العربي الآن

من أنطوان لحد إلى حكمت الهجري… مشروع واحد بوجوه مختلفة

ليس مجرد شخصية محلية تمارس خيانة فردية، بل جزءاً من مشروع أوسع يهدف إلى تفتيت وحدة سوريا وإضعاف المحيط العربي

خليل البطران – العربي القديم

في الأيام الأخيرة، تم تداول مقارنة بين أنطوان لحد والشيخ حكمة الهجري، في محاولة لفهم وجه الشبه بينهما في سياق الخيانة وتفتيت الوطن. أنطوان لحد، الضابط اللبناني الذي ارتبط اسمه بفصل جنوب لبنان وإقامة المنطقة العازلة لصالح الأمن القومي الإسرائيلي، والهجري، الذي ظهر كوجه شاب جديد في الجنوب السوري بعد سقوط نظام الأسد، يرفع شعار الحكم الذاتي ويرتبط بمشاريع انفصالية تخدم أجندات إقليمية ودولية.
ولد أنطوان لحد عام 1927، والتحق بالجيش اللبناني، ثم أصبح قائد لواء الجنوب خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1989). كان لحد ذراعًا رئيسيًّا لإسرائيل في الجنوب، إذ ساهم في تحويل المنطقة إلى منطقة عازلة تضمن الأمن الإسرائيلي لسنوات طويلة، وكان دوره محوريًا في خيانة وطنه وخدمة المشروع الإسرائيلي. انتهى مشواره بسقوط مدوٍّ بعد انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، وأصبح مثالًا للخيانة التي لا تُنسى.
أما الشيخ حكمة الهجري، فهو الزعيم الروحي للطائفة الموحدين الدروز في السويداء، الذي رفض بعد سقوط نظام الأسد تسليم مناطق نفوذه للدولة السورية، ورفض دخول الأجهزة الأمنية، مما أدى إلى اشتباكات مسلحة مع عشائر البدو، وهي نزاعات ليست بجديدة، لكنها تصاعدت بعد 2011. وفي خطوة أثارت الكثير من الجدل، طلب الهجري تدخل إسرائيل، التي استجابت بقصف مواقع للأمن العام السوري في الجنوب، ما عزز فكرة أن المشروع الذي يقوده هو جزء من مخطط إسرائيلي لتفتيت سوريا.
تزامنت هذه الأحداث مع عملية “سهم باشان” التي أطلقتها إسرائيل بعد سقوط نظام الأسد عام 2014، والتي استهدفت أكثر من 300 طلعة جوية لتدمير القدرات العسكرية للجيش السوري، بهدف إبقاء سوريا ضعيفة عاجزة عن حماية حدودها وأمنها القومي. الهدف الاستراتيجي كان إقامة كانتون درزي في الجنوب السوري ليكون جرس إنذار مبكر لأمن إسرائيل، كبديل عن نظام الأسد الذي كان يحمي ظهرها لأكثر من خمسة عقود.
هذا السياق الإقليمي والدولي يوضح أن حكمة الهجري، مثل أنطوان لحد، ليس مجرد شخصية محلية تمارس خيانة فردية، بل جزءاً من مشروع أوسع يهدف إلى تفتيت وحدة سوريا وإضعاف المحيط العربي، تحت حماية ودعم خارجيين.

ممر داوود الاقتصادي: البعد الاستراتيجي

من الضروري إدراج فكرة “ممر داوود الاقتصادي” في هذا السياق لفهم البعد الجيوسياسي للمشروع الإسرائيلي في الجنوب السوري. كان هذا المشروع قد طرحه الكاتب الإسرائيلي عوديد ينون عام 1982، حيث يقضي بإنشاء ممر يمتد من مرتفعات الجولان مرورًا بالسويداء ودرعا ومنطقة التنف وصولاً إلى دير الزور في شرق سوريا، ثم يتصل بكردستان العراق. يهدف هذا الممر إلى ربط إسرائيل بالمناطق النفطية وفتح خطوط نقل استراتيجية، ويخدم استراتيجيات تهريب النفط والسلع وأيضًا تهيئة بيئة أمنية ملائمة لمصالح إسرائيل.

هذا الممر يفسر دعم إسرائيل للمشاريع الانفصالية في الجنوب السوري، بما فيها مشروع الكانتون الدرزي الذي يشكل حماية أمنية لإسرائيل، وكذلك دعمها لـ”قسد” في الشمال، مع وجود القاعدة الأمريكية في التنف التي تسهل السيطرة والتحكم.

أنطوان لحد: الخيانة لخدمة المشروع الإسرائيلي

كانت أنطوان لحد شخصية محورية في تحويل جنوب لبنان إلى منطقة عازلة تضمن الأمن القومي لإسرائيل، ونجح في قيادة فرقة الجنوب أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. شكّل ممارسته للخيانة نموذجًا للعملاء الذين يخدمون مصالح قوى خارجية على حساب وطنهم. رغم سقوط مشروعه بعد عام 2000، يظل اسمه علامة على الخيانة التي تخدم مشاريع إقليمية معادية.

سهم باشان الكانتون الدرزي: استراتيجيات التفتيت

عملية “سهم باشان” التي بدأت بعد سقوط نظام الأسد عام 2014، استهدفت ضرب القدرات العسكرية السورية في الجنوب من خلال أكثر من 300 طلعة جوية، بهدف إبقاء الجنوب السوري ضعيفًا وخاليًا من التواجد العسكري القوي، مما يسهل إقامة كانتون درزي يمتد من جبل الشيخ حتى الحدود الأردنية.

هذا المشروع يشكل جرس إنذار مبكر لأمن إسرائيل، ويأتي كتعويض عن النظام السوري الذي كان يحمي ظهرها لأكثر من نصف قرن.

حكمة الهجري: نسخة سورية من أنطوان لحد

الشيخ حكمة الهجري لا يختلف كثيرًا عن أنطوان لحد من حيث دوره في تفتيت الدولة، فهو يطالب بالحكم الذاتي في السويداء ويرفض تسليم مناطق نفوذه للسلطة المركزية، ويرتبط بشبكات تمويل مشبوهة ويدعو صراحة لتدخل خارجي. برفضه للسلطة السورية وتعاونه مع إسرائيل، يصبح نموذجًا حديثًا للخيانة.

خاتمة: المصير ذاته

يُعلِّمنا التاريخ أن كل من لجأ إلى تفتيت بلاده أو مشروعه على ظهور دبابات أجنبية أو تحت حماية عسكرية خارجية، انتهى به المطاف إلى الخيانة والخذلان. القوى التي تدعم هؤلاء العملاء لا تبقى إلى الأبد، وتنصرف في لحظة ضعف أو تغير مصالح. أنطوان لحد كان مثالًا صارخًا حين تركته إسرائيل وحيدًا في المنفى بعد انتهاء حاجتها إليه، وربما سيواجه حكمة الهجري المصير ذاته.

التاريخ يذكرنا دومًا بأن الوحدة الوطنية والوعي بمخاطر الخيانة هما الدرع الحقيقي في مواجهة مشاريع التفتت التي تفرضها الأطماع الإقليمية والدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى