء بشَّار وأبناء أخوته وأخواته وبناتهم أيضًا.
رأس الخيط والحقُّ الَّذي لا يموت
بعد اختيار السَّيِّدة هند قبوات وزيرة للشُّؤون الاجتماعيَّة والعمل وتشكيل لجنة الأطفال المفقودين برئاسة السَّيِّد سامر القربيّ بدأ العمل بمتابعة بعض الدَّعاوى لدى أصحاب الحقِّ الَّذي لا يموت من ذوي الأطفال المفقودين وأقربائهم، وكشفت التَّحرِّيات الأولى عن أدوار مشبوهة وشراكة في الجريمة المنظَّمة قامت بها بعض الموظَّفات (الموقوفات الآن على ذمَّة التَّحقيق) من رئيسات بعض المياتم ومديرات بعض المبرَّات وجمعيَّات رعاية الأيتام والأطفال في قرى (SOS)، وفي ضوء التَّحقيقات اُعتقل كلٌّ من فداء دقُّوري رئيسة مجلس إدارة (دفى)، كما اُعتقلت ندى الغبرة ولما الصَّواف المديرتان السَّابقتان لدار (لحن الحياة)، واُعتقلت أيضًا رنا البابا مديرة جمعيَّة المبرَّة لرعاية الأطفال، ثمُّ اعتقلت الوزيرتان السَّابقتان للشُّؤون الاجتماعيَّة والعمل كندة الشَّمَّاط وريما القادري؛ وممَّا يؤسف حقًّا أن تضلع هذه النِّساء (المثقَّفات) في هذه الجرائم الحقيرة بدلًا من رعايتهنَّ للطُّفولة أو تخطيطهنَّ لأن يكنَّ أمُّهات صالحات، أو يسعين لمكافحة الفقر والتَّشرُّد وغلاء المهور والأحكام العرفيَّة، الَّتي يقف بعضها خلف تشرُّد الأطفال، وبدلًا من مكافحة العيوب والأمراض الاجتماعيَّة خلف تشرُّد الأطفال وتعذيبهم راح المجرم المخلوع بشَّار الأسد وزوجته يستثمرون في شقاء الطُّفولة، راحوا يخادعون الأطفال في قرى (SOS) ويستدرجونهم إلى براثنهم القذرة، مثل الصَّيَّاد الماكر الَّذي يستغلُّ عطش العصفور أو الحمامة، ويستدرجه إلى قفص العبوديَّة.
23 ألف جريمة موثَّقة
تضمُّ الوثائق والقوائم الآن 23 ألف اسم من أسماء الأطفال المفقودين؛ أي هناك 23 ألف جريمة موثَّقة بالاسم وظروف الاعتقال أو التَّعذيب أو القتل أو الاتِّجار بالأعضاء، هذا عدا الآلاف الأخرى من الجرائم، الَّتي لم توثَّق بسبب ظروف الحرب ومخاطرها، وبين هذه الـ23 ألف جريمة هناك 190 جريمة موثَّقة، تشير إلى مقتل 190 طفلًا تحت التَّعذيب، وهناك توثيق 5200 جريمة من جرائم الإخفاء القسريِّ، وتدور أكبر شبهات الاتِّجار بالأعضاء حول كلِّ حالة من حالات الإخفاء القسريِّ هذه.
بقي أن نشير إلى اهتمام المجتمع السُّوريِّ مع اهتمام الرَّأي العالميِّ الكبيرين بنتائج التَّحقيق في هذه الجرائم المنظَّمة نظرًا لفظاعتها وانتهاكها حقوق الأطفال واختلاطها بخيانة المثقَّفين واشتراك بعض الأطبَّاء وبعض الأمَّهات الوزيرات والأمَّهات المربِّيات والأمَّهات مديرات المياتم والجمعيَّات الخيريَّة بطريقة تضع الإنسانيَّة أمام اختبار صعب، وهي تنتظر مآلات هذه التَّحقيقات؛ لبلسمة بعض الجراح الآن، ثمَّ للانطلاق بعلاج آفات تشرُّد الأطفال التَّقليديَّة الموجودة بدرجات متفاوتة في معظم مجتمعات العالم، والَّتي ينتج بعضها عن الزَّواج غير الشَّرعيِّ بسبب غلاء المهور أو بسبب تحريم الزَّواج المدنيِّ بين أبناء الطَّوائف المختلفة بالإضافة إلى الفقر والجهل وضعف التَّعليم.
ولأنَّ الأطِّبَّاء المشتركين بجرائم الاتِّجار بأعضاء البشر حوَّلوا المشافي إلى مسالخ، وخانوا مهنتهم، ولأنَّ بعض المربِّيات (الأمَّهات) خانت الأمومة أيضًا، ولأنَّ بشَّار وزوجته خانوا حتَّى كاميرات التَّصوير (باللَّعب مع الأطفال ثمَّ الاتِّجار بهم)، ولأنَّهم خانوا كلَّ شيء حتَّى اللُّغة ذاتها خانوها بأسماء الجمعيَّات المخاتلة؛ مثل (دفى) (ولحن الحياة)، ولأنَّهم خانوا الإنسانيَّة والحياة معًا، نطالب بتطبيق أقسى العقوبات بحقِّ كلِّ مُدان منهم بعد انتهاء التَّحقيقات.