تفاصيل سورية | ماذا تعرفون عن السجن في عهد الأسد؟
غسان المفلح
السجن في سورية خلال الحكم الأسدي المستمر حتى اللحظة ركن أساسي من أركان الفعل السياسي لسلطة الأسد الاستثنائية. لا يزال السجن هو المكان المجهول معرفيا في حياة السوريين. كثر من السجناء كتبوا عن السجن وتفاصيله. كتبت روايات وقصص عن هذا السجن من قبل سجناء متعددي المشارب الأيديولوجية. رجال، ونساء بشكل أقل، كحسيبة عبد الرحمن المعتقلة اليسارية بتهمة الانتماء لحزب العمل الشيوعي عبر رواياتها “الشرنقة”، وهبة الدباغ التي كانت معتقلة بتهمة الاخوان المسلمين عبر رواية “خمس دقائق وحسب” عن تسع سنوات في سجون سورية وغيرهن.
أعداد الروايات التي كتبها رجال تكاد لا تحصى. كل هذه الاعمال تحاول وضع القارئ بظروف السجن وتفاصيله. فترة التحقيق والتعذيب وطرق العيش فيه في ظل حجز الحرية وتعامل السجان معهم، وتعاملهم مع بعض كسجناء، وأحيانا تقاليد كل سجن مروا به. سرديات متنوعة عن هذا السجن الأسدي. في الحقيقة لو عدنا لتاريخ سورية منذ تأسست، لا نجد للسجن دورا مركزيا في الحكم إلا في هذا العهد الاسدي الكارثي على سورية. ما أود وأتمنى أن أفتح عيون الأجيال القادمة عليه لدراسته، هو دور السجن في آليات الفعل الاسدي للسيطرة على المجتمع السوري. تاريخ السجن الأسدي.
تعريف السجن السياسي والسجين السياسي، والحديث عن حقوقه في الأعراف والمواثيق الدولية، يمكن للقارئ الكريم العودة إليه في محركات البحث الافتراضي. وثائق وغيرها من الكتابات يمكنها تغطية هذا الجانب. مع ذلك يبقى السؤال في وجه السوريين قائماً وهو: “ما هو السجين الأسدي وماهي حقوقه؟” يضاف إلى السؤال المركزي: “السجن كأداة سيطرة وضبط وقتل وتصفية” في العقل الأسدي إذا جازت التسمية.
هل هنالك وثيقة سورية يمكننا معرفة عدد سجناء الرأي والسياسيين الذين اعتقلتهم الأسدية منذ عام 1970 وعام تسلم الأسد الاب السلطة بانقلاب تشرين الثاني، وما قبل ذلك وحتى الآن؟ وكم هي المدد التي قضوها بأمر شخصي من الديكتاتور، حيث لا قانون يحكم هذا الحقل من التفكير الاسدي سوى الأسد نفسه. كما نعرف الأسد قبل عام 1970 كان وزيرا للدفاع واعتقل عددا من مسؤولي حزب البعث ومنهم من أعدمه كالضابط سليم حاطوم. كم عائلة قضى أبنائها عقوداً من السنين في سجن الأسد؟ يحضرني مثالين من حزب العمل الشيوعي على الأقل:
– الأول: عائلة ملحم خمسة أخوة كانوا في السجن في نفس اللحظة، أكبرهم منيف ملحم وأصغرهم نبيل ملحم. لو جمعنا سنوات اعتقالهم تعسفيا لوصلنا إلى نصف قرن من السنين.
– الثاني: آل البني أكرم البني الذي قضى أكثر من 15 عاما ويوسف مثله تقريبا، وأختهم سحر البني التي قضت أكثر من أربع سنوات، وزوجها الروائي مصطفى خليفة الذي قضى أيضا أكثر من 12 عاما.
يحكى عن والد الأصدقاء من آل ملحم، عندما أتت المخابرات إلى بيته في بوحقفة قريتهم لاعتقال ابن آخر له، كان بيده عكازه، فرماها عليهم قائلا: اعتقلوا هذه أيضا. كل هذا ونحن لم نتحدث بعد عن معتقلي الفصائل اليسارية الأخرى. أما معتقلي الإخوان المسلمين وما يسمى بعث العراق فقد تجاوزت أعدادهم عشرات الألوف. كل هذا كان خلال فترة حكم الأسد الأب. لم نفتح ملف السجن في الثورة السورية أي منذ 13 عاما بعد. ما تسمعه من قصص وروايات عن هؤلاء وكيف تم التعامل معهم تحكي قسما هاما من تاريخ سورية في هذا العهد الأسود.
يروى عن الضابط الفاشي المعروف محمد ناصيف الذي تسلم فرع دمشق في إدارة امن الدولة طيلة حكم الأسد الأب، وكان مقربا من الأسد الابن أيضا كثيرا. أنه قال مرة عن معتقلي اليسار وخاصة حزب العمل: “هؤلاء تحت السيطرة، لكن عندما تعتقل واحداً منهم اعتقله مدى الحياة”. السجن حتى الموت عنوانا يصلح في سورية الأسد. السجن عرفيا ولا قانونا أيضا عنوانا آخر. الخلاصة السريعة هي العمل على بناء نموذجٍ معرفي ونظري عن السجن بوصفه أداة حكم استثنائي عند الأسدية. هذه مهمة ليست سهلة بالتأكيد لأننا أمام نقص هائل في الوثائق. رغم العدد الهائل من السوريين الذين مروا في سجون الأسد.
كم سجينا مات في سجن الأسد؟
عندما خرجت من المعتقل عام 1999 وأجلسوني في باحة دارنا، وكل الموجودين ينظرون إليّ، سألت أحد اقاربي وهو رجل كبير في السن: “لماذا ينظروا إلي هكذا؟” فأجابني: “ليتأكدوا من أنك لم تفقد عقلك، لأن السمعة عنكم كسجناء أنكم تخرجون من سجون الأسد مجانين”.
فهل حقا نحن مجانين؟
يتبع..
جهد مشكور