العربي الآن

من وجع الذاكرة إلى أمل العدالة: العدالة الانتقالية كمخرج لسوريا الجديدة

الاعتراف بالمعاناة – من خلال تقارير رسمية أو شهادات عامة – يخفف من الإحساس بالعزلة والخذلان، ويخلق نوعاً من المصالحة مع الذات

كمال صوان – العربي القديم

مع زوال غمامة النظام عن وطننا سوريا، وبدء تشكل ملامح إدارة مدنية جديدة فيها، تبرز أمام السوريين أسئلة مصيرية تتجاوز تفاصيل الحكم والإدارة اليومية. سؤال العدالة، تحديدًا، يعود إلى الواجهة بقوة، لا بوصفه مطلباً قانونياً فحسب، بل كشرط أساسي للتعافي المجتمعي والنفسي بعد سنوات طويلة من الانتهاكات والدمار.

في هذه اللحظة الانتقالية، تتبدى أهمية العدالة الانتقالية كمسار متكامل لمعالجة إرث الانتهاكات الجسيمة، وتحقيق التوازن بين كشف الحقيقة والمحاسبة، من جهة، وبناء مستقبل مشترك، من جهة أخرى. العدالة هنا لا تُختزل في المحاكم فقط، بل تشمل الاعتراف بالضحايا، جبر الضرر، ضمان عدم التكرار، وإعادة الاعتبار للكرامة الإنسانية.

سوريا اليوم ليست فقط أمام تحدي إعادة الإعمار المادي، بل أمام معركة استعادة المعنى، والثقة، والانتماء. العدالة الانتقالية يمكن أن تكون الجسر نحو ذلك، إذا ما تم النظر إليها كعملية طويلة المدى تبدأ من القاعدة الشعبية، وتُبنى على إرادة حقيقية في مواجهة الماضي، لا دفنه.

وفي ظل بروز مبادرات محلية في المناطق المحررة، ونقاشات دولية بشأن مستقبل الحل السياسي، تصبح هذه المرحلة فرصة ذهبية — وإن كانت محفوفة بالتحديات — لصياغة رؤية سورية للعدالة، تستجيب للخصوصية السورية، دون أن تتجاهل دروس التجارب العالمية. العدالة الانتقالية ليست فقط أداة للمحاسبة، بل وسيلة لمعالجة الذاكرة الجماعية والبدء بمصالحة حقيقية.

ما هي العدالة الانتقالية؟

العدالة الانتقالية تشير إلى مجموعة من السياسات والآليات التي تُستخدم بعد فترات النزاع أو الحكم القمعي، بهدف:

  1. محاسبة الجناة.
  2. كشف الحقيقة بشأن ما جرى.
  3. جبر الضرر المادي والمعنوي للضحايا.
  4. إصلاح المؤسسات التي شاركت أو سهّلت الانتهاكات.

هي ليست عدالة انتقامية، بل وسيلة لتحقيق توازن بين المساءلة والمصالحة، تضمن أن لا تتكرر المأساة من جديد.

سوريا بعد التحرير: واقع معقد وفرص كامنة

في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، يظهر واقع مزدوج: من جهة هناك ضعف مؤسساتي وانعدام الثقة بالقضاء، ومن جهة أخرى هناك مجتمع مدني ناشئ وأصوات تطالب بالعدالة. هذه المساحات، رغم هشاشتها، يمكن أن تكون نقطة انطلاق لمشاريع محلية للعدالة الانتقالية تبدأ من الناس ولأجلهم.

الأثر النفسي للعدالة على أسر الضحايا والمغيبين

واحدة من أعمق آثار العدالة الانتقالية تتجلى في الجانب النفسي والاجتماعي، خاصة على أسر المفقودين والمغيبين قسريًا.
هذه العائلات لا تعيش فقط حزن الفقد، بل تعاني أيضاً من حالة تعذيب نفسي مستمر نتيجة الغموض، والحرمان من معرفة مصير أحبائهم، أو حتى الحصول على اعتراف رسمي بوفاتهم أو مكان دفنهم.

حين تبدأ الحقيقة بالظهور، حتى لو لم يتحقق القصاص بعد، يشعر الكثير من الأهالي بأن كرامتهم قد استعادت بعضاً من معناها، وأن تضحياتهم لم تُمحَ. كما أن الاعتراف بالمعاناة – من خلال تقارير رسمية أو شهادات عامة – يخفف من الإحساس بالعزلة والخذلان، ويخلق نوعاً من المصالحة مع الذات، وهي الخطوة الأولى نحو التعافي الجماعي.

نحو مستقبل أكثر عدلاً

تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا يحتاج إلى نهج متعدد المستويات:

  • محلياً: عبر مبادرات المجتمع المدني، والمجالس القضائية المستقلة.
  • وطنياً: من خلال توافق سياسي يشمل كل السوريين.
  • دولياً: بدعم من آليات التحقيق الدولية وتوثيق الجرائم.

في المستقبل، يجب أن تركز العملية على إعادة بناء المؤسسات بما يضمن عدم تكرار ما حدث، وعلى بناء ثقافة حقوقية تحترم الإنسان كقيمة عليا.

بالطبع! إليك الفقرة ملخصة على شكل نقاط بسيطة وواضحة:

دور المجتمع المحلي في مسار العدالة الانتقالية :

قدم ناشطون حقوقيون محليون وعالميون مجموعة مقترحات لإشراك المجتمع المحلي في مسار العدالة الانتقالية

ومنها :

  • المشاركة الفعّالة: المجتمع المحلي لا يتلقى العدالة فقط بل يشارك في صناعتها وتوجيه مسارها.
  • التجربة والتوثيق: لدى الأهالي والناشطين المحليين خبرة في توثيق الجرائم والمساهمة في الكشف عن مصير المعتقلين.
  • المبادرات المحلية: بدأت تظهر بعض المبادرات مثل جبر الضرر الرمزي وجلسات المصالحة، رغم محدوديتها.
  • القرب من الضحايا: المجتمع المحلي هو الأقرب إلى الضحايا والأقدر على تحديد احتياجاتهم لتحقيق الإنصاف.
  • الاستدامة والضمان: العدالة التي تنبع من المجتمع المحلي تضمن استدامتها وتحقق توافقاً أوسع في المستقبل.

دروس من العالم:

  • جنوب إفريقيا: استخدمت شهادات الضحايا في “لجنة الحقيقة والمصالحة” لبناء رواية وطنية جامعة.
  • كولومبيا: دمجت روايات الضحايا في العملية السياسية مما ساعد في التئام الجراح الوطنية.
  • رواندا: رغم قسوة التجربة، لعبت المحاكم المجتمعية دوراً مهماً في التهوين النفسي وتخفيف الأعباء العاطفية من خلال مواجهة الجناة علنًا.

خاتمة:

العدالة الانتقالية في سوريا ليست حلماً بعيد المنال، بل ضرورة من ضرورات التعافي وبناء السلام.
أسر الشهداء والمغيبين لا تبحث فقط عن الانتقام، بل عن الاعتراف، والكرامة، وضمان ألا يعيش آخرون ما عاشوه.
لهذا، فإن أي حل سياسي لا يأخذ العدالة بجدية، هو مجرد تأجيل لنزاع قادم.

مراجع :

1.المركز الدولي للعدالة الانتقالية (ICTJ)
https://www.ictj.org
➤ تقارير تحليلية وتوثيقية لعدالة ما بعد النزاع في سوريا وغيرها من الدول.

2.الأمم المتحدة – العدالة الانتقالية (Rule of Law)
https://www.un.org/ruleoflaw/thematic-areas/transitional-justice/
➤ صفحة شاملة لتعريف وتطبيق العدالة الانتقالية في الأطر الأممية.

3.مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان (OHCHR): العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان
https://www.ohchr.org/en/transitional-justice
➤ مقدمة مفصلة عن العدالة الانتقالية ودورها في ضمان عدم التكرار.

4.مذكرة الأمين العام للأمم المتحدة حول العدالة الانتقالية كأداة استراتيجية
https://www.ohchr.org/en/documents/tools-and-resources/guidance-note-secretary-general-transitional-justice-strategic-tool
➤ وثيقة موجهة لصناع القرار حول استخدام العدالة الانتقالية في عمليات السلام.

  1. قصة أممية – العدالة الانتقالية: مواجهة الماضي وبناء المستقبل (2025)
    https://www.ohchr.org/en/stories/2025/03/transitional-justice-confronting-past-building-future
    ➤ مقالة حديثة تشرح أهمية معالجة الماضي في بناء مجتمع سليم.
  2. العدالة الانتقالية وحفظ السلام بعد الصراع (OHCHR)
    https://www.ohchr.org/en/topic/transitional-justice-and-post-conflict-peacekeeping
    ➤ تحليل لكيفية دمج العدالة في جهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى