رسالة إلى أهلي السوريين (1 من 2)

غسان المفلح – العربي القديم
– ترددت كثيرا في كتابة هذه الرسالة رغم أنني كنت وجهت رسالة للسيد احمد الشرع بعد سقوط الأسد بعدة أيام. منذ ذلك الوقت وانا متردد في نشر هذه الرسالة.
سورية الآن لم تعد وطنا ككل الأوطان. سورية الآن قطعة ارض جديدة، اتى إليها المتحاربون، كي يستقروا. فكيف يستقروا؟ يتفقون على عقد جديد. ينهي الحرب ويصنع المستقبل. ليمحي كل سوري سورية الاسدية من ذاكرته بطل حمولتها وقواها. يبدأ من نقطة البداية الحرة 8كانون الأول 2024. بداية لكل السوريين. اعرف أنه طلب يكاد يكون مستحيلا. لكن الثورة السورية صنعت المستحيل. كونوا جميعكم أهلها. الثورة التي رفعت شعارا الشعب السوري واحد، ثورة الحرية والكرامة لكل السوريين. ثورة احتلتها أكبر خمسة جيوش في العالم والاقليم. مع ذلك بقي من هو مؤمنا بها حتى جاءت اللحظة الحاسمة وحققت هذه النقلة المهولة في اسقاط الاسدية.
– عن نفسي لم أكن أتوقع هذه النقلة ولم أكن اصدق أنها حدثت. لهذا أخاف عليها من أمريكا. وفقط أمريكا. أتمنى صادقا أن تدعم أمريكا العملية الديمقراطية في سورية. لأن كل الدول التي تدخلت بالملف السوري، ابدا لم تكن معنية بسورية ديمقراطية. هذه الدول على رغم أهميتها، إلا أن أمريكا بيضة القبان. كنت منذ عقود اردد أن أمريكا الشر الذي لابد منه. ليتها تصير خيرا لسورية ولو استثناء. لأن أمريكا حتى اللحظة لا تبحث عن معادلة استقرار وعدم استقرار، بل تبحث عما يناسب المصالح العليا لها ولو كانت على حساب الشعوب. الاستقرار من عدمه تتعامل معه أمريكا انطلاقا من انعكاسه على مصلحتها. في منطقتنا بيع السلاح والسيطرة على سوق النفط وإسرائيل، هي الأولويات. هل يمكن ان تصير ديمقراطية سورية أولوية؟ لهذا خوفي على سورية الآن فقط من أمريكا.
– كثر من انزعج من موقفي من الهولوكست الاسدي المدعوم دوليا بحق الشعب السوري. أخص بالذكر رفاقا تقاسمت معهم السجن وغير ذلك. هذا الانزعاج أزعجني، لكن لم يثنيني عن قول ما اعتقده حق. لهذا اضطر هنا إلى ايراد ثلاث مؤشرات:
الأولى: في اثناء محاولة تشكيل جبهة معارضة سورية عام 1980 لإسقاط الأسد الاب على ما أذكر من خلال سماعي لشهود عيان، توافق الجميع على اغلب البنود، لكن عندما اتى الحديث عن الجيش انبرى معارضا من أصول علوية، وقال: لا كل شيء إلا الجيش لا تقربوا عليه. لأنه كان مطروح إعادة هيكلة الجيش باعتبار انه جيش لا وطني تمثيلا. انسحب على إثرها.
الثانية: كي لا تتكرر المجازر والتشبيح “المعرفي” والايديولوجي، وكي لا يغرق الضمير مرة أخرى في انحيازاته الماقبل سورية المستمرة حتى الآن هذا من جهة ومن جهة أخرى تحذير للسلطة الجديد. مجزرة مدرسة المدفعية في حلب والتي وقعت في يوم السبت 16 حزيران/يونيو 1979م، في مدرسة المدفعية الواقعة في منطقة الراموسة في مدينة حلب السورية، وأسفرت عن مقتل 50 إلى 82 طالباً من طلاب المدرسة معظمهم من الطائفة العلوية وجرح حوالي 54 طالباً حسب الرواية الرسمية.
كل القوى السياسية واكثرية المجتمع السوري أدانت هذه المجزرة. نحن نتحدث عن عام 1979. كل الادانات ركزت على المجرم، وهو يستحق. لكن أبدا لم ينظر أحد من جهابذة المعارضة ومثقفيها إلى أصل الحكاية:
من أصل أكثر من 200 طالب في المدرسة العسكرية، اخرج المجرم ابراهيم اليوسف 10 طلاب فقط من المدرسة كانوا من غير الطائفة العلوية. وما تبقى حوالي 190 طالب كانوا من الطائفة العلوية. أين تكون مشكلة سورية إذا لحظتها 1979؟ هذه تحتاج لضمير معرفي وانساني. كي نتجاوز هذه الرضة العميقة في المجتمع السوري. بدون كذب وتلفيق.. هذا تحذير أيضا للسلطة الجديدة كي لا تكرر نفس الفعل الاسدي. هذه النقمة زرعتها الاسدية منذ لحظة استيلائها على الحكم إن لم يكن قبل ذلك.
الثالثة: القرار 2254 في تشكيل هيئة حكم انتقالي، وما تلاه من مؤتمرات ونقاشات وافقت عليها كل الدول ينص على إعادة هيكلة الجيش. حتى الروس الذين هم اهم داعم واجرم بحق الشعب السوري وثورته، كانوا يسعون لاقناع المعارضة وضباطها الذين انشقوا بعد الثورة بإعادة هيكلة الجيش تحت بقاء الأسد والمعارضة رفضت. أحد الاقتراحات 50% لجيش الأسد و50% من المعارضة. ولم يتحقق أيا من ذلك. لهذا ما أثار جنون بعض النخب ليس سقوط الاسد بل هروب جيشه الطائفي. لكن بغض النظر عن كل هذه التفاصيل، الدولة السورية المنشودة يجب ان تكون لكل السوريين. اول خطوة فيها تطبيق العدالة الانتقالية وعودة العلويين كمواطنين سوريين. هنا يأتي دور النخب. سأفصل في هذه النقطة لاحقا.
– حزب العمل الشيوعي وما أدراك ما حزب العمل الشيوعي في أدبياته في توصيف النظام الاسدي: انه ذو سمات طائفية. الآن يتم التراجع عنها.
الآن النغمة: ان النظام لم يكن طائفيا بل كانت تشارك فيه كل المكونات السورية! هذه النغمة القصد منها تعميم الجريمة الاسدية لدرجة أن الجميع شارك فيها!
مع ذلك لا بد أن أوضح خاصة لمناصري السلطة الجديدة: ان النظام طائفي لكنه ليس نظاما علويا. إنها ليست احجية، لو كان النظام علويا لاستطاع العلويين تغيير رأسه. أي لكان هنالك نظام سياسي مختلف عن الاسدية، كأن تقول المارونية السياسية. كنت قد ناقشت وكتبت كثيرا عن هذا الموضوع خلال العقدين الأخيرين.
– الشعوب لا تصنع ديكتاتورا، الذي تصنعه القوة العسكرية العارية ورساميل لها مصلحة إن وجدت، نوجه نصيحة لشعبنا بأن يبتعد عن التهليل لأي مسؤول ليس لأنه قادر على صناعة ديكتاتور مهما هلل، بل كي يتخلص مما زرعته الاسدية، وليس لأن الشعوب تصنع ديكتاتورا. هذه الاسطوانة هي لإدانة الشعوب وتعميم الجريمة الديكتاتورية من حيث المسؤولية القانونية والادبية.
– حقوق الكرد السوريين موقفي معروف. حزب العمال الكردستاني البي كي كي وهيئة تحرير الشام مصنفين: تنظيمان ارهابيان على اللوائح الامريكية والدولية. رغم ذلك كانت امريكا تحميهما.
التنظيمان واحد حرر البلد من الاسد. والثاني كان قد حررها من داعش وبقي محتل الجزيرة. تركيا تلعب بالمساحة البينية. دمشق محررة وفيها حرية. الجزيرة الان محتلة ومقموعة بكل اطيافها من قبل قنديل.
ملاحظتين صغار: اولا تركيا لا علاقة لها بقرار اسقاط الاسد، ولا تمون على هيئة تحرير الشام مهما كانت تبدو احيانا تقاطع المصالح. لاتزال الفصائل الموالية لتركيا تقاوم عمليا الانضمام للجيش النظامي.
ثانيا التعليقات والبوستات المنتشرة المعادية للعرب لا تخدم سوى تركيا وقنديل. ولا تخدم القضية الكردية السورية مطلقا.
من جهة أخرى الجميع يعرف عربا وكردا ودولا كبيرة وصغيرة أن قرار قسد ومسد بيد قنديل. وقنديل لا ترى مصلحة لها في الانسحاب من سورية حتى اللحظة. الموضوع لا علاقة له بداعش ولا علاقة له بحل القضية الكردية في سورية، وليس من مصلحة قنديل حلها اساسا. لأنه مجبرة عندها على الانسحاب من سورية. هذا لا يعني ان كثير من القوى السياسية العربية لا تساهم في بث الكراهية ولا تريد الاعتراف بحقوق الكرد السوريين. الحل لا تظلوا تزايدون على بعضكم كردا وعربا سوريين. لتجلسوا على طاولة واحدة وتتفاوضوا حتى تصلوا لحل وانا متأكد انكم ستصلون لحل. طبعا هذا الملف خاضع لمصالح دول أخرى أيضا وعلى رأسها أمريكا ذاتها كما نوهت منذ البداية…
يتبع