أرشيف المجلة الشهرية

العربي القديم في عددها الممتاز عن أدب المذكرات: زوايا منسية وغربال نقدي يكشف الزيف والمحاباة

بقلم: خالد عواد الأحمد

حفل العدد الماضي من مجلة “العربي القديم” بباقة من المقالات، والدراسات التي تضيء على ما يُعرَف بأدب المذكرات والسيرة الذاتية، الذي بات فناً قائماً بحد ذاته، وهي المرة الأولى التي تفسح فيها وسيلة إعلام سورية حيزاً واسعاً لهذا الفن، وتسلط الضوء من خلاله على زوايا منسية ومخبوءة من مذكرات زعماء سياسة، وضباط وقادة وفنانين من مختلف التيارات والاتجاهات، وجميعهم من السوريين الذين يجهل بعضنا ما كتبوه، ونشروه لظروف شتى.

وساهم هذا الملف في الإضاءة على عدد من السيَر، والمذكرات واليوميات والتراجم، وكتب الذاكرة التي صدرت خلال السنوات القليلة الماضية، سواء أكانت سيَراً ذاتية، أو سيَراً غيرية، وغيرها من كتب الذاكرة، سواء من خلال تقديم مقالات منشورة عنها في الصحافة العربية قديماً، أو من خلال سيل المقالات والمراجعات القيمة التي كُتبت خصيصاً لهذا العدد على يد كتّاب، وباحثين سوريين، قرؤوا أشهر المذكرات في الحياة السياسية والثقافية السورية، بلغة نقدية جريئة، ومتحررة من المجاملات، ولا تتورع عن الإشارة للعيوب والمحاباة، كما رأينا في نقد خضر الآغا لمديح الأديبة غادة السمان المفرط لمذكرات مصطفى طلاس، ونقد عمرو الملاح ما  تعرضت له مذكرات خالد العظم من تحريف، وتوقف سعد فنصة عند مذكرات أكرم الحوراني وما انطوت عليه  من تبرير لكل  أخطاء صاحبها، وهذه واحدة من مزايا هذه المجلة التي تعرف تماماً، كيف تعيد قراءة وإضاءة تاريخنا السوري.

ولا مندوحة من القول، إن هناك جوانب أخرى غير مطروقة في ما يخص السيرة الذاتية، وألوانها المختلفة، نأمل من “العربي القديم” تخصيص ملفات قادمة لها لدراستها وتمحيصها، من دون أن ننسى ما أفردته لنا من فصول مذكرات، تُقدَّم للمرة الأولى للقارئ، كان أبرزها وأكثرها إمتاعاً مذكرات المخرج مأمون البني، مع التنويه بقيمة مذكرات الأديبين عيسى الماغوط، وحسيبة عبد الرحمن أيضاً.  

يُذكر أن المذكرات كنوع أدبي بلغت أوج مجدها، مع زيادة هائلة في عدد القراء خلال العشرين عاماً الماضية أو نحو ذلك، ولكن لقرون عديدة قبل الآن كان مجالاً خاصاً  بالسياسيين والأدباء ونجوم السينما.

ولعل أشهر السير الذاتية في الأدب العربي المعاصر كتاب «الأيام» بأجزائه الثلاثة لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين (1889 – 1973)، وهو كما يقول بيير كاكيا، أول كتاب في الأدب العربي الحديث يكتسب اعترافاً دولياً، ويُترجم إلى لغات عدة.

وتختلف المذكرات عن السيرة الذاتية، ففي حين أن السيرة الذاتية هي سرد زمني لأحداث حياتك، وعادة ما تغطي الجزء الأكبر من حياتك، فإن المذكرات تركز على جانب أكثر تحديداً من حياتك، وتتحدث عن شيء أكثر عالمية، تلعب فيه دوراً، وفي حين أن مجموع تجاربك مهم، إلا أنك في المذكرات لا تحتاج إلى إخبار الناس بكل شيء عن حياتك. إن تفاصيل تجربتك وتركيز وجهة نظرك، هي التي ستجعل مذكراتك قراءة جيدة، وتمكنك من التميز في سوق المذكرات المزدحم.

وللدكتور محمد الباردي في كتابه “عندما تتكلم الذات- السيرة الذاتية في الأدب العربي الصادر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام 2005 كلام جميل ومعبر عن المذكرات، يقول فيها: “المسألة في اعتقادنا تتجاوز مجرد استعارة بعض مقومات أدب المذكرات؛ لذلك إن بعض السير تتخذ شكل المذكرة، ومدار الأمر في ذلك قائم على أمرين: الموضوع، ودافع الكتابة، فإذا ابتعد الموضوع عن الذات، وتعلق بالأحداث العامة، دخلنا باب المذكرات، وإذا كان الدافع رواية الأفعال والمشاهدات، دخلنا كذلك في باب المذكرات، وعلى عكس السيرة الذاتية، التي هي انطباعية في الأساس، فإن اهتمام القراء العرب  بفن المذكرات، فلم يهتموا قط بهذا النوع من الكتابة بنفس الطريقة التي يفعلها القراء الغربيون”.

ولئن فاتني المساهمة في هذا العدد القيم، فإنه يسعدني أن أقدم هذا الاستدراك عليه، من خلال هذه القراءة في مذكرات يوسف فيصل (1)، التي لم يتطرق إليها عدد (العربي القديم) الخاص، على أمل ألا أغيب عن تقديم مساهماتي في الأعداد القادمة، من أجل هذا التاريخ السوري الذي نحرص على تسليط الضوء عليه، وتصويب ما يُنشر عنه من ضلالات أحياناً.

  • يعيد موقع العربي القديم نشر مقالة الأستاذ خالد عواد الأحمد حول مذكرات يوسف فيصل يوم غد

_________________________________________

من مقالات العدد الرابع عشر من (العربي القديم) الخاص بالأسر السياسية في التاريخ السوري – آب / أغسطس 2024

زر الذهاب إلى الأعلى