التسرّب المدرسي يكشف تدهور القطاع التعليمي في السويداء
لعل القطاع التعليمي والتربوي، المتدهور مسبقاً، له نصيب كبير من آثار النزاع الذي امتد 12 سنة حتى الآن في سوريا، وعند الحديث عن هذا القطاع في محافظة تم إعلانها خالية من الأمية في عام 2008، لا بد لنا من استعراض الأسباب التي أدت إلى تدهور متسارع لا سابق له.
ونتيجة لعدم توفر إحصائيات دقيقة وحديثة، وبظل تكتم مديرية التربية والمؤسسات المعنية عن النسب الحقيقية للمتسربين، سنكتفي بما تم نشره سابقاً أو بإحصائيات لمنظمات عاملة على الأرض. بحسب بيان للمدير الإقليمي لليونيسف للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تيد شيبان، أصدر في بداية عام 2021، فإن أكثر من 2.4 مليون طفل سوري هم خارج المدرسة، حوالي 40% منهم من الفتيات، أما عن آخر إحصائيات المنظمة في محافظة السويداء خلال الأشهر الثلاث الماصية، فقد وصل عدد المتسربي والمتسربات إلى أكثر من 1000. وللخوض في أسباب التسرب وغيرها من ظواهر التدهور، كان لا بد من أخذ آراء أشخاص معنيين ومتأثرين، وأول من حدثنا عن الموضوع سميرة (اسم مستعار) وهي أمينة سر في إحدى مدارس المحافظة، وقالت: “إن مشكلة التسرب من المدراس هي ليست المشكلة الوحيدة التي نعاني منها في المدراس، فإهمال النظام التعليمي في المحافظة ونقص البنى التحتية هو ما نعاني منه ككوادر وكطلاب وطالبات، ففي السنة الماضية، تلقينا تبرعات من أهالينا في المغترب لشراء الأوراق الامتحانية وطباعتها، كما تلقينا تبرعات من الأهالي أيضاً لشراء مادة المازوت للتدفئة خلال الشتاء، وهي خدمات من المفترض تقديمها من قبل مؤسسات الدولة، لكن لا حياة لمن تنادي.”
أما أدهم، (اسم مستعار) مدرس سابق مقيم حاليا خارج سوريا، فقال: “بالرغم من الأجور البخسة التي كنا نتلقاها كمدرسين في التربية، حتى بعد التثبيت، قد كنا نؤدي رسالتنا تجاه الطلاب لضرورة تنشئة الأجيال في ظل النزاع، إلا أننا لم نفلت من الملاحقة، حيث أنني متخلف عن الخدمة الاحتياطية، ما إدى لطردي من سلك التعليم وملاحقتي واضطراري للسفر خارج البلاد.”
يذكر أن المدراس في السويداء ينقصها الكوادر التعليمية من جميع الاختصاصات، وخصوصاً في الأرياف، حيث أن الأجور المقدمة للمثبتين وللوكلاء لا تتجاوز 10 دولار في الشهر الواحد.
أما عن الأسباب التي دفعت الأهالي للتردد بإرسال أبنائهم وبناتهم للمدرسة، قابلنا سلمان، (اسم مستعار) أب لطفلة وطفل في الابتدائية، فقال: “الوضع في المدراس الحكومية أكثر من سيء، الصفوف مكتظة، المناهج غير جيدة، ولا وجود للمعلمين أيضاً، ناهيكعن عدم وجود كتب في المكتبة المدرسية مما يضطرنا لشراءها في كثير من الأحيان. لا قدرة لدينا لتسجيل الأولاد في مدرسة خاصة حيث أن الأقساط خيالية، تصل إلى 5 مليون للطفل، وهو مبلغ مستحيل بالنسبة لعائلتي.”
وللوضع الاقتصادي والفقر أثر أيضاً على الطلاب، حيث أن بعضهم يضطرون للعمل بعد المدرسة وفي العطلة الصيفية لمساعدة الأهالي، ما يؤثر على تحصيلهم الدراسي ويجزهم في سوق عمالة الأطفال ويعرضهم لشتى أنواع الخطر. وبعد عام 2018 أصبحت هذه الظاهرة واضحة أكثر في شوارع المدينة، حيث ترى الأطفال يبعون المحارم والبسكويت للمارة بكثرة، وعند سؤالهم عن سبب ذلك يقولون أنهم يساعدون أهلهم.
لا بد من الإشارة أن المحافظة لم تتعرض للقصف المباشر ولا لتدمير في أبنية المدراس، إلا أن البنى التحتية على العموم متهتكة، حيث أن الكثير من المدراس أصبحت غير مؤهلة لاستقبال الطلاب بسبب خروج دورات المياه عن الخدمة، عدم وجود وسائل تعليم أولية في الصفوف الدرسية، بالإضافة لعدم وجود كوادر تغطي الحاجة.
من الجدير بالذكر أيضاً أن الكثير من المنظمات عملت على تنفيذ برامج إعادة المتسربين إلى المدرس مثل برنامج الفئة ب من اليونيسف والذي عملت على تنفيذه جمعية براعم والأمانة السورية وغيرها من المنظمات المرخصة، إلا أن هذه البرامج هي لكل المحافظات، ولم يتم تخصيص ما يسد الحاجة الحقيقة في المحافظة.
ستظل مشكلة القطاع التعليمي من أولى المشاكل التي يحب التوجه لحلها دوليا ومحلياً، حيث أن المنظومة بأكملها بحاجة تحديث بما يوائم العصر، حتى لا تخسر سوريا أجيالاً كاملة حرمت من أولى حقوقها.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.