تشويه الحقيقة التاريخية في سلسلة روايات “حسن الصباح”
دعوة للبحث العلمي و التوثيق .. لإنقاذ جزء من التراث الاسلامي من التزييف والسرقة
العربي القديم – نوار الماغوط
بخصوص ماورد في حلقة اليوتيوب للمهندس والإعلامي نضال معلوف حول ما وصفهم “بالحشاشين الجدد” المليئة بالاخطاء التاريخية والعلمية وكانت تتبنى رواية مزورة ومضللة بالكامل…
كانت حكايات اللرحالة ماركو بولو ( 1254م / 1324م ) هي المورد الرئيسي الذي من خلاله عرف السيد نضال معلوف على القصة . ووجد في استحضار أسطورة الحشاشين فرصته في تقديم حلقة مثيرة بأحداث مازالت تداعياتها تزهق أرواح المسلمين منذ 1400 عامًا ولغاية اليوم فيها حكايات تدغدغ طائفيتهم وثقافتهم السطحية التي كرستها الانظمة العربية الحاكمه عبر التاريخ، كما أخطأ وبشكل كارثي أيضاً عندما أسقط كُل أفكاره على على ما وصفها بالمعارضة الراديكالية التي وقفت ضد النظام السوري.
الأمر الذي لا يعرفه ولم يطلع عليه السيد نضال هو حقيقة ما كان حدث في قلعة آلموت، أهمها أن هولاكو دمَّر القلعة عام 1256، أي بعد أكثر من مئة عام من وفاة حسن الصباح (1037 م / 1124 م) ودمَّر معها المكتبة الضخمة التي كانت بها وكانت تحوي التراث الفكري للصبّاح وأتباعه وكان عمر ماركو بولو وقتها سنتين.
وعندما كبر أصبح تاجراً ورحالة وله علاقات دبلوماسية مع ملوك المغول وأحفاد جنكيزخان وهولاكو ..وعندما بلغ ماركو بولو سن الشباب… عين في منصب في الحكومة الصينية. وقد بقي مقيماً هناك حوالي 17 سنة.
وبعدها عاد إلى بلاده حوالي عام 1290م، وعكف على تدوين تفاصيل رحلاته، وحياته في الصين، أي كتب ما يتذكره مما رواه أحفاد من أحرقوا مكتبة حسن الصبّاح، بعد عشرين عاماً من سماعها، وأكثر من مئة عاماً من وقوعها!
الأمر الذي يدل أن معظم ما كُتب حتى وقتنا هذا، جاء من كتابات أعداء حسن الصباح وأتباعه عنهم، و من كتابات المستشرقين والرحالة الأوروبيين الذين أخذوا مصادرهم من تلك المصادر نفسها.
يقول الأستاذ عمرالبنيه وهو طالب باحث في جامعة باريس عن تاريخ تلك الفترة:
“في العصر العباسي الثاني تحول الأتراك من أداة تنفذ مشيئة الخلافة إلى سيف مسلط عليها، فصار بيدهم الأمر والنهي وسلبوا الخلافاء سلطتهم، وأصبح أمير الأمراء التركي هو الحاكم الفعلي يولي ويعزل من يشاء… ولم يسلم الأهالي من هؤلاء القادة وابتزازهم، وفقدت الحكومة هيبتها وعصت الفوضى في العراق.… أما الأحوال الاقتصادية في تلك الفترة فقد حدثت بها تبدلات كبيرة، واتخذ الإقطاع لأول مرة صفة عسكرية، وازدادت أحوال الفلاحين سوءاً وعشوائية.. وكانت الإقطاعية الجديدة من كبار قادة الجند والتجارالإقطاعيين ولم يكن حال العمال أفضل حال من الريف ولم تحمي الدولة العمال من تسلط وابتزاز كبار القادة من الأجانب ..
ثورة منظمة على الإقطاع والتهميش والظلم
كل هذه الفوضى والتهميش وإزدراء الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، وسوء الأوضاع العامة وتدخل العناصرالأجنبية… ساعدت على تبني الكثير من الأشخاص للحركة الإسماعيلية التي قامت على أساس ثورة منظمة على الإقطاع والتهميش والظلم… وتأسيس ما يشبه نقابات للعمال والفلاحين … وتبني نهج ثوري كان يقوده دعاة سريين للدعوى الإسماعيلية والتي رفعت شعار إنهاء الظلم في تلك الفترة .. ولاقت الدعوى صدا شديدا واستجابة من الكثير من الفلاحين والمهمشين والعبيد وعامة الشعب.
ويضيف الأستاذ عمر البنية أن الحركة الاسماعيلية قامت بمنطقة مشتعلة بالخلافات بتلك الفترة وهي منطقة العراق وشرق العراق والخلافات القديمة الشعية السنية.. والخلافات مع دولة الفرس.. وفي فترة ضعف الدولة العباسية وتسلط القادة الأتراك والسلاجقة الفرس في الدولة ..
ثورة الحسن الصباح والتي كانت ردة فعل على الواقع الاجتماعي المزري .. كانت بهذه المنطقة والانتشار الواسع لدعوته واستجاب الأهالي له بسرعة, وتوسع نفوذ دعوته وانتشاراها أغضب كل الأطراف في المنطقة واجتمع الجميع على مهاجمته ومحاربته ونشرونسج الدعايات والأساطير عنه!
أما حول ما كتبه المستشرق ماركو بولو يقول الاستاذ عمر:
“مارك بولو كتب كمستشرق عن المنطقة. لم يزر مارك بولو قلعة ألموت ولم يحقق أي مخطوطات اسماعلية، وكتب دون إجراء لقاءات مع دعاة اسماعيليين.. وكل كتاباته كان مبنية على وجهات نظر مسبقة، دون التحقق مما كتبه”.
أما موضوع كتابة مارك بولو عن شكل جنان قام بإنشائها الحسن الصبّاح لخداع أتباعه وإيهامهم أنها الجنة بعد إعطائهم المخدرات والحشيش.. يقول الأستاذ عمر أنها معلومات غير صحيحة.. حيث عملت في قلعة ألموت بعثة أثرية بإدارة العالمة حميدة شباك.. وكشفت البعثة عن أوانٍ فخارية وسلاسل وأقنية لتجميع مياه الأمطار في ستة عشر خزاناً.. كون القلعة في قمة جبل جرداء ومياه الأمطار كانت شيئاً ثمين جداً.. وأهم اكتشاف كان قطع نقدية معدنية كتب عليها / قلعة ألموت / ووجود قطع نقطية كتب عليها قلعة ألموت هذا دليل واضح على استقلال سياسي تمتع فيه الحسن الصبّاح في المنطقة وأنه كان يقود دولة منظمة.
ولم تكون هناك أي نتائج أثرية تثبت الجنان والأنهار الاصطناعية التي تحدث عنا مارك بولو ووصفها بالجنة….!! ويضيف أن هذا الأمر ينطبق أيضا على هذه الحركة في سوريا:
“كان قائد الحركة سنان راشد الدين وكانت تقاتل الوجود الصليبي في المنطقة ونفذت اغتيالات بحق قادة صليبيين. كما أن المكتشفات الأثرية لم تثبت أي شيء عن الجنان التي تحدث عنها مارك بولو …القلاع التي كانت تحت سيطرة سنان راشد الدين قلاع كانت تعود للفترة اليونانية والرومانية وتم شراؤها لتكون مقر مقر لدعوته وقتاله للصلبين.. وكان سنان راشد الدين على خلافات سياسية مع بعض قادة الزنكيين والأيوبيين… وهذا ما جعل بعض الأساطير والقصص تلفق على أتباعه كونهم من نفس الانتماء الديني لمجموعة الحسن الصباح. إعادة استخدام ورواية أشياء غير موجودة …”
رواية أمين معلوف الأكثر دقة
كان الأجدى بالسيد نضال الاستعانه، برواية الأديب اللبناني أمين معلوف (سمرقند). والتي أورد فيها الأحداث، لكن بشكل أكثر دقة وموضوعية يقترب من الحقيقة بشكل كبير. وهي رواية مبنية على مصادر عدة استقى منها الكاتب معلوماته، فإن حسن الصباح سمَّى تنظيمه بالأساسيين، أي الذين لديهم الأساس القوي للدين. تحوُّل اللفظ إلى كلمة حشاشين جاء من خلال كتابات أعداء التنظيم، الذين وصفوهم بهذا، كسُبّة لهم وتنكيلاً وتقليلاً من شأنهم .
كان الصباح الذي ظهر في رواية معلوف شخصاً شديد الذكاء والدهاء والمكر، شيعياً متديناً يعتنق المذهب الإسماعيلي، وذا ولاء قوي للمذهب ويريد أن يفعل أي شيء لنصرته.
فنَّد أمين معلوف كذلك استخدام فدائيي الصباح للحشيش، وأنهم كانوا ينفذون عمليات الاغتيال تحت تأثيره، حين ذكر أن الطريقة الدقيقة التي كان يتم بها تنفيذ الاغتيالات، والتي قد يستغرق الفدائي فترة طويلة قبلها في مراقبة الضحية ودراستها بالكامل، كي يختار اللحظة المناسبة للقضاء عليها، وهي أمور لا يمكن أن تتم من شخص يكون تحت تأثير مخدر لا يدري ما يفعل، كان فدائيو الصباح مثله يتحلون بالصبر الشديد حتى ينفذوا المهمة على أكمل وجه.
أما بخصوص قصة الفردوس الذي صنعه الصباح في آلموت، فطبيعة القلعة الصخرية بالكامل تجعلها غير قابلة للزراعة، بخلاف أن الثلوج تغطيها معظم أيام السنة، وهو مناخ لا يمكن زراعة أي شيء فيه.
إن الكثير من أسباب التعصب والتخلف عند الكثير من الناس، هي عندما يقرأون روايات أحداثها مقتبسة من كتب تاريخية كتبها مستشرقون، ويتحولون من قراء الى أصحاب فكر ونظرية واثقين من أنفسهم، وهنا تكمن الكارثة والخطورة أكثر من عدم القراءة نفسها.
إن من يتكلم بما قرأ في رواية صدرت حديثاً مقتبسة قصتها عن مستشرق كتبها بعد أكثر من مئة عام من وقوع أحداثها، وواثقاً فى نفسه أشد الثقة أنه يثري عقول العامة الفقيرة، وإذ قرأ موقفاً تاريخياً مزوراً واستشهد به فى غير موضعه وأسقطه على الواقع بشكلٍ غير دقيق بل ومتهور ليبرر موقفاً لحركات راديكالية معاصرة ويربطها بجذور تاريخيه هي أبعد ما تكون عنها ، فالتنظيم أو غيره من الجماعات المتطرفة تكوّنت نتيجةَ جهود دول اقليميه ودولية لخلق قاعدة ثقافية وبشرية لا تفهم معنى الاسلام ولا طبيعة الجهاد… لذلك، على الصديق منشئ المحتوى الرقمي أن يعرف بأنه كان مخطئًا فى الفهم، ودافع من أجل فكرةٍ دون ان يتحقق منها بشىء من البحث والعلم
أخيرا: كان حافزي الأول على كتابة هذا المقال اتساق الرأي العام الشفوي وراء دعايات مغرضة لتشويه جزء هام من التراث الاسلامي .متناسيا الدوافع الحقيقية من وراءها وهي النيل من كل من يواجه تسلط الحكومات وقمع كل من يثور ضدها مطالبا بالعدالة و الحرية
أما الهدف الثاني فكان معرفياً؛ إذ حاولت تقديم رؤية للثقافة المجتمعية السائدة في بلادنا الكامنة في التفكير الشفوي الجمعي والرؤى التقليدية المعاصرة التي حولت هذا التاريخ الى أساطير وغيبيات بعيدة عن المنهج العلمي والرؤية الاجتماعية الحقيقية – ولا تزال تثير الحوار والسجال على صعيد العالم العربي بأسره . وتعرض جزء من تراث الاسلام للاتهام والوصم بمانشيتات جاهزه لتحرض الناس على التفرقة والاقصاء وهي تهم موروثة عن عصور الانحطاط أمام العجز عن تأكيدها بالعلم والمعرفة والتنوير واحترام الانسان ونبذ المقابل السلبي المتطرف التخديري المبررلقتل الحكام لشعوبهم
المؤرخون والدول والتعاطي مع الحركة الاسماعلية والصباح
للأسف الأغلبية تكتب وفق أحكام مسبقة .. واديولوجيات سياسية ودينية مسبق .. وخصوصاً الكتابات باللغة العربية .. وأخذت جميع الكتابات شكل التحريض المسبق ولم يتم إتباع نهج علمي دقيق بدراسة هذه الحراكات وفق زمانها ومكانها التي وقعت به ..
وكل ما يردد من تهم على الحسن الصباح ودعوته .. هي عبارة عن روايات شفهية تستند على دعايات سياسية قديمة وموروث شفهي وكتابات مستشرقين لم يتم التأكد منها وبعض الأعمال التلفزيونية الدرامية والتي تتم على أهواء من أنتجها واتجاهاته السياسية ودون التدقيق العلمي والتاريخي …وهنا أكد على ضرورة مراجعة التراث العربي الاسلامي قي ضوء الثورة المعرفية والمنهحية التي عرفها العالم وتوخي الدقة والبحث العلمي في تناول هذا التراث في الاعلام والدراما
في بداية انتفاضة الشعب السوري وخروجه مظاهرات ضد الظلم والتهميش الاجتماعي والاقتصادي لنظام بشار الأسد.. أطلق إعلام بشار الأسد على المتظاهرين والثوار. نفس الكلمات التي أطلقت على جماعة الحسن الصبّاح… وهي أن من انتفض وتظاهر يتم إعطائه المخدرات والحشيش وحبوب الهلوسة… وهذا خير دليل أن الأنظمة المستبدة والظالمة في المنطقة، تستخدم نفس القصص والأساطير لمحاربة كل من ينتفض ضد الظلم والاستبداد.
شكرًا لك لأنك قدمت الصورة الصحيحة عن طائفة الصباح وسكان آلموت، لكن للأسف بقيت الصورة التي خلقها ماركو بولو و نقلها عنه شيوخ الاسلام الغزالي وابن تيميه والقرضاوي هي الصورة النمطية عنهم