فنون وآداب

مسلسل (بين السطور) بين معايير النجاح والفشل النقدية وثقافة الترند التسويقية

العربي القديمأحمد صلال

وقعت صنارة النقد في هذه المقالة النقدية على المسلسل المصري (بين السطور) الذي يتم عرضه الآن على قناة  MBC السعودية، لذا بعيداً عن المواقف التي كتبت عن هذا العمل الدرامي لأغراض شخصية، أو التأثر بمواقف إيجابية متحمسة، ما يعمق الفجوة الفنية بين النقد الحقيقي، وفوضى الكتابات المدائحية المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي، والمرتبطة بتفاهة ثقافة الترند، في زمن يجهل فيه الفنانون، ومن تسميهم المحطات الفضائية نقاداً، أن الشيء الأكثر أهمية هو بناء النقد على معايير فنية.

الفكرة والحدث الدرامي

مذيعة مشهورة هند سالم قامت بدورها الممثلة السورية صبا مبارك، هند متزوجة من أحمد فهمي، الذي يعمل محامياً بمشاركة للبطولة، مع علاء فرحات الحب القديم لهند سالم، حيث يعود للظهور في حياتها من جديد، وهنا بين السطور الآن تقع شبكة من الأحداث الدرامية، وتقع جريمة قتل، وأحداث درامية أخرى، والعمل مستوحىً من عمل كوريMisty، وقد كان لعنوان (بين السطور) رمزية صغيرة، حيث إنه يتصل بدلالته الرمزية بعنوان برنامج هند سالم بين السطور، لهذا في رأيي كانت رمزية العنوان غير بديعة، وغير مكثفة، وغير موفقة.

غالباً ما نجد أن الكاتب الملهم هو الذي يستقرئ الواقع المعاش، ثم يحوله إلى فكرة معبرة ذات أبعاد متعددة،  تساهم في بناء، وتقييم المجتمعات والأفراد والأمم، وكذلك نرى أيضاً المخرج المبدع هو الذي يحول تلك الأفكار إلى واقع مرئي ومشاهَد.

وهذا ما شاهدنا عدم تحققه في المسلسل، والذي اجتمع فيه عدم نباهة الكاتب، وعدم ذكاء المخرج، أضف إلى ذلك تأثر المجتمع العربي بالمواقف العاطفية كثيراً، وعلى وجه الخصوص الجمهور المصري، هذا ما جعل المخرج يغرق الكوادر الدرامية بالكثير الكثير من المواقف، والمشاهد التي تتنافى مع العرف، والعادات والتقاليد، حيث شاهدنا العديد من المشاهد تحمل “دراما شو”، مثل القبل والتلامس الجسدي العاطفي، وتتنافى  مع الثبات، والوفاء والعرض والأرض؛ ما نعيشه كابوس درامي بشكل فني فقير وهزيل.

الزمان والمكان..

غالباً ما يوجد تعدد زماني ومكاني، ومفارقات زمانية ومكانية، بين الكاتب والمخرج؛ لذا كانت القياسات الزمانية التي تتوسط العمل الدرامي غير بديعة، كمسألة الإحساس بالزمن طولاً وقصراً؛ كونه يختلف في بعض المشاهد عن زمن العرض، كان غير بديع، كذلك الزمن المستهلك في الحوار النفسي، والحوارات العاطفية، إضافة إلى زمن الموسيقى، وزمن القفل في معظم الحلقات، وهنا بالذات كان معظمها ينتهي زمنها بمشهد غير جميل ومشوق إلى حد غير بديع أيضاً.

لكن ما نود الحديث عنه، بل وما نعانيه في معظم المسلسلات المصرية على وجه الخصوص اهتمامها بعنصر المكان، بحيث تحاول جاهدة مقاربة الأحداث المكتوبة، وإسقاطها على مكان يكاد يكون مقارباً إلى مكان تلك الحقبة التي تحدث عنها الكاتب، وهذا يعد شيئاً جميلاً جداً، لكن مسألة إهمال عنصر الزمان، وبالذات الزمن التقديري للمسلسل، وتغيرات الشهور، أو الفصول، أو السنين فيه هذا ربما يؤثر سلباً على مجريات العرض الدرامي، ويخلق أيضاً جموداً، وسكوناً زمانياً، بين بداية الفترة ونهايتها، وهذا ما لاحظناه في مسلسل بين السطور  أيضاً، ولكي أوضح المقصود مثلاً ظهور مشاهد المسلسل، منذ الحلقة الأولى على  مستوى الحدث نفسه، وحتى الحلقات الأخيرة.

الحبكة الدرامية..

من المهم جداً مسألة ترابط الأحداث وانتقالها، إبتداء من عنصر العرض، مروراً بالاحداث الصاعدة، وصولاً نحو الذروة، ثم العودة بشكل بديع للوصول لعنصر المفاجأة الذي غالباً ينتظره الجميع.

لذا من وجهة نظري كانت الحبكة الدرامية غير رائعة جداً، ابتداء من تلك اللقطة غير الساحرة التي افتتح بها المخرج الحلقة الأولى عنصر العرض المكاني، بصورة فوقية لحدث مروري،  والتي يجب تواجدها  بين الفكرة، والعنوان، واللمسة السحرية للمخرج، ثم بعدها الانتقال غير اللذيذ  إلى إبراز عناصر الصراع في شخصيات بين السطور،  وما يجاورهم من شخصيات، وكذلك إبراز الشخصيات، والبيئة والزمان والمكان، والعادات والتقاليد.

كذلك ما يخص الأحداث الصاعدة، فلقد كان المخرج غير  موفق إلى حد كبير، وبديعاً في ترابط وتكاثف الأحداث، لاسيما أنه استخدم الحبكة الدرامية المتماسكة، والتي تعني حياكة أحداث المسلسل بشكل أكثر احترافية؛ ليصل بالمشاهد إلى مرحلة القلق، والخوف والتوتر والانتظار والإدراك، والتفاعل إلى ما ستؤول إليه الأمور، وهذا الأسلوب لم يكن مناسباً في هذا النوع من الدراما، على خلاف الحبكة الدرامية المفككة، والتي وضحناها سابقاً في المسلسل، والتي تعتمد على بنية القصة، وتوسيع مجال العرض، دون التركيز على ترابط وتكاثف الأحداث وتماسكها، والذي يستخدم في أنواع أخرى من الدراما…

الدراما ولغة الحوار..

يمكن للممثل أن يطلق عنان الفن، والإبداع والابتكار والتألق في نسق المشهد، وبلورة أحداثه للواقع الافتراضي المُشاهَد، لكن عليه أن يلتزم بالنص، وبمفرداته وكلمات الحوار المسندة إليه.

وهذا جل ما نحتاج إليه دائماً؛ لكي نرتقي بالأعمال الدرامية في مصر بشكل خاص، وهو لغة الحوار التي ترتقي بالمشهد، وتعتلي بالموقف، وتسمو بالعمل الدرامي نحو الذروة، نحن بحاجة ماسة إلى ضبط لغة الحوار مع جمال المشهد والحدث، كما يجب على الممثل أن يوقف إطلاق سجيته في لغة الحوار، لاسيما إذا كانت بدائية إلى حد كبير ومبهمة، وغير مفهومة للجميع، كما يجب على الممثل أن يدرك متى يكون المشهد الدرامي فوضوياً، ومتى يكون هزلياً، ومتى يكون جاداً، ومتى يكون غير ذلك، لابد أن يعي الجميع معنى النضوج الفني والدرامي، في إسقاط المشهد ومحاكاته بشكل جميل ورائع.

من هذا المنطلق كان هناك الكثير من الحوارات، في هذا المسلسل الهزيل تحتاج إلى تشذيب العديد من الألفاظ والكلمات، واستبدالها بما يرتقي بالمشهد والحدث والحوار الفني والدرامي بشكل أفضل وأجمل.

لهذا أتمنى أن يأخذ المخرجون هذا الأمر على محمل الجد، في أعمالهم الفنية والدرامية القادمة، لاسيما التركيز على الحوارات ولغتها المناسبة؛ لأننا نريد أن نرى الدراما المصرية بشكل، والعربية بالعموم تتصدر المشهد، سواء على المستوى العربي أو العالمي، بل نأمل ذلك كثيراً، وننتظر تلك اللحظات بفارغ الصبر…

الشخصيات والأداء التمثيلي

كما هو معروف أن الشخصيات هي الركيزة الأساسية التي على أساسها يبدو نجاح أي عمل درامي، كما أن توزيع الأدوار بشكل مناسب مع الشخصيات الملائمة يعد التحدي الأكبر للمخرج، والمنطلق الأهم والمحور الرئيس الذي تتمحور عليه كل المشاهد والأحداث في أي عمل درامي؛ إذ إن ضياع الأحداث في القصة وضياع الأفكار فيها غالباً ما يأتي من هذه الزاوية، وهذا ما نلاحظه في كثير من الأعمال الفنية والدرامية المصرية التي تخفت وتبدو ضعيفة جداً؛ بسبب إهمال عنصر اختيار الشخصيات التي تتناسب مع الدور الذي تحاكيه القصة، وبسبب نظرتهم القاصرة، بأن هناك فقط مجموعة أشخاص هم من يستطيعون إجادة العمل الدرامي، بشتى أنواعه ومجالاته، سواء كان كوميديا أو ميلودراما أو مأساة، أو دراما موسيقية أو هزلية (ساخرة) أو غيرها، وهذا هو ما يجعل القصة مختلة، والمشاهد غير ناضجة، والأحداث غير جدية في هذا العمل أو ذاك.

وما شهدناه من الممثلة صبا مبارك، في دور (هند سالم) شيء من عدم النضوج الفني والدرامي، حيث غياب التناسق والتناغم الجميل، وعدم قدرتها على محاكاة الواقع الافتراضي الذي تنسجه القصة، وأنا شخصياً أعتبر أداء مبارك غابت عنه أحاسيس وملامح الشخصية، وأنا أعتبر هذه الفنانة تهبط بالعمل الدرامي، حيث الوقوف الفقير أمام الكاميرا والكلام غير الصادق، والبكاء المفتعل، وغياب الروعة والإبداع في تظهير الانفعالات.

زر الذهاب إلى الأعلى