أرشيف المجلة الشهرية

معنى أن تكون إدلبياً!

بقلم: حسام الدين الفرا

أن تكون إدلبياً، فهذا يعني أنك ساخر بالجينات والكروموسومات التي تحملها، حتى وإن لم تعش في إدلب سني حياتك.

أن تكون إدلبياً يعني أن ترث سخرية شيخ الساخرين، ورائد السخرية في سوريا حسيب كيالي، وكان قد وصفه الأديب الدكتور عبد السلام العجيلي بأنه “شيخ الساخرين وجاحظ القرن العشرين”.

أن تكون إدلبياً يعني أن تجعل الأخرس يتكلم، كما عند خطيب بدلة، وأولى مجموعاته القصصية التي كرّسته كاتباً ساخراً.

أن تكون إدلبياً يعني أن تسخر حتى من نفسك وطولك الفارع، كما يسخر الكاتب والمسرحي نجم الدين سمّان في مناسبات كثيرة من نفسه، وطوله .

أن تكون إدلبياً يعني أن تكتب (مسائل تافهة)، للكاتب الراحل تاج الدين الموسى، وتوافق على ما طلبه المستخدم الذي يكتب التقارير بالإدارة، ويستطيع أن يغيّر مديري دائرته؛ لأنهم لم يحققوا طلبه بالحصول على الكرسي البرّام، فيأتيه مدير ساخر، ويوافق له على البرّام فقط.

أن تكون إدلبياً يعني أنك تحب الفليفلة الحمرا، وتعشق الساخر التركي الكبير عزيز نيسين، وتستطيع أن تفهم ما كتبه، وتنقله إلى العربية، دون عناء، كما فعل الكاتب الراحل عبد القادر عبداللي، بترجمته (زوبك) و(الحمار الميت)، وغيرها، وكما ترجم أيضاً أكثر من خمسين كتاباً عن التركية لعمالقة الأدب التركي .

أن تكون إدلبياً يعني أن تكتب شعراً ممازحاً صديقك عبد اللطيف قائلاً:

عبد اللطيف وكيف سموك اللطيفْ

من أين تأتيك اللطافة يا لطيفْ!

وأن تكون إدلبياً يعني أن تكتب زجلاً ساخراً في مديرك المتسلط الذي سام الموظفين سوء العذاب، وكان قصيراً لا يتجاوز طوله المتر وعشرة سم، وتقول عندما يُعزَل من الإدارة:

بشرى يا شعبي بشرى

خلصنا من المتر وعشرة

أن تكون إدلبياً يعني أنك تعرف (الوشنة) والكرز قبل غيرك، ويعني أنك تعرف، وتجيد صنع الشعيبيات، وتنشر هذه الحلوى في أصقاع المعمورة.

أن تكون إدلبياً يعني أنك تنتمي لمدينة منسية لم يجرؤ الرئيس على زيارتها؛ لأنه يعرف أهلها جيداً، وما يمكن أن يفعلوه؛ من أجل تقديم واجب الضيافة والترحيب!

أن تكون إدلبياً يعني أنك مؤهل؛ لأن تكون محافظاً لمدينة الرقة، وكما قال أهل الرقة يوماً: إن حلم أي طفل إدلبي أن يكون محافظ الرقة، لكثرة ما جاءها من محافظين منها.

أن تكون إدلبياً يعني أنك شرطيّ، حتى يثبت العكس، فيما يبدو أن هناك ولعاً وحباً للتطوع في سلك الشرطة، عند قسم كبير من أهل الريف الإدلبي، جعلهم ينتشرون في أنحاء البلاد، ولا تفارق ألسنتهم كلمة (أشو).

أن تكون إدلبياً يعني أنك تتمنى الخير لهذه المدينة المنسية، وتفخر بها، حتى وإن لم تكن تسكن فيها، وتقول:

إنّي وإنْ كنتُ رَقّيَّ الهوَى نَسَبَا

فإنّ مَسقط قلبيْ إدلب الخضْرا

فُجعْتُ بالرقّةِ الثكلى وقد قُصفتْ

أضحتْ خراباً وقالُوا: حقّقُوا نصْرا

أرجو لإدلبَ كلَّ الخيرِ والنُعْمى

أنْ يُبعدَ اللهُ عنها الشّرَّ والضُّرَّ

عِقدانِ من لؤلؤٍ قد زيَّنا بلدي

مَنْ ينتسبْ لهما قد زادَهُ فخرَا

أن تكون إدلبياً يعني أن تكون حرّاً، على خطا جَدّك إبراهيم هنانو، لا تقبل الضيم، وتثور على الاستبداد، وتستقبل ما تحمله الطائرات والقذائف كل يوم بصدر رحب.

__________________________________________

من مواد العدد العاشر من (العربي القديم) الخاص بإدلب، نيسان / أبريل 2024

زر الذهاب إلى الأعلى