العربي الآن

دمشق وأهلها وتجارها (1 من 2): مصابها الأكبر بين العشوائيات والعسكر!

ذم تجار الشام صورة نمطية كغيرها من الصور النمطية التي يتبادلها السوريون عن بعضهم وللأسف تتنامى لأسباب خبيثة

مصعب الجندي – العربي القديم

يقول كثير من المغتربين السوريين عند زياراتهم لدمشق بعد التحرير أنها غريبة عنهم، (الناس غير الناس، والشوارع غير الشوارع)، وإذا أضفت إليها طرفة حصلت معي بعد تحريرها من الطغاة بأيام قليلة حين خرجت من منزلي الكائن بحي العفيف سيراً: استوقفي رجل خمسيني يحمل بطارية سيارته المعطلة وسألني أين يجد من يستبدلها، وشعرت بالتعاطف معه لتوقعي أنه من حماة أو ريفها القريب وخصوصاً أن والدتي وزوجتي حمويتان. طلبت منه أن يذهب معي إلى الفحامة حيث بائعي البطاريات وركبنا سيرفيس (مهاجرين/صناعة)، وحين وصولنا إلى جسر الحرية (الرئيس الخسيس سابقاً) وكانت حركة المرور شبه متوقفة لاكتظاظ السيارات. التفت ذاك الغريب إلى طرف الجسر وإذ برجل وزوجته يتبادلان صور (السيلفي) عليه ويبدو أنه يعرفه معرفة جيدة فناداه (أبو _فلان_ شو عم تعمل هون) التفت إليه الزوج وتقدم من نافذة (السيرفيس) مرحباً بصديقه: “أهلاً أهلاً والله زيارة” ردّ عليه مرافقي بطرافة: “لك الله يساعدهم الشوام ما صدقوا خلصوا من العلوية إجيتوهم انتو الأدالبة”!

ضحك كل من في (الميكرو) وأنا منهم السلموني الغريب بالهوية عن دمشق حتى أن السائق أعاد لي أجرة الركوب بإصرار. تعابير تتكرر تخفي الكثير في بواطنها من حزن، وبالوقت نفسه عدم المعرفة بطبيعة التطور السكاني والمتغيرات السياسية الذين ترافقا مع تنمية اقتصادية عرجاء عوجاء بعمدٍ متعّمد أصابها كما أصاب الريف والمدن السورية جميعها التي تكاد تكون صوراً منسوخةً عن بعضها البعض (تنمية لها حديث آخر مع السياسة).

كم أشعر بعجز حين الكتابة عن (دمشق/الشام) ولنتذكر قليلاً حتى أمسنا القريب، جميع المدن السوريّة ومن ينتسب إليها كان اسمهم (الشوام) خصوصاً عند الأحبة الغالين على القلب (المصريين)، والبعض يطلق على هذي البلاد (سورية الكبرى) أو البلاد الشامية كما يحلو لي أن أسميها ولو على بعض خطأ في الجغرافيا والتاريخ والسياسة، ولست في مجال البحث في المصادر والمراجع لأعرف أيهما منحت الاسم للأخرى (دمشق/الشام)، كل ما أطرب لسماعه ويدغدغ عواطفي كلمتي (شام شريف)، على الرغم أن الشريف كانت تعني منذ السلاجقة حتى العثمانيين العاصمة الإدارية لإقليم ما والشام هي البلاد التي عاصمتها دمشق مدينة الغريب وآخر الحواضر على طريق الديار المقدسة قبل بناء الخط الحديدي الحجازي، وبالنسبة للكثيرين هي الشريف من الشرف وأنا أولهم عندما أتذكر ذاك الشاب (خالد) عندما أبلغني أن جهاز أمن الدولة يسأل عن بعض العناوين ومنهم داري لينفذوا تفتيش في أوائل العام 2012 حينها كنت حريصاً أن لا أُبقي في البيت أي أمر يسبب خطراً على أسرتي، ولسوء حظي كان (اللابتوب) معي وفيه (بلاوي البلاوي) تؤدي لشنقي من خنصر قدمي عدا عما قد يصيب أسرتي، لم أجد أمامي سواه، أعطيته إياه من الباب الجانبي لحديقة المنزل وطلبت منه مغادرة الحي، لم يسألني عن شيء سوى (أمرك عمي أبو سامي، أنا الغريب عن دمشق).

مصاب دمشق هو مصاب جميع المدن الشامية بالبناء العشوائي، حجارة تراكمت بفوضى مؤذية للعين والروح بغير مراعاة لما يجب أن تكون عليها رفاهية السكن المديني، عدا عمّا أحاق البيئة من تلوث كمثال مدينة طرطوس التي تمتلك مؤهلات أن تكون من أجمل مدن حوض البحر المتوسط (جزيرة وسهل وبحر وجبل وآثار) إلى أن مزقها توسع سرطاني. أما دمشق فقد كانت مصيبتها أكبر من سواها بعد عام 1967 حين أصبحت خط الدفاع الأول بعد نطاق الحيطة (كما يُسمى عسكرياً) والجبهة (السورية/الإسرائيلية) مما راكم القطعات العسكرية في محيطها فحاصرتها بالعسكر وأسلحتهم وأخلاقهم، وأُضيف إليها الضرورات الأمنية لحماية نظام لا يفهم من الحياة إلا القمع، ورغم مصابها، كان الدمشقيون الأكثر حفاظاً على هوية مدينتهم وطبيعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، كما يقول سامي الجندي: “وراء المظاهر التي يشاهد العابر العادي في دمشق فتخدعه عن حقيقتها…… تمسك بالتقاليد عنيد غير متعصب….. ليس سهلاً أن تنتزع منها تقاليدها أو تنتزعها من ماضيها القديم لتقنعها بنظرة جديدة للحياة رغم أنها عطشى لكل جديد، تتقبله إذا كان صادقاً” (كتاب: البعث_ دار النهار للنشر_ بيروت 1969)

قد يأتيني قائل لقول مكرر يذم تجار الشام ويطعن في وطنيتهم وذمتهم وغيره… وغيره…. وهي أحاديث تبناها بعض الماركسيين والاشتراكيين وغيرهم، هي باختصار صورة نمطية كغيرها من الصور النمطية التي يتبادلها السوريون عن بعضهم وللأسف تتنامى لأسباب خبيثة من صانعيها ومروجيها ومجرد التفكير فيها قليلاً نكتشف زيفها أو على الأقل محدوديتها.

عذراً إن استخدمت تسمية طائفة أو مدينة لأني لست معنياً فيها….. فدمشق لنا نحن الشوام الأحرار إلى أبد الآبدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى