الرأي العام

تفاصيل سورية | المخابرات تنصب الكمائن للأصدقاء في بيتي

بقلم: غسان المفلح

“إلى الصديق بسام حسين الذي لم يمض على وفاته سوى أشهر قليلة”.

عندما اعتقلت في المرة الثانية صباح 03.09.1987 كان لايزال طقس حلب حارا جدا. وضعوني في الزنزانة التي بجانب المرحاض حيث الرطوبة قاتلة في هذا الطقس الخانق. اعتقلني فرع حلب للأمن العسكري برئاسة العميد مصطفى التاجر ومعاونه المقدم حسن خلوف. سأكتب عن ذلك لاحقا. لكن في مساء ذلك اليوم أخرجوني للتحقيق مرة ثالثة وكان الليل قد حل. اخرجوني “مطمش” من الزنزانة لمكتب رئيس الفرع. بعد أن انتهى اللقاء الذي لم يكن تحقيقا بل كان زيارة خاصة لي من قبل أحد المسؤولين. في نهاية اللقاء قال حسن خلوف للسجان: أعده ولا تضع له الطميشة على عينيه.

 دخلت السجن ومن سيدخلني على زنزانتي فجأة وجدت بسام حسين أمامي في الزنزانة الأولى واقفا ويمسك بقميصه ويهوي به من شدة الحر والرطوبة. ذهلت وقهرت وخفت عليه وعلي. ابتسم لي وغمزني دون أن ينتبه السجان. لأن هذا السجان كان قد ترك باب زنزانة بسام مفتوحة بناء على طلب بسام من أجل نسمة هواء. أكتب عن بسام أولا لأنه صديقي جدا وهو فعلا كان صديق صديقه. ثانيا لأنه لم يكن حزب عمل شيوعي من جهة، ولم يكن يريد الانضمام لأي حزب. بسام كان في طروحاته أقرب للحزب الشيوعي- المكتب السياسي بزعامة رياض الترك رحمه الله. بقيت طوال الليل لم أستطع النوم. كيف تم اعتقال بسام؟ ما الذي أتى به إلى حلب دون أن أعرف؟ أين اعتقل؟ أسئلة كثيرة من جهة، ومعلومات كثيرة مشتركة بيننا يمكن أن تلحق الأذى بأصدقاء كثر لي وله من أحزاب سرية اخرى. ما هذه الصدمة؟ وما هذه الكارثة؟ وكيف ننجو منها أنا وبسام في هذا التحقيق.

عندها لم أعد أفكر بالتحقيق معي بخصوص حزب العمل، بل فكرت في إنقاذ بسام وأنه مجرد صديق شخصي لا علاقة له بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد. بسام أيضا كان يفكر بنفس الطريقة تقريبا. كان بسام تقريبا يعرف كل أوساطي الاجتماعية والسياسية تقريبا وأنا كذلك، أولا بحكم العشرة وثانيا بحكم أنه سكن في بيتي فترة أثناء تأديته للخدمة الإلزامية. كان كابوسا حتى مرت الأيام الأولى من الاعتقال والتحقيق دون أن يرى النقيب محمود استنبولي رئيس قسم التحقيق في فرع حلب، ومعه حسن خلوف ورئيس الفرع، أن هنالك علاقة سياسية ما تستدعي مواجهتي مع بسام. وكان بسام قد استطاع في اليوم الثاني أن يوصل لي روايته للمحقق بأنه فقط مجرد صديق شخصي، ولأنه كان يسكن في بيتي دون أن يتقاضى منه أهلي إجاراً وبعض التفاصيل الأخرى التي تخدم روايتنا. تماما كما فكرت أنا. وبقينا على هذه الرواية حتى في فرع فلسطين السيء الذكر. بقي هو مصرا وبقيت أنا أيضا. ما ساعدنا أيضا أن لا أحد من معتقلي الحزب تقاطعت معطياته مع بسام.

مع ذلك أبقاه فرع فلسطين معتقلا في سجنه أكثر من ثلاث سنوات كما أذكر، لمجرد أنه صديقي الشخصي. حتى أنه لم يقرأ ادبيات حزب العمل الشيوعي ولم يطلع عليها حسب روايته وأنا اكدت هذه الرواية أيضا. كل هذا فقط لأن بسام أراد حينها أن يأتي لحلب كي يراني ويطمئن علي. كانت زيارته الثانية لي عندما وجد المخابرات في بيتي بحلب. كمين وما أدراك ما الكمين. كل من أتى إلى البيت خلال ذاك الأسبوع قد اعتقل. مع ذلك عندما انفردت به أول مرة صرخت بوجهه “شو جابك”؟ ابتسم وقال لي: مرقت.

عدنا واجتمعنا في مهجع تسعة سيئ الذكر في سجن فرع فلسطين خلف كلية الآداب بجامعة دمشق. بالمناسبة كنا أكثر من 55 معتقلا في غرفة أربعة بأربعة متر مساحتها. هذا هو مهجع 9 والنوم فيه “تسييف” للنوم تسييف قصة لوحدها. في مهجع تسعة هذا، كان بسام كعادته قادرا على تكوين صداقات من جهة، وصاحب حضور لطيف ومبتسم غالبا ومثقف من جهة أخرى. وأكثر من صادقه بسام هو الرفيق عبد الكريم كردية رحمه الله. حيث لدى الاثنين ولعاً بالمقالب المازحة بالأصدقاء. عتبت على بسام بسبب أنه لم يزر أهلي بعد خروجه من السجن. عدنا والتقينا في جديدة عرطوز حيث تبين أننا جيران من جديد. بقينا نتبادل الزيارات والحوارات حتى غادرت أنا سورية عام 2004. لم نعد نتواصل بعدها الحياة تأخذنا أحيانا إلى حيث لا نريد.

فاجأني موقف بسام من الثورة. لا أريد أن أعلق عليه، فقد وصله موقفي. بسام بقي وسيبقى صديقا ودودا في ذاكرتي منذ عرّفني صديقي المرحوم خليل الخليل عليه. أيضا منذ ان زرته في بيتهم في منطقة الدعتور بسنادا في اللاذقية، وتعرفت على كل أهله. لكنه يبقى صديقا كما هو… لروحه السلام.

زر الذهاب إلى الأعلى