العربي الآن

سيناريوهات ما بعد الثامن من ديسمبر ٢٠٢٤: سقوط نظام الأسد والتدخلات الإقليمية والدولية

أثبتت التجربة السابقة صعوبة حماية هذه الأقليات حتى في ظل حكومة مركزية

رودي حسو- العربي القديم

يُمثّل سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٤،  مع فراره إلى روسيا وسيطرة المعارضة على دفة الحكم،  نقطة تحولٍ بالغة التعقيد في تاريخ سوريا الحديث، تتجاوز مجرد تغيير النظام الحاكم. فهذا السقوط لا يبشر بفجر ديمقراطي سلمي، بل يُشير إلى بداية مرحلة جديدة مليئة بالمتغيرات غير المتوقعة،  مهددةً باستمرار الصراع وتعميق الشرخ الاجتماعي والسياسي في البلاد.

إن غياب نظام مركزي قوي، حتى وإن كان قمعيًا، يُفتح الباب أمام سيناريوهات كارثية،بدءًا من حرب أهلية جديدة قد تكون أكثر دموية من سابقتها، ووصولًا إلى تقسيم جغرافي وإداري يُعزز الاستقطابات الطائفية والعرقية .

أبرز التحديات التي تلوح في الأفق بعد هذا السيناريو هو مصير الأقليات الدينية والعرقية في سوريا.  ففي غياب آليات فعالة لحماية حقوق الإنسان وتأكيد المساواة بين جميع المواطنين، يصبح مستقبل هذه الأقليات مُعرضًا لخطر جسيم.  لقد أثبتت التجربة السابقة صعوبة حماية هذه الأقليات حتى في ظل حكومة مركزية، فما بالك في فترة انتقالية فوضوية، مع غياب السلطة المركزية وتنافس الجماعات المسلحة على فرض نفوذها؟  ويتمثل هذا الخطر بشكل خاص على كرد سوريا، الذين عانوا تاريخيًا من التهميش والقمع، ويطالبون بحقوق ثقافية وإدارية خاصة، بل وفي بعض الأحيان بالاستقلال.  وهذا يُعزز من احتمالية نشوب صراعات مسلحة بين الكُرد والجماعات المسلحة الأخرى التي قد تسيطر على المناطق الكُردية مثل الفصائل الجيش الوطني المدعوم تركيًا وخصوصًا اننا اليوم أمام تدخل تركيا مباشرة بالشأن السوري مع وصول الدبلوماسية والسفير إلى العاصمة دمشق .

إضافة إلى ذلك، ستشكل التدخلات الإقليمية والدولية عاملًا حاسمًا في تشكيل مستقبل سوريا.  فروسيا وإيران ، إلى جانب دول غربية أخرى مثل أمريكا وإسرائيل، تسعى كلٌّ منها إلى تأمين مصالحها الاستراتيجية في سوريا، مما يُعقد الموقف بشكل كبير، ويزيد من احتمالية التدخل العسكري الأجنبي وخصوصا التدخل الإسرائيلي العسكري والتمدد في الجنوب والتركي في مزيد من الشمال الشرقي إلى القامشلي والحسكة والرقة.  فغزو بعض المناطق من قبل قوى عسكرية أجنبية، في غياب جيش وطني موحد، هو سيناريو واقعي يجب الاستعداد له.  كما أن  غياب  الاستقرار  قد  يُشجّع  على  انتشار  الجماعات  الإرهابية  وتعزيز  نفوذها مثل ما حصل في ليبيا والعراق عشية سقوط معمر القذافي وصدام   .

لذلك، يُشكل سقوط النظام السوري في هذا السيناريو انعطافة خطيرة في المسار السوري، تحمل في طياتها مخاطر جسيمة تهدد باستمرار الصراع، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وإعاقة إمكانية بناء سوريا ديمقراطية ومتحدة.  وإيجاد حل سلمي مستدام يلبي تطلعات جميع أطياف المجتمع السوري يتطلب جهدًا دوليًا كبيرًا، ووضع آليات قوية لحماية الأقليات، وتنظيم عملية الانتقال السياسي  بما يضمن  العدالة  والمصالحة  الفعالة.

زر الذهاب إلى الأعلى