العربي الآن

كيف نتجنّب السُعار الطائفي في سوريا اليوم؟

يجب حماية الطوائف من أن تُعامل كجماعات مجرمة لأنّ هذا لن يغلق باب الفتنة التي ستؤدي بالنهاية إلى حرب أهلية تأكل نارها الجميع

بقلم: لارا المحمد

مع هذا التحوّل السياسي الكبير واللحظة الانتقالية الكبرى التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام الأسد المخلوع عاد شبح الطائفية ليطلّ برأسه من بين ركام الخوف والذاكرة المثقلة بالدم والحصار والقصف كما لو أنّه الفخّ الجاهز والحاضر لنسف أي بارقة أمل بالتغيير والسير بالجميع نحو سوريا موحدة وحرة ومعافاة كما حلمنا بها خلال العقود الماضية. اليوم وبعد سقوط الأسد بدأت المخاوف تزداد والقلق يتعالى من أن تتحول فرصة الخلاص الوحيدة التي امتلكها الشعب السوري إلى مأساة جديدة قد تقود البلاد إلى دوامة حرب أهلية تُؤججها الكراهية المذهبية والعصبيات الدينية (الطائفية). والسؤال الذي يأكل رؤوسنا جميعاً اليوم: هل يمكن كسر هذه الدائرة الجهنمية؟

 الجواب: نعم، ولكن إن امتلكنا شجاعة مواجهة أنفسنا وأفكارنا وقناعاتنا التي نحملها أو نخبئها في قاع كلّ منّا، وتحقق المعادلات التالية:

  1.  العدالة الانتقالية لا الانتقامية

إنصاف الضحايا لا يعني أبداً شيطنة مكوّن بأكمله. كلّ ما نحتاجه هو عملية عدالة انتقالية تنظر في الجرائم باعتبارها جرائم فردية أو سلطوية، لا جرائم طوائف أو أديان. يجب حماية الطوائف من أن تُعامل كجماعات مجرمة لأنّ هذا لن يغلق باب الفتنة التي ستؤدي بالنهاية إلى حرب أهلية تأكل نارها الجميع. العدالة لا تعني الثأر، و المحاسبة لا تعني الإقصاء

  •   إعلام مقاوم للكراهية

نحنُ بأمسّ الحاجة اليوم إلى إعلام رسمي مسؤول مقاوم للكراهية، حيادي، خاضع لمدوّنة قواعد سلوك تمنعهُ من إذكاء وتعزيز النزاعات الطائفية. نحن بحاجة كبيرة اليوم إلى تطوير محتوى إعلامي يكرّس قيم التنوّع والتعددية والانتماء الوطني الجامع.

  •   تفكيك السرديات السامة

علينا أن نراجع بشجاعة كبيرة قد لا تخلو من الألم والوجع كل الخطابات التي غذّت الطائفية في الخطاب العام: من كتب المدارس، إلى الإعلام، إلى النكات المتداولة في البيوت. لا يمكن لسوريا أن تنهض إن بقيت هذه السرديات تُدرّس وتُورّث. نحتاج بشكل حقيقي واقعي إلى سردية وطنية جديدة لا تنفي الفروقات أو تلغيها بل تحتفي بها. سردية سورية جديدة تُعلي من شأن المواطنة لا الهويات الضيقة.

  •  إصلاح الخطاب الديني

رجال الدين يجب أن يكونوا شركاء في المصالحة لا شركاء في التحريض. نحن بحاجة إلى فقه جديد للعيش المشترك يراعي واقعنا، ويقدّم الدين كجسر لا كخندق.

  •   دور المجتمع المدني

المنظمات المجتمعية والنخب الثقافية مدعوة للقيام بدور وقائي من خلال حملات التوعية، المصالحة المجتمعية، ومشاريع الذاكرة المشتركة. لا يمكن الانتقال من الحرب إلى الدولة دون وسطاء اجتماعيين حقيقيين.

لن تحمينا أعداد الضحايا من تكرار الفاجعة، ما لم نُغيّر البنية التي سمحت للفاجعة بالحدوث.  سوريا الجديدة لن تُبنى بالانتقامات والانقسامات والولاءات الجديدة بل من خلال شجاعة المواجهة، وحكمة بناء العيش المشترك على أساس المساواة والاحترام والعدالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى