مقامات أمريكية | لماذا غابت هوية بلاد الشام؟
د. حسام عتال
في صباح الأحد الماضي في مدينة تشارلستون في ولاية فرجينيا الغربية، أتى أفراد الجالية الإسلامية لمسجد المدينة للصلاة وللاحتفال بيوم عيد الأضحى.
كنّا قد صلينا في نفس المسجد صلاة جنازة والدتي في اليوم السابق، يوم عرفة، وذهب معنا نفس أفراد نفس الجالية للمشاركة بطقوس الدفن.
ولأن الدفن الإسلامي يتم بكفن من قماش أبيض بسيط دون خياطة كنت حساساً بشكل خاص لأنواع وأشكال وصفات ما ارتداه الناس في عيدهم.
لبس الهنود والباكستانيون والأفغان والبنغاليون ثياب السلوار كاميز المؤلفة من بنطال اسفله يصل لأعلى الكعبين، وقميص فضفاضين، مزينين بالكشكاش والترتر. قماش الثياب من القطن والحرير والشيفون والقطيفة، وألوانها وزركشتها تعكس المنطقة الخاصة بكل شخص من بنغالية وسندية وبلوشية وبنجابية وغيرها. في أرجلهم أحذية الكوسا اليدوية الصنع من أنواع جلود البقر الطرية المدبوغة بصبغة صفراء أو بنية.
أما سكان ماليزيا وإندونسيا ودول جنوب غرب آسيا فقد أتوا بزي الباجو مالابو، وهو من تنورة التيمبان المربوطة فوق الصدر، فوقه قميص وبينهما ربطة الخصر السامبين. التنوع الواسع في أنواع القماش، وألوانها، وكيفية التطريز يعكس تأثير الثقافات الصينية والهندية والبرتغالية عليهم فأتت ثيابهم بتشكيلات واسعة كلاً تضاهي الأخرى في رونقها.
وهناك الإخوة من السودان الذين يصرون أن تكون أقمشة ثيابهم التوتل والفتلة والراتي المصنوع في سويسرا من أرقى مواد القماش. هذه الثياب رقيقة الملمس، ألوانها البنفسجية النيلية والبرتقالية والصفراء والوردية زاهية مضيئة، ولها لمعة فتبدو كأجنحة الفراشات الزاهية تعكس الضوء على كل طية من طوايا الثوب.
وتجد الصوماليين وشعوب شرق أفريقيا ارتدوا ثياباً أزياءها مزجت فيها عناصر أفريقية وأخرى يمنية، وثالثة من جزيرة العرب. لكنهم مع اخوتهم اليمنيون امتازوا بالخنجر الفضي المعقوف المحفور بنقوش دقيقة، يسمونه الجنبية، ويلبسونه رمزا للشرف والرجولة.
الخليجيون تفردوا بثوبهم الشهير الطويل الناصع البياض، والقحفية، والغترة، والشماغ، بعضهم أضاف البشت مع الرسيم المذهب، هذا الزي الذي أصبح في الغرب وكأنه علامة للعربي. وقد تفننوا بطريقة لف غترتهم وشماغهم بطريقة محلية يسمونها النسفة أو التشخيصة لأنها تشخّص المحلية التي ينتمي إليها مرتديها، فهناك التشخيصة الحمدانية في الإمارات العربية وتشخيصة بنت البكار في السعودية وغيرها.
الأفارقة الأمريكيون تحلّوا ببدلة الزووت zoot بالبنطلون العالي الخصر، والساق الواسعة، والجاكيت الطويل بالقبة الواسعة، وربطة العنق الصارخة اللون، وقبعة الفيدورا، تراهم وكأنهم أحفاد مالكولم اكس الداعية الذي أغتيل في نيويورك، وأصبح كتاب حياته من أكثر الكتب قراءة كدليل لكل ثوري معاد للعنصرية والظلم.
ثم أتى أهل بلاد الشام ومصر بثيابهم الأوربية من بنطال وقميص وحزام لا يختلفون فيها عن الطلياني أو الفرنسي أو البريطاني. ألوانها باهتة أو غامقة، واقتصرت نقوشها على علامات تجارية كراكب الخيل يحمل عصا البولو، أو تمساح بذيل معقوف، أو بحروف متداخلة مثل ck أو vl أو gc. أحيانا يتضخم حجم هذه العلامات فيبدو مرتدوها كأنهم لوحات إعلان تمشي على رجلين.
ما هو السر في تبني بلاد الشام ومصر للزي الغربي وتركهم ثيابهم التقليدية الجميلة. الثياب كالجلابية والصاية والصدرية والقنباز والدرّاعة والكبر. وكذلك والدامر والشروال والسير والكمر القضاضة والشماغ والكوفية. وفوقها شال البروكار والمشلح والصاية. هذه الثياب بأنواعها الدمشقية والحلبية والزوفية والخنوصية والحمصية واليوزية والرازية، المصنوعة من أفضل أقمشة القطن وأجواخ الصوف والكتان المطرزة والمقصبة بالبريم والبند بخيوط من الحرير النباتي اللامع، لم تركها أصحابها لتصبح أثراً تراثياً بدلاً عن كساء يومياُ.
كيف تخّلى أهل هذه الدول دول أزياءهم التقليدية المريحة، والمناسبة لطقس بلادهم، وثقافتهم، وطريقة حياتهم، حتى أصبحنا لا نرى الزي التقليدي سوى في الحفلات الفنية الفلكولورية، أو المسلسلات التلفزيونية، أو، وهو اﻷسوأ، كموضوع للسخرية الكوميدية؟