الرأي العام

نوافذ الاثنين: في الطريق من مونتريال إلى ماردين

تأخر موعد عودتي إلى ماردين عاما كاملا كنت فيه انتقل من بين يدي طبيب إلى آخر، وقد استطاع الأطباء ترميم جسدي المتهالك، فأنا في الرابعة والسبعين، وكان موعد عودتي إلى جامعتي قد حان، وقد ظننت أن الطريق سيكون وعرا وأنا في هذا العمر، ولكن المحبة جعلته سهلا، بل بدا أكثر من ذلك، كانت الصداقة هي الرافعة الحقيقية التي أبعدت شبح العجز عن طريقي.

شلة المعمرين في وداعي في مونتريال

في مونتريال؛

قرر الصديق المهندس نزار الحايك، المعروف بتقديمه الخدمات للجميع دون تردد، أن ينظم حفلة ودائع لي بمناسبة سفري، فدعا جماعة ”المعمرين“ إلى بيته العامر وفرش مائدة ضمت كل ما يتمنى السوري أكله في ”منفاه“ من مناقيش وخضراوات وأنواع الزيتون والحلويات، فكانت جلسة طعام سوري وتعاطف وصداقة، أعادت بعث الأمل في قلوبنا بإمكانية نهوض الشعب السوري، وكان حراك السويداء مشجعا ورائدا لنا.

في إسطنبول؛

ما أن هبطت الطائرة في مطار اسطنبول، بعد تسع ساعات ونصف من الطيران، حتى وجدت الصديق علي العائد والصديقة هدى بارافي في انتظاري، ولم يعرف مطار إسطنبول، يستطيع تقدير الجهد والوقت والمال الذي صرفته السيدة هدى مع سيارتها، كي تقلني مع صديقي علي إلى مدينة إسطنبول. هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن صداقتي مع هدى كانت افتراضية، وكان لقائي الأول بها في المطار، وهي التي أصرّت، مشكورة، على استقبالي، ولم تكتفِ بذلك بل خصصت يوما كاملا كي تأخذني إلى مواقع أثرية وعمرانية لم أزرها سابقا مثل ”جامع تشامليجا“، الذي يعتبر أكبر جامع في تركيا، والقصر التراثي ”بيلاربيه“، وهو القصر الذي سُجن فيه السلطان عبد الحميد الثاني في آخر عشر سنوات من حياته. بعد ذلك أمضيا وقتا ممتعا مع الصيدلانية نور الأيوبي صاحبة المزاج الساخر، والكتابة الجميلة والساخرة، قبل الانتقال للعشاء عند مشعل العدوي، الذي يأخذ إجازة من البث المباشر عن الوضع السوري، كي يطبخ كل ما هو أكل حوراني كلاسيكي. كما استمتعنا برفقة السيد سمير سعيفان والسيدة ربا حبوش، فكان نهارا مميزا جمع ما بين متعة زيارة الأثار وتناول المحاشي والمشاوي، وروية الأصدقاء، قبل أن نعود إلى بيت الصديق علي العائد.

في قصر السلطان عبد الحميد

علي وسلام؛

منذ عام ٢٠١٦ وأنا أنام في بيت الصديق الصحفي علي العائد، ابن الرقة، كلما زرت إسطنبول، ورغم ندرة الكلام الذي يخرج من فم على فإنني أشعر بحجم المحبة والصداقة التي تربطنا معا، وبعد زواجه من الكاتبة سلام محمد لم تتغير علاقتنا، فقد تحول سلام بسرعة إلى الصديقة والأخت التي تهتم بصديق زوجها المسنّ، فكانت على مدار أسبوع تحضر الإفطار والغداء والعشاء، دون ملل، وكنت أشعر بالإحراج من ذلك، إلا أنها كانت تؤكد أنني لست ضيفا ولكنني أحد أفراد أسرتها، ما جعلني فعلا أعيش في بيت علي وسلام وكأنني في بيتي.

في جامع تشامليجا

في ماردين؛

بعد مرور أسبوع على مغادرتي مونتريال وصلت إلى ماردين، وما أن غادرت الطائرة حتى ظننت أنني دخلت فرنا، وكان بانتظاري السائق التركي، الذي يقلي منذ سنوات من المطار وإليه، وما أن وصلت إلى البيت حتى استقبلي جاري وصديقي الأديب الكبير مصطفى تاج الدين الموسى، الذي ساعدني على نقل حقائبي إلى غرفتي، ثم باشر بالاتصال ببعض الأصدقاء يخبرهم بوصولي، فالتقينا في المقهى، أنا ومصطفى والدكتور مهنا الرشيد؛ الأستاذ الجامعي والصديق، والشيخ محمد شيزر، فكان استقبالا ماردينليا على أصوله.

ملاحظة: لم أكن أسعى وراء عرض رحلتي، فالهدف هو الإشارة إلى الصداقات التي جمّلت حياتي، وسهلّت سفري. وجعلت حلمي بنهضة سورية قابلا للتحقيق.

زر الذهاب إلى الأعلى