الجريمة المحمية بإدانة العقاب.. والقصاص من مجرمينا في محاكم الغرب فقط!
محمد زاهر حمودة – العربي القديم
يتقاطع أبناء الأقوام السورية المتناحرة على كثير من السلوكيات المشتركة التي تجمعهم برغم تفرقهم، منها أن يتفق معظم الرجال والنساء على إنجاب كثيرٍ من الأبناء دونما حساب، يحقّرونهم ويضربونهم ويسيؤون تربيتهم ويهملون تعليمهم، يزوّجون الإبنة مبكراً لأيما زوج ويرسلون الذكر إلى سوق العمل وهو صبي يافع، ثم إذا ما ارتكب جريمة، صار سيد زمانه وأعظم قومه مكانة، أضحى إبن القبيلة المنصور، ورفض تسليمه للعدالة كل ضعيفٍ وجسور..
الفساد وقرابين السيد الرئيس
يشتم أبناء الأقوام السورية ربهم ودينهم صباح مساء كلما حل بهم الغضب، في قاموس بذاءتهم العريق شتم الرب والدين وقذف الأعراض تقليد تتوارثه الأجيال، يحتقرون نسائهم دائماً، وقد يحرمونهن الميراث، يقذفون أخوات وأمهات أصدقائهم بفرية الزنا كل ساعة، دونما اكتراث لإثم الإفتراء على النساء وعقوبته المنسية، ثم إذا ما حلّت بدارهم عصبية مذهبية تمجّدهم وتنفي الآخر وحقوقه، تحركت للدعوة أهواء أنفسهم، فلا يمحّصون في غاياتها، ولا فيمن يقف خلفها وأصل زعيمها وفصله، فقد أعجبهم الكلام، فرفعوا الريات وأطالوا اللحيات وشكلوا أحزاباً لله ولنصرة المذهب، الذي هو نفسه الدين حسب مستوى إدراكهم بالمناسبة، ذاته الذي كانوا يشتمونه بالأمس بسبب أن العادة غالبة..
يخون موظفو الدولة وطنهم، يخالفون القوانين ويفسدون نظامهم بأيديهم، ثم إذا ما قامت ثورة غضبٍ عليهم، صار الحفاظ على الوطن من شعبه أهم من الخبز والماء، تُصرف لحمايته الميزانيات، وتُفتح له كل مخازن السلاح، وترخص له الأرواح، يغدو رئيس النظام الذين هم من نحتوا صنمه وصاغوا أشعارَ تمجيدهِ أقدسَ من عليها، تُقدم لأجله أغلى القرابين من الأبناء، وتُجنّد لمعركة بقائه صبايا العطاء..
يغلب الدفاع عن المجرم أكثر من التعاطف مع الضحية لدى أقوامنا العربية، كان ذلك منذ مقتل عثمان، اعتبرت قراءاتٌ تاريخية مطالبة معاوية بالقصاص من قتلةِ عثمان تمادياً وعدم تنازله لرغبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شراً ولؤماً، تشكل معسكران، تحارب الطرفان تسعة أيام في صفّين، قُتل من الطرفين خلال المعركة سبعون ألف.. شهيد!، شهداء ماذا لم أكن أفهم؟!، من أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألف، ومن أصحاب علي خمسة وعشرون ألف!!، بعد سقوط سبعين ألف قتيل مسلم تواضع القادة وقبلوا التحكيم، ثم قتل أصحاب عليٍ علياً، ثم بايعوا إبنه الحسن الذي شرط عليهم قبول التسوية مع معاوية، فبايعوه مرغمين ثم حاولوا قتله، ثم حكم معاوية، مات فجاء تبنه يزيد، حرّضوا الحسين ضده ثم خذلوه فقُتل، فمازلوا يريدون الثأر لدمه حتى الآن، حتى بعد موت الجاني نفسه وزوال دولة قومه، “أنتم أهل الشام من قبيلة الأمويين، أنتم أحفاد يزيد، وبذلك تجوز دمائكم”! وما يجوز لهم لا يجوز لغيرهم، فالآخر مذنب دائماً أما هم فبراءتهم أبدية مهما فعلوا، تلك نظرتهم للمسألة، وليس أن المسألة برمتها هي عدم حرمة دم عثمان منذ البداية والتساهل مع قتلته!
وعصبية كل القبائل كذلك..
دافع بشار الأسد عن عاطف نجيب وتذرع بإن خالته أوصته به، وبسبب العرف العشائري لا يستطيع الرئيس محاسبة موظفه، كذلك، دافعت كل طائفة عن جرائم أبنائها من سرقة واغتصاب ومجازر، أدان أنصار عائلة الأسد العلوية الثورة عليهم بسبب جرائم رجالهم، واعتبروا تلك الثورة حملة معادية، بدليل أن أهل الضحية لم يعودوا يقبلون التنازل عن دماء أبنائهم والعفو التلقائي كما جرت العادة، وهذا لا يجوز في العرف الذي يغلب الدين والقوانين، يجب أن تتنازل عن القصاص وتقبل التسوية إن حصلت جريمة على بنيك من بني أعمامك، ونحن كلنا سوريون، فما بال هؤلاء يتظاهرون؟!، ولأن المُدان من طائفتهم وقبيلتهم، فالمظاهرات تحريض على الفتنة، والثورة تفرقة، والمطلوب الآن هو الوحدة، والإعتصام بحبل النظام وحلفائه ضد الغرب ووكلائه، وترك الخلافات الداخلية والتركيز على العدو الخارجي الأزلي، قبيلة اليهود الصهاينة، وهكذا يطيب الموت ياعرب، كما يحصل الآن في غزة..
من أمن العقاب أساء الأدب، هذا معلوم لدى الأخرين قولاً وفعلاً، أما نحن فالقول شيء والفعل شيءٌ يعاكسه، حتى في إسرائيل، يخاف نيتينياهو اليهودي من المحاسبة القادمة، فيما لا أحد يخشى المحاسبة من سلطة ومقاومة فلسطين، ولا في كل بلاد العرب المسلمة..
ثقافة التستر على المسيء!
لم يكن نبي الإسلام يقبل التساهل في العقوبة والشفاعة لأحد، “لا تكلمني يا أسامة، أتشفع في حد من حدود الله، إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”.
هذا الحديث يعرفه الجميع، لكن لا أحد يريد تطبيق مغزاه، حتى من المعارضين، ينتمي المذنب لقبيلتهم الإخوانية فيغطّون على جريمته ويمنعون نقده، ويلقون باللائمة دائماً على شماعة النظام. “إنها نتائج زمن الاستبداد” يقول الإخوانيون مخاتلة وتهرباً من المسؤولية.
علمانياً، وكي لا يستفيد خصمه الديني، فلا يقبل اللادينيون العقوبة الدينية بحجة أنها شديدة، برغم أن الإجرام الحاصل أشد، ينشدون الصلح العرفي ويتنطعون لتمويه المسألة بأسباب ماورائية، وأنه بسبب الخوف من التكفريين اضطر الآخرون، وحدث ما حدث، وبسبب (ابن تيمية) الذي لا يمت لعصرنا بصلة… أيدت الطائفة الباطنية بقاء الأسدية!!، فقتلوا وسرقوا رغماً عنهم!، يرفض ذلك المتظاهر بالعلمانية التشكيك بنواياه واتهامك له بمناصرة أحلافه وأنه يكيل بمكيالين، عبثاً تحاول، كل ما وصلت بالنقاش مع أحدهم إلى تحديد مسؤول معين تجب معاقبته، وإن سلّموا بالعقوبة أخيراً بعد دفاعٍ ومخاتلة فيجب أن تكون مخففةً ولطيفة، تارة من باب الوقعية كي لا يستفيد الخصوم الإرهابيون، وتارة لأنه مبدأيٌ ضد القصاص لأنه غير حضاري وإنساني!، ياسلام سلّم، لا تحضر الإنسانية إلا لصالح المجرم فقط!!..
أما عن السرقة، فهل وصلنا إلى القتل لولا تفشي السرقة، وهل انتشرت السرقة إلا بسبب اختلاق الأعذار، نعلم جميعاً تفشي النهب والإختلاس كعادةٍ لدى كثير من الأقوام السورية، يستدين منك ثم يغيب عن ناظريك، لا يتفقون على شيء أكثر من إتفاقهم على النهب، وسب الرب، وتمرير موباقاتهم بالغلبة والتخوين وإجبار الضحية على التنازل خشية ما هو أسوأ، هكذا يفهم كل جيل منذ صغره أن الإجرام ليس عليه شيء، بل إن شهرة القاتل واللص لدينا تتجاوز قيمة الطبيب والمخترع، ذلك هو العرف الجماعي الذي يتفوق على الدين..
ترفض الأقوام السورية الامتثال لجوهر دينهم، فإذا ما هبت رياحٌ جاهلية ركب الجميع الموجة، لماذا يتحمسون؟!، لأن هنالك من أعطاهم الأمان، والسلطة احتاجتهم الآن، فإن حَموها حَمتهُم، سلطة أو معارضة الأمر سيّان، فلا يتناهى المعارضون عن منكر فعلوه، ولا يعترفون بذنب..
نظام يتاجر بالإرهابيين
بعد الثورة لا حساب لمجرمين ركبوا الثورة، الذين كان أحدهم قبل الثورة مجرماً صغيراً يدخل مدةً إلى السجن ثم يأتيه العفو، فيتمرس ويصبح صاحب سوابق، فلما نشبت الثورة على الظلم والإجرام، فتح النظام لهم أبواب السجون وأطلقهم جماعياً علينا، كذلك فعل بالإرهابيين الذين كان يرسلهم إلى العراق، أطلقهم ووظّفهم لمصلحته، لم يحاسبه قومه على ذلك قدر نشوتهم باستعداء الآخرين وإدانتهم، أنه منكم قد جاء الإرهابيون!!، كذلك فعل حكام العراق!!..
جدلاً، هب أن كل أولياء الضحايا أرادوا العفو وقبلوا التعويض المادي، وكأن كل الجرائم في سورية اُرتكِبت خطأً لا عمد فيه البتة، ورضوا بمبلغ للتعويض، مئة ألف دولار مثلاً عن كل نفس، إذا كان أقل عدد لضحايا الثورة الذين لاحقهم بشار حتى أجهز عليهم مئة ألف كما اعترف هو بلسانه وتنازلنا عن النيّف، وأقول ذلك مثلاً، مئة ألف ضرب مئة ألف تساوي عشرة مليارت، 10,000,000,000، هل سيدفعها أحد من العائلة، بشار أو أخيه أو إبنه أو من تشاؤون؟!، ناهيكم عن ضحاياه غير المباشرين من الذين غرر بهم من أبناء العلويين أو الذين دس بين ظهرانيهم تنظيم الدولة ليصبحوا متطرفين وتقتلهم طائرات التحالف، ناهيك عن باقي الجرائم قبل الألفين وأحد عشر ضد العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين، ناهيكم عن مجزرتي حماة وسجن تدمر في الثمانينات.
ماذا عن اللصوص بمختلف انتماءاتهم؟!
أقل التقديرات عن ضحايا المذبحة السورية لا تقل عن المليون، مع ذلك لا أحد سيتخيل أن تعويضاً مادياً سيخرج من خزينة العائلة ولو في الأحلام، دعكم من عائلة الأسد، ماذا عن اللصوص بمختلف انتماءاتهم؟!، فحتى لو أرادت الناس إسقاط حقها فعلى الأقل فليُعِد كل سارق نسبة مما سرق كي تسامحه الناس بالباقي، نصف ما سرق مثلاً، هل هنالك من سيفعلها؟!، ومن ثم، إذا تجاوزنا عن كل الماضي، وترفعنا عن المطالبة بالديّة وسامحنا كل اللصوص، ونسينا مصير أحبائنا في السجون، ومحونا الجرائم السابقة كلها بجرة قلم غبية من هيئة التفاوض، فماذا عن الجرائم اللاحقة؟!، من سيضمن لنا في المستقبل انضباط القتلة وسائر المجرمين بعد أن انتصروا في معركة الإفلات من العقاب مجدداً؟!، هل من ضامن يضمن إن ترك المعارض معارضته ألا يتخلى النظام عن إجرامه؟!…
إن المواظبة على طلب العفو من الضحية هراءٌ ما بعده هراء.
الوطن بلا عدالة حاوية زبالة، يكفينا عاراً أننا لا نستطيع محاسبة مجرمٍ منا إلا في محاكم بلاد الغرب، ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب.