المجتمع الأهلي في السويداء يلفظ البعث و"المدني" يحاول
حازم العريضي – العربي القديم
تجربة “التجمع المهني” تحت الاختبار
نجح المجتمع الأهلي في جبل العرب بطرد رموز حزب السلطة (البعث) في أكثر من حادثة، في حين لم تتضح بعدُ نتائج محاولات المجتمع المدني الناشئ في الحراك رفع هيمنة حزب السلطة عن النقابات.
المؤتمرات النقابية السنويّة كانت اختباراً لقدرات “التجمع المهني” وجدوى نشاطاته، وهو أبرز فعاليات المجتمع المدني في الحراك.
والهدف الأهم كان مواجهة تغوّل الحزب في عموم الفضاء السياسي سلمياً من خلال الضغط المدني.
فأي جناحي الحراك الأهلي أم المدني هو الأمضى؟ أم أنهما متكاملان بالضرورة؟
طرد ممثّلي الحزب والمسلّحين من عيد الاستقلال
خلال أحدث التطورات في هذا السياق، نجح المجتمع الأهلي في منع مشاركة مسؤولي حزب السلطة وممثليه في إحياء يوم ذكرى عيد الجلاء ( 17 أبريل 2024)، خاصّة وأن ممثلي السلطة جاؤوا بمرافقة مؤازرة من عناصر مسلّحة مزوّدة بأسلحة خفيفة ومتوسطة.
وبعفوية واضحة مزّق بعض الأهالي صور الدكتاتور المؤسس للنظام ووريثه الأسد الصغير، وذلك حين وجدوها معلّقةً في موقع صرح “معركة المزرعة” غربي السويداء قبيل الفعالية.
وبالمقارنة، جرى هذا على بعد ساعات من دعوة مجموعة من المحامين المنخرطين في الحراك إلى وقفة احتجاجية أمام مقر انعقاد المؤتمر السنوي لنقابة المحامين (18 أبريل 2024 ).
الدعوة ركّزت في مضمونها غير المعلن على منع حضور أو تدخّل مندوب حزب السلطة (البعث) في المؤتمر، وقد استعان مطلقي الدعوة بـ “التجمّع المهني” لتنظيم الاحتجاج على اعتباره أبرز تجمعات المجتمع المدني وليدة الحراك في السويداء.
ولكن أسباباً متعلّقة بضعف تنسيق الدعوة، بحسب بعض المحامين المستقلين، حالت دون تحقيق أهدافها، فهل يجدي هذا المسار من الضغط المدني في استعادة الدور الحر المستقل للنقابات في ضوء العقبات التي تفرضها طبيعة النظام وغيرها من العقبات المتعلّقة بآليات عمل قطاعات المجتمع المدني المنخرطة في الحراك؟
وما هو الدور الذي يمارسه التجمّع المهني في المشهد العام، و”العمل النقابي” على وجه الخصوص؟
هل فشل التجمع المهني إثر حضور ممثل البعث؟
يبرّر أحد المحامين (ن. غ)، عضو التجمّع المهني، عدم جدوى الدعوة للوقفة الصامتة في منع حضور ممثل حزب السلطة، علماً أنه من مُطلقي الدعوة للوقفة أمام مقر انعقاد مؤتمر نقابة المحامين (مسرح التربية).
ويقول عضو تجمّع المحامين إن النتائج لا يمكن تحديدها في ظل “نظام غير ديمقراطي استبدادي”، في حين تؤكد آراء أخرى أن النضال اللاعنفي وُجِدَ أصلاً لمواجهة الأنظمة الاستبدادية أو حتّى شبيهاتها من قوى الاحتلال، كما نعلم جميعاً التجربة الهندية خلال الاحتلال البريطاني.
في ذات السياق، يعلّق ذات المصدر على ما جرى في المؤتمر النقابي يوم الخميس بالقول “إن حضور ممثل حزب البعث خلافاً للدستور وخلافاً لرؤيتنا لا يعني فشل نهج الضغط المدني”.
“الديموقراطية البعثيّة” والدعاية !
من جهته (و. ح) متحدثٌ باسم تجمّع المهندسين الأحرار يؤكّد استمرار “الهيمنة البعثية الأمنية كأداة لسلطة النظام المستبد” موضّحاً أن ” ثُلثي أعضاء مجلس الفرع هم من البعث ومن تبقى هم مستقلون ومنتخبون بشكل ديموقراطي رغم ان الغلبة تبقى للبعث واستئناسه المعهود”، بحسب تعبيره.
ويبيّن المتحدث أن بعض الأرقام تكشف واقع الحركة النقابية في السويداء، إذ أن “حوالي 4500 مهندسة ومهندس منهم حوالي 1500 مهندس من أصحاب المكاتب الخاصة” في حين يشارك حتى اللحظة “العشرات” منهم في الحراك، هذا مع أنّ هناك “المئات وربما الآلاف ممن يريدون التغيير“ بحسب معلومات عضو تجمّع المهندسين، كما يؤكّد أن “قلّة قليلة فقط يتمسكّون بأذناب السلطة من بعث وسلطة أمنية”.
ومن جهة أخرى يرى البعض أن مخاطبة مجالس النقابات، وإن كانت بدعم من الحراك، إلا أنها لم تجدِ نفعاً للنقابيين وإنما باتت تخدم الصورة الدعائية التي تُظهر زوراً “القيادات النقابية” التابعة للنظام السوري بوصفها قيادات “مسؤولة” تحترم الحوار وتتفهّم مطالب الناس دون ارتكاب الانتهاكات بحق المدنيين كعادتها في مواجهة رافضي تسلّط النظام.
مستند وجدوى الضغط المدني في النقابات
ولبيان المستند القانوني الذي يبني المحامون عليه هذا الاجتهاد سألنا المحامي المستقل (إ. ح) الذي أوضح بدوره أن “الأنظمة الداخلية لأغلب النقابات إن لم يكن جميعها تنص على استقلالية النقابات علماً أن ذلك مكفول بالدستور”، ولكن العصبة المهيمنة على النظام تعود لتخرق هذه الاستقلالية، ويبيّن (إ. ح) أن الخرق يتم “عبر دسّ بعض النصوص التي تقيد تلك الاستقلالية” ومثال ذلك يرد في المادة الرابعة من قانون تنظيم المهنة:
“..تعمل نقابة المحامين بالتعاون مع الجهات الرسمية والشعبية ومع المكتب الخاص بالقيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي”
كما يوضّح (إ. ح) أن المادة ٣٧ تنصّ على أن اجتماعات المؤتمر العام لا تُعَدّ قانونية إلا بدعوة ممثلين عن القيادة القطرية للبعث ووزارة العدل.
وبصورة عامة، فإن مسار الضغط المدني لاستعادة دور النقابات وتحريرها سلمياً من هيمنة حزب السلطة تصاعد في الأشهر الماضية.
وفي هذا السياق نظّمت تجمّعات المهندسين والمهندسين الزراعيين والمعلمين، بدعم من الحراك، وقفات حاشدة أمام مقرّات نقاباتها، وهتفت لإسقاط النظام وبناء نظام يحفظ كرامة وحرية السوريين.
وكانت هذه المظاهرات تجري تزامناً مع دخول وفود من التجمعات المهنية المعنية إلى النقابة وإبلاغ المسؤولين الحاليين فيها رسائل رسمية ترفض تدخل البعث والأجهزة الأمنية في العمل النقابيبموجب إلغاء المادة الثامنة من الدستور وغيره من الاجتهادات القانونية.
ويصرّ بعض أعضاء التجمّع المهني أنه من المبكّر الحكم على تجربته ويقول عضو في تجمّع المحامين “المدة القصيره لعمل التجمع المهني في السويداء لا تعطي انطباع عن جدوى هذا الضغط”.
مستمرّون.. ولو تأخّرت النتائج
يُراهَن على فعالية تجمّع المعلمين أكثر من غيره في النشاط المدني للحراك، إذ أنه يعدّ أكبر التجمّعات ضمن التجمّع المهني حتى اللحظة.
وعن موقف المعلّمين يقول الأستاذ (ر. د) “تجمّع معلّمي السُويداء وهو جزء من حَراك السويداء الثوريّ الذي يعتبر استمرارا لثورة السوريّين في وجه الاستبداد”، ويؤكد على استمرار الضغط “لتحرير النقابات”، ويوضّح المتحدث باسم تجمع المعلمين مفهوم ومراحل تحرير النقابات في عدة نقاط:
- “نقابة المعلمين يجب أن تتحرّر أوّلاً من هيمنة حزب البعث في التمثيل وفي صنع القرار”
- “أن تُكَف يد الأفرع الأمنيّة عنها”
- “تُزال من مكاتبها صور رموز السلطة”
- “الانتخابات الحرّة فيما بعد تؤدّي إلى تفعيل عمل النقابة في الدفاع عن أعضائها.”
أمين الفرع للأهالي:”أني عمّك أبو مرهف”
إن لبعض المواقف التي شهدها حراك السويداء منذ انطلاقه صيف 2023 دلالات تثبت هشاشة رموز النظام في مواجهة إرادة المجتمع الأهلي.
ولكن لماذا كانت قدرة المجتمع الأهلي محجوبة فيما مضى، وما الذي تغيّر؟
يرى البعض أنها مسألة إرادة جمعيّة متضامنة في لحظة، وأن موقف الرئاسة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين المتماهي مع الحراك وشعاراته عزز الروح الجماعية، بالإضافة إلى توصّل الحاضنة الشعبية بمختلف شرائحها إلى حتمية المواجهة، وقد طوّرت سلميّة الحراك وحرص ناشطين من ساحة الكرامة على مخاطبة الحاضنة الشعبية بتواضع واحترام ومحبة في تماسك العلاقة معها إذ كانت سلمية الحراك الرسالة الأمضى إلى المجتمع الأهلي وليس إلى النظام المتحفّز أمنياً للاستفراد بالناشطين حين يكونون مفرّقين.
حادثة منع رئيس فرع حزب البعث في السويداء من التوجّه إلى مقر الحزب مطلع الحراك كانت فضيحة للنظام، إذ تحوّل تسجيل صوتي لحوار بين المتظاهرين في مدخل بلدة القريّا والمسؤول الحزبي إلى مادة للتندر، إلّا أن مدلولها كان أكثر عمقاً، فأمين الفرع الذي يُكنّى بـ “أبي مرهف” حاول أن يستخدم لغة عناصر النظام المعهودة في محاولة لإرهاب الآخر (المواطن العادي) حين وجد مجموعة من الأهالي يمانعون سلمياً مرور عناصر النظام ومسؤوليه في أحد الطرق المؤدية إلى مركز المحافظة.
قال المسؤول الحزبي:
“أنت عارف مع مين عم تحكي؟!”
فلم يكترث الشباب لتهديده المبطّن، بل ألقوا على مسامعه ما أرادوا من شعاراتهم فتراجع “المسؤول” محاولاً استمالتهم بالقول:“أني عمّك أبو مرهف” !
______________________________
*أُنتجت هذه المادة الصّحفية بدعم من منظّمة صحفيّون من أجل حقوق الإنسان الكنديّة وبرنامج الأمم المتّحدة للديمقراطيّة.”