قصد السبيل | سيف الحرف في مواجهة الزيف: قراءة في تجربة ناشر
د. علاء الدين آل رشي
لا تكمن هندسة النشر عند الناشر السوري عبد القادر البكار صاحب دار السلام للطباعة والنشر، لا تكمن في وعيه بأسس مشروعية النشر وحسب، وأعني بذلك المفهوم الأساسي في عالمه المقروء؛ فالمشروعية تحدد مسار الحقوق والواجبات المتعلقة بنشر الثقافة والتعليم. وتعد المشروعية من القيم والمبادئ التي يجب على الناشر الالتزام بها، من أجل ضمان النشر الدقيق حسب صحيح عمل أ. عبد القادر الموضوعي في عالم الكتاب.
إن أساس المشروعية في النشر يكمن في:
☆ حق الشعوب في الحصول على المعرفة الصحيحة والموثوقة.
☆ حق المفكرين والكتاب في التعريف بالإسلام والفكر بحرية وبأخلاقية عالية. ولكن مع حفظ حقوق القراء في النقد والتقييم
مبادئ وجوانب مهمة
ومن هنا يمكن ملاحظة أن المشروعية في النشر تتضمن عند أ. عبد القادر البكار العديد من الجوانب والمبادئ المهمة، مثل:
1. الصدق والدقة: يجب على الناشر حسب الممارسة العملية عند أ. عبد القادر نشر الفكر الدقيق والفهم العميق ، والامتناع عن نشر ما يضلل ولا يرشد
2. العدالة والموضوعية: يجب على الناشر حفظ مسافة بينه وبين ما ينشره بشكل موضوعي دون تحيز أو تشويه.
3. الاحترام والأخلاقيات: يجب على الناشر احترام حياة الأفراد الخاصة والعامة وخصوصيتهم، والامتناع عن نشر المعلومات التي قد تؤدي إلى الضرر أو التشهير أو الجرائم العقلية والأخلاقية .
4. الشفافية: يجب على المؤلف حسب رؤية أ. عبد القادر التمتع بالثقافة والشفافية في مصادر المعلومات وطريقة تحرير الكتاب، والامتناع عن تأويل الحقائق أو استخدام الفكر لتحقيق مصالح شخصية أو جماعية.
5. الالتزام بالقوانين والأنظمة: يجب على الناشر الالتزام بالتشريعات والقوانين المحلية والدولية التي تنظم نشر المعلومات.
إن المشروعية في النشر عند أ. عبد القادر أساس العمل المأجور، وهي تعبر عن الالتزام بالقيم الأخلاقية والمهنية في تقديم الثقافة والحرف.
ومن المهم على الناشر حسب تجربة أ. عبد القادر الالتزام بهذه المبادئ وتطبيقها في النشر، فالناشر مؤتمن، وليس الكذب أن تقول شيئاً غير صحيح فقط بل أن تمتنع عن قول الحقيفة كاملة بحيث تظهر بعضها وتخفي بعضها، ليس الكذب أن تخبر الناس بماهو ليس بصحيح فقط بل أن تشغلهم بالهوامش وتصغر الكبائر وتكبر الصغائر وتشغل العقول بما فيه خفة ومضيعة ومتاهة
تشجيع الكتابة الناقدة والتحليلية
إن تجربته الثرية تتسم بالكد والاجتهاد في تقديم المعرفة والثقافة بشكل صحيح وموضوعي ومتكامل.
ففي سيرته كناشر لعدة عقود ، والتي بدأها في مدينته حلب في سبعينيات القرن العشرين، قبل أن ينتقل إلى مصر في الثمانينات، نجد أنه يسعى دائماً:
☆ نشر المعرفة والفكر النقدي بطريقة جادة ومسؤولة.
☆ الحرص الدائم على التحقق من التكامل المعرفي في الإصدارات التي ينشرها.
☆السعي لعرض الأفكار والآراء بشكل متوازن ويخدم قسمات هوية الأمة.
بالإضافة إلى ذلك، يقوم أ. عبد القادر البكار بتشجيع الكتابة الناقدة والتحليلية، وهو يروج لثقافة التحقيق العلمي والأدبي كوسيلة لتطوير المجتمع وإثراء الحوار الثقافي.
يؤمن أ. عبد القادر بأهمية دور الكتاب والمفكرين في تقديم الرؤى المختلفة ورصد الظواهر الثقافية بشكل دقيق وشامل. ومن خلال منشوراته المتنوعة وانخراطه الفعال في الحياة الثقافية والأدبية، يمكننا أن نرى وندرك أن هناك جدية بالغة في التعامل مع النشر وخدمة الثقافة، لا تقتصر فقط على تقديم المعلومات والفنون، بل تمتد أيضاً لنشر روح النقد والتحليل والبحث عن الحقيقة والواقع.
تجربته في نشر الكتب التراثية
إن جدية النشر وخدمة الثقافة في تجربة أ. عبد القادر البكار هي مثال يحتذى به في عالم الكتاب والنشر والأدب. وهي تذكرنا دائماً بدور ومسؤولية الكتّاب والناشرين في تقديم المعلومات بشكل صحيح وموضوعي، وفي تشجيع الحوار الثقافي والفكري بين الأفراد والمجتمعات المختلفة.
إن اختيار الكتب التراثية وطبعها أمر بالغ الأهمية للحفاظ على التراث الثقافي والتأكد من توثيقها للأجيال القادمة وأيضا في رفع الذائقة الثقافية . وقد قام الأستاذ عبد القادر البكار بتجربة نموذجية في هذا المجال، حيث وضع منهجية متكاملة لاختيار الكتب التراثية وطبعها بشكل يضمن انتشارها واستمرارية تأثيرها في المجتمع الإيجابي… ولهذا غدت تجربة أ. عبد القادر البكار – برأيي – نموذجا فريدا من نوعه، حيث قام بتحليل مدى تأثير الكتب التراثية واختيار الأكثر تأثيرا، بالإضافة إلى تجميع مصادرها وطبعها بشكل يؤدي إلى المحافظة على الذاكرة المعرفية والنشر الواسع. وهذا يعد خطوة هامة في تأكيد أهمية توثيق التراث والحفاظ عليه.
إن منهجية اختيار كتب التراث وطبعها في تجربة أ. عبد القادر البكار تستند إلى:
☆الدراسات والأبحاث العلمية المتعلقة بالتراث الثقافي وتأثيره على المجتمع.
☆ اختياره للكتب يعتمد على معايير محددة تضمن جودة المحتوى وتأثيرها المستمر.
ومن الجدير بالذكر أنه قد قام بتطبيق النتائج العلمية في مجال التراث الثقافي من خلال طبع الموسوعات التراثية التي تهدف إلى تعزيز التوعية بتجليات العقل المسلم، ولهذا حصدت الدار التي أنشأها العديد من الجوائز الهامة وهي:
جائزة أفضل ناشر لعام 1999 في مجال نشر التراث (اتحاد الناشرين المصريين)
جائزة أفضل ناشر لعام 2000 في مجال النشر التراث (اتحاد الناشرين المصريين)
جائزة أفضل ناشر لعام 2001 في مجال النشر للتراث (اتحاد الناشرين المصريين)
جائزة الإبداع لعام 2004 – الجائزة البرونزية – (اتحاد الناشرين المصريين)
أفضل كتاب في مجال التراث 2014 – المحرر في فقه الإمام الشافعي (طبعة محققة على خمس مخطوطات) (الهيئة العامة للكتاب)
وبالتالي، يمكن القول أن تجربة أ. عبد القادر البكار تعتبر نموذجا يحتذى به في مجال توثيق وطبع الكتب التراثية، حيث يتماشى هذا المنهج العلمي مع الحاجة الملحة للحفاظ على التراث الثقافي ونقله للأجيال القادمة.