نوافذ الإثنين | رمضان كريم... ذكريات وحكايات
بقلم: ميخائيل سعد
يصادف نشر هذه المادة مع أول يوم من شهر رمضان المبارك، أعاده الله على الجميع بالخير والبركة، وقد أحببت أن اكتب لكم عن بعض ذكرياتي في هذا الشهر الفضيل، وخاصة ما عشته منها في شهر رمضان ”التركي“ منذ أن بدأت زياراتي لتركيا بشكل دوري من عام ٢٠١٤.
قبل زياراتي لتركيا لم أكن أعرف شيئا عن الافطارات الجماعية، إلا ما كنت قد سمعته عن ”موائد الرحمن“ التي كان يقيمها أصحاب الأموال في مصر في رمضان. وكنت أقدر الأسباب الاجتماعية والسياسية أحيانا، خلف هذا السلوك، أما ما شاهدته في تركيا فكان شيئا مختلفا رغم تشابه وتشابك الدوافع. ففي تركيا كان هذا تقليديا قديما مارسته قديما الجماعات الصوفية وبعض الجوامع قبل أن يتسع ليساهم فيه البلديات والجماعات السياسية والمؤسسات الدينية والشخاص النافذين، ويلاقي قبولا اجتماعيا واسعا، وخاصة في إسطنبول، فلم يتح لي الوقت لأراه في مدن ـتركية ـأخرى.
صدف أن قرأت في أحد كتب الأديب التركي أورهان باموق (١٩٥٢)، الحائز على جائزة نوبل للآداب عام (٢٠٠٦)، أن بعض الصحفيين والكتاب الغربيين كانوا يأتون في شهر رمضان لزيارة إسطنبول بهدف التعرف على طعام وعادات وممارسات الأتراك في شهر الصيام، ما يعني أن هناك شيئا مميزا يجري في شهر رمضان، بالإضافة إلى زياراتهم للمقابر لمشاهدة عادات المسلمين الأتراك في تكريم موتاهم. ولما صدف أن أغلب زياراتي لتركيا كانت تتوافق مع قدوم شهر رمضان، فقد قررت أن أتعرف على الاتراك من خلال المشاركة في الإفطارات الجماعية، لذلك كنت أضع خطة كل سنة لزيارة أشهر الافطارات الجماعية في المدينة، فالتقط الصور وأتناول الإفطار مثل أي مسلم، مراقبا في الوقت نفسه سلوك البشر قبل البدء بالطعام وأثناء الافطار وبعده، وقد التقطت مئات الصور للمناطق والتجمعات ووجوه الناس، وطريقة تناولهم للطعام. وفي نهاية الصيام من كل عام، كنت أسجل ملاحظاتي، فخلصت إلى نتائج عامة، سأذكر بعضها، ثم أفرد حيزا خاصا بتسجيل بعض الأمور الشخصية التي حدثت معي.
لماذا شهر رمضان؟
في تركيا أهمية كبيرة للافطارات الجماعية خلال شهر رمضان، فهي تشكل تقليدًا اجتماعيًا مميزًا يجمع الأصدقاء والعائلات والجيران لتناول وجبة الإفطار معًا بعد صيام النهار. وتعد الإفطارات الجماعية فرصة لتواصل وتقوية العلاقات الاجتماعية. يعتبر الجمع والتواجد معًا في وقت الإفطار فرصة للتواصل الاجتماعي وتقديم الضيافة للآخرين. ويتم دعوة الأصدقاء والأقارب وحتى الجيران للانضمام إلى إفطار جماعي في المنازل أو في المطاعم أو في الجوامع والمساجد ثم اتسعت لتمشل كل من يرغب بالمشاركة.
يتم تجهيز الطعام بشكل وفير لضمان توفيره لجميع الحاضرين. ويكن ملاخظج شعور الناس بالسعادة والراحة عندما يشاركون الطعام معًا، ويعبرون عن تضامنهم وتواصلهم عبر الطاولة.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الإفطارات الجماعية فرصة للعمل الخيري والتبرعات. تنظم العديد من المنظمات والمؤسسات الخيرية إفطارات جماعية لتقديم الطعام والمساعدات للمحتاجين والفقراء واللاجئين. يقوم الناس بالتبرع بالطعام والمال لدعم هذه الإفطارات ومساعدة الآخرين في شهر رمضان.
باختصار، يعتبر الإفطار الجماعي في تركيا خلال شهر رمضان فرصة لتواصل العلاقات الاجتماعية ومشاركة الطعام مع الآخرين، إلى جانب العمل الخيري والتبرعات. يعكس هذا التقليد قيم التضامن والسخاء والعطاء في المجتمع التركي.
كما لا يمكن تجاهل استثمار هذه الإفطارات من قبل السياسيين كأحزاب وأفراد ومنظمات دينية، لإظهار اهتمامهم بالناس والدعوة لأفكارهم.
تقوم العديد من الجوامع والمساجد في تركيا بتنظيم إفطارات جماعية للصائمين. يتم تجهيز وجبات إفطار غنية وتوزيعها على المصلين في الجوامع بعد صلاة المغرب. يجتمع الناس في الجوامع لتناول الطعام والمشاركة في الصلاة والذكر.
كما أن الإفطارات الخيرية تعتبر جزءًا مهمًا من التقاليد في تركيا خلال شهر رمضان. يتبرع الأشخاص والمؤسسات بالطعام والمال لتنظيم إفطارات جماعية للمحتاجين والفقراء واللاجئين. يتم توزيع الطعام على الأشخاص الذين لا يستطيعون تحضير الإفطار بأنفسهم، سواء في المنازل أو في الأماكن العامة مثل الشوارع والحدائق.
كما أن بلديات أحياء إسطنبول تقيم خيما مجهزة بالطاولات والكراسي في الساحات العامة تقذم فيها افطارات جماعية، ويجب أن لا ننسى أن نشاط البلديات هو نوع من النشاط السياسي، لأن إدارتها تكون منتخبة، وبالتالي تابعة للأحزاب سياسية انتخبها الناس في المنطقة.
هذه بعض العادات والتقاليد الخاصة بالإفطارات الجماعية في المطاعم والجوامع في تركيا خلال شهر رمضان. يمكن أن تختلف هذه العادات قليلاً من منطقة إلى أخرى، وحسب الجهة المنظمة للإفطار.
٣٥ إفطارا خلال رمضان
في عام ٢٠١٨ كنت في إسطنبول من بداية شهر رمضان حتى نهايته، وقد حققت رقما قياسيا في حضوري للإفطارات الجماعية والخاصة، فعدى عن محاولتي زيارة الإفطارات الجماعية في الجوامع والساحات العامة والشوارع والخيم، كان بعض السوريين يدعوني للإفطار الرمضاني في بيوتهم، وكنت حريصا أن ألبي كل الدعوات، ولكن كان الأمر صعبا في بعض الأحيان فأعتذر عن تلبية الدعوات لبعد المكان، أو لتقاطعه مع دعوة أخرى في الوقت نفسه. في نهاية الشهر أجريت إحصاءا لعدد الإفطارات التي حضرتها والتي تلقيت دعوات خاصة لحضورها فكان العدد ٣٥ دعوة إفطار فردي وجماعي، وقد عبر الصديق المهندس والكاتب ماهر حميد عن ذلك بإسلوبه الساخر الطريف، فكتب في صحفته الفايسبوكية معلقا على البوست الذي ذكرت فيه عدد الإفطارات ما يلي:
”الحفاوة:
عدد كبير يتابع الاستاذ ميخائيل سعد على صفحته وعدد قليل ممن يعرفه شخصيا كونه يقيم بكندا منذ زمن طويل، زياراته لتركيا تمثل حالة وظاهره سوريه مثاليه (واحد بينعزم و يفطر برمضان اربعين مره خلال 29 يوم هي لحالها قصه ).
لماذا يبحث الناس عن شخص مثله، لماذا يتلقفه الناس كأنه ايقونه، لماذا يعاملونه بهذه الحفاوه ؟!
هذا هو السؤال الذي يبحث عن جوابه السوريون و يتصرفون عكس ما ستكون الاجابه ، إلا من رحم ربي. واحد مسيحي بينعزم على 40 فطور برمضان و نحنا يلي وجوهنا تفيض بالنور ما حدا يعزمنا….. ! اللهم حسد و ضيقة عين“ .
الجامع للجميع
من مشاهداتي في رمضان عام ٢٠١٨، أنني كنت في جامع الشيشلي لحضور الإفطار، وقد وصلت قبل أن يضرب المدفع بحوالي ربع ساعة، التقطت الصور التي أنا بحاجتها، ورأيت جرة عمالقة في إحدى زوايا باحة الجامع فذهبت لأراها والتقط صورا لها، كان عليها كتابة باللغة العربية، وحاولت قراءتها، وكان بجانبها رجل عجوز، فقال لي: هل تريد المساعدة، أنا أعرف العربية؟ شكرته، ووجدت الفرصة مناسبة لأعرف لماذا توجد مجموعة من الناس تأكل، في الزواية المقابلة من باحة الجامع، فقال الرجل: أنهم غير صائمين.
قلت له: هل هم من طائفة أخرى أو دين آخر؟
قال الرجل: لا أعرف، ولكن أعرف أنهم جائعون وغير صائمين، ويريدون الأكل الآن، وهذا حقهم.
قلت: لماذا هم في الجامع إذا؟
قال: من قال لك إن الجامع للصائمين فقط؟ الجامع للجميع؛ للصائمين وغير الصائمين.
كان كلام الرجل أكبر من كل أصحاب العقول الصغيرة والضيقة، والتي تريد تشويه سماحة الإسلام.
أخيرا، أقول على طريقة هذا العجوز: الإسلام للمسلمين وغير المسلمين. رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير.
رمضان مبارك علينا وعليكم عمو أبو عمرو ، أسأل الله لكم في هذه الأيام الفضيلة طول العمر وحسن العمل
kqGVnTOJgAc
AUOefiZRKtCHbq