تشكيل حكومة انتقالية في سوريا: رؤية لإعادة بناء الدولة وتحقيق العدالة
نقطة تحول حاسمة بين نظام فرض نفسه بتوافقات دولية أميركية إسرائيلية وبين شعب يطمح إلى بناء دولة
نوار الماغوط – العربي القديم
بعد أكثر من عقد من الثورة ضد الطغيان التي أنتجت نزاعاً دموياً في سوريا، تعد مسألة تشكيل حكومة انتقالية واحدة من أكثر المسائل إلحاحاً ضمن الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة وإعادة بناء الدولة. ومع تعدد الأطراف وتباين المصالح المحلية والإقليمية والدولية، يصبح السؤال الأكثر إلحاحاً هو : كيف يمكن تشكيل حكومة انتقالية تعكس تطلعات الشعب السوري وتحقق الانتقال الديمقراطي الذي ثار من أجله ؟
أهمية الحكومة الانتقالية
تمثل الحكومة الانتقالية نقطة تحول حاسمة بين نظام فرض نفسه بتوافقات دولية أميركية إسرائيلية بريطانية وفرنسية لأكثر من خمسين عام وبين شعب يطمح إلى بناء دولة تُبنى على أسس الديمقراطية والمواطنة.
تُعد هذه الحكومة ضرورية لتأمين الاستقرار، إعادة بناء مؤسسات الدولة، والتحضير لانتخابات حرة ونزيهة تُنهي عهد الديكتاتورية وتضع سوريا على مسار جديد.
معايير تشكيل الحكومة الانتقالية
لضمان نجاح الحكومة الانتقالية، يجب أن تُبنى على إلى مجموعة من المعايير و المبادئ التالية:
- التوافق الوطني:
ينبغي أن تعكس الحكومة الانتقالية تنوع المجتمع السوري عبر تمثيل جميع مكوناته، بما في ذلك العرب، الأكراد، المسيحيين، والعلويين، الإسماعيليين، وبقية الأقليات بالاضافة طبعًا الى المكون السني الرئيسي ،
- التمثيل للفئات المساهمة في صناعة المشهد الأخير:
في أي حكومة أو ثورة، من الضروري أن تُمنح الفئات التي أسهمت بشكل حاسم في إسقاط النظام حصة،، تقديراً لدورها المحوري. هذا التمثيل لا يعني إقصاء الآخرين أو إلغاء التنوع، بل يهدف إلى تحقيق العدالة وإبراز كل الأطراف التي شاركت في التغيير أوالتي رغبت به .
في الحالة السورية، لا يمكن تجاهل دور الإسلاميين في تشكيل المشهد الأخير. مع ذلك، ينبغي أن يكون هذا التمثيل متماشياً مع رؤية الشارع السوري. المطلوب هو إسلاميون وسطيون ومعتدلون يعبرون عن جوهر الإسلام المجتمعي المتسامح ويدركون أهمية التعددية السياسية والاجتماعية، وليس أولئك الذين يمثلون الجماعات المتطرفة والإسلام السياسي . التمثيل لهذه الفئة يُظهر أن الثورة ليست مشروعاً لفئة واحدة، بل هي مشروع وطني شامل يمثّل الجميع ويضمن ألا يتم تهميش أي طرف ساهم في التغيير ،ما دامت رؤيته تصب في خدمة الوطن وتطلعات الشعب .
- الشفافية والمساءلة:
من الضروري أن تعمل الحكومة الانتقالية على تعزيز الثقة من خلال اتخاذ قرارات شفافة تخضع للمساءلة أمام الشعب. يمكن تحقيق ذلك عبر تشكيل هيئة وطنية مستقلة للإشراف على أعمالها.
- استبعاد رموز النظام السابق:
لضمان نزاهة المرحلة الانتقالية، يجب إبعاد الشخصيات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان أو الفساد. الاعتماد على الكفاءات الوطنية التي تحظى بمصداقية واحترام شعبي.
- الدعم الدولي والإقليمي:
لا يمكن للحكومة الانتقالية أن تنجح دون تأمين دعم واضح من المجتمع الدولي والدول الإقليمية. وتحييد التدخلات الخارجية السلبية
الخطوات العملية لتشكيل الحكومة الانتقالية
يتطلب تشكيل حكومة انتقالية في سوريا سلسلة من الخطوات العملية المدروسة، تشمل:
1- التوافق السياسي بين الأطراف:
تبدأ العملية بتفاوض سياسي جاد بين الأطراف المعارضة الرئيسية والقوى المدنية والمجتمعيّة، تضمن حياد العملية وضمان مشاركة واسعة.
2- إعلان دستوري مؤقت:
تُصدر الحكومة الانتقالية إعلاناً دستورياً مؤقتاً يحدد المبادئ الأساسية للدولة خلال المرحلة الانتقالية، بما في ذلك احترام الحريات العامة فصل السلطات وحقوق الإنسان.
3- تشكيل مجلس قيادة وطني:
يتولى هذا المجلس الإشراف على عمل الحكومة وإدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية. يجب أن يضم المجلس شخصيات تمثل كافة القوى الوطنية والمجتمعية
4- إعادة هيكلة الجيش والأمن:
لضمان نجاح المرحلة الانتقالية، يجب تفكيك الأجهزة الأمنية التابعة للنظام وإعادة هيكلة الجيش على أسس مهنية وطنية بعيداً عن الولاءات الطائفية أو الحزبية.
- حوار وطني شامل:
تنظم الحكومة الانتقالية حواراً وطنياً يشمل جميع الأطراف والمكونات، بهدف وضع رؤية مشتركة لمستقبل البلاد وإعداد مسودة دستور دائم.
- التحضير لانتخابات حرة ونزيهة:
تُشرف الحكومة الانتقالية على تنظيم انتخابات حرة بإشراف دولي، تتيح للشعب السوري اختيار قيادته وممثليه بشكل ديمقراطي.
رؤية نحو مستقبل ديمقراطي
إن تشكيل حكومة انتقالية في سوريا ليس مجرد إجراء سياسي، بل هو بداية عملية إعادة بناء دولة قائمة على الديمقراطية والعدالة والمواطنة. نجاح هذه الحكومة يعتمد على إرادة السوريين في تجاوز خلافاتهم والعمل المشترك من أجل مستقبل أفضل، إلى جانب التزام المجتمع الدولي بتقديم الدعم اللازم.
سوريا اليوم بحاجة ماسة إلى قيادة وطنية قادرة على توحيد الصفوف وإعادة الأمل لشعبها، ليصبح الحلم بسوريا جديدة واقعاً يعكس تطلعات الأجيال التي دفعت ثمناً باهظاً لتحقيق الحرية والكرامة.
I have read several just right stuff here. Definitely value bookmarking for revisiting. I surprise how much attempt you set to make this type of excellent informative site.