حسيب الزيني روائي لأول مرة في "أشباح لندن": الإبداع الروائي قرين الألم، والتجديد قرين الحرية
التجريب بوصفه إستراتيجية فنية تسعى إلى خرق المألوف، والالتزام عنه يكسر أفق التوقع هكذا تبدو الحال في رواية “أشباح لندن”، للكاتب السوري حسيب الزيني، حيث الابتعاد عن النمذجة والتنميط، والانفلات من أسر التقليد، رؤية، وتشكيلاً، وسعياً دؤوباً، لإعادة النظر بالإبداع، وصولاً إلى منجز روائي مغاير قوامه التجريب، والتشكيل وقوة الإحساس.
الحدث الروائي
رواية (أشباح لندن) يروي فيها الكاتب السوري حسيب الزيني عن مدينته حمص، حين كانت عاصمة الثورة السورية، وموئل تطلعات السوريين، حيث يستفيق البطل في مشفى في لندن، وهو لا يعرف كيف وصل هناك، ومن هنا يكابد البطل، في رحلة البحث عن رفاق الحي، والمدينة والمظاهرات السلمية والسلاح، وتتبع مصائرهم، في هذه الرواية التي ترصد الواقع السلمي والواقع الحربي، ومبررات حمل السلاح، وترصد تغيرات الإنسان السوري ما قبل الثورة، وما بعدها.
التجديد قرين الإبداع
يقال إن التجديد قرين الإبداع في العمل الأدبي، لا على مستوى التقنية فقط، لكن على مستوى المضمون أيضاً، و لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، ولعل هذا الوعي الأدبي للكاتب حسيب الزيني يجعله مدركاً لخطورة فقدان العمل الأدبي قيمته، إن هو غرق في المألوف، والمتوقع والمعتاد.
و”الميتا – قص” تقنية نصية فنية، تتذرع بالتخييل، والتجريب والتشكيل، حين يرتدّ السرد على ذاته، ويجيب عليه بوصفه موضوعاً من موضوعاته، فما هو إلا نمط من أنماط الكتابة الروائية يعي نفسه قصصياً، وتقوم ركائزه على انعكاسات ذاتيه يقوم عليها، ويمضي بها سارد العمل، ليقدم مادة قصصية يحفزها اشتغال نقدي موازٍ، يقوم بالدرجة الأولى على الإيهام والإقناع والخيال، مثلما نجد في روايات الواقعية السحرية بشكل عام، وهذا يرجع للإنهاك الروحي، والإبداعي الذي لا يعتري الكاتب وحسب، وإنما شخصيات العمل أيضاً، حيث مملكة الصمت الأسدية، تشهد بالعمل كمّاً هائلاً من الدمار، والقتل بالبراميل المتفجرة، والذبح بالسكاكين، والقتل على الهوية، والمجازر، والاعتقال والاغتصاب، هكذا يخبرنا الزيني، حين يتحدث عن الموت في مدينته حمص.
وتشيّد الرواية على هذا معالمها القصصية من تفاصيل المروي، فتقرأ الرواية نفسها بنفسها، وذاتها بذاتها، وتسائل عناصرها البنائية والسردية، حيث البداية التي تفتتح بها الأحداث، والنهاية التي تتهم بها، وزمن المحكي، وينجح الكاتب حسيب الزيني في استحضار القارئ الضمني الذي يتصور النص كيف أنه يتلقى الرواية، وكيف يتلقاها، وأيضاً من خلال استحضار الناقد، وجهازه المفهومي الجاهز في قراءته للنص، وعلاقة الواقعي بالمتخيل.
قطعة فنية لأدب الحرب
تسعى هذه الكتابة الواعية لذاتها، لتحطيم مبدأ الإبهام والواقعية، وعكس إشكالات العلاقة بين الكاتب ومنجزه، وبين المنجز والواقع، وتوجيه القارئ إلى عمليتي تلقي النص، وتأويل دلالاته، وهي تؤكد مراراً وتكراراً أنه يمثل الواقع، وفي جانب آخر منه هو عمل فني متخيل، وهذا العمل الأدبي قطعة فنية لأدب الحرب، وعمل روائي ينتمي إلى جنس الرواية الجديدة، وهي قطعة فنية قائمة على الاحتجاج العنيف على نظام دموي لم يعرف التاريخ مثله، ولن يعرف، احتجاج على قتل أهله، ورفاقه، وتدمير منزله ونفيه، واللجوء في بريطانيا. هنا الآن عبد الرحمن بطل العمل، يرفض كل شيء، عبد الرحمن لا يتقبل اللاإنسانية الخيانة السوداء، لا يتقبل فكرة الغربة، يعتبر أن كل جمال لندن لا يعنيه، أشباح تطارده، وتحديداً أبا شهد.
وتتميز هذه الكتابة النصية في أشباح لندن، بموقعها النقدي الخاص داخل النص، عبر توليد المحكيات الصغرى على مستوى المحكيات الكبرى؛ هذا في جانب، وفي جانب آخر هي رواية شخصيات على نهج الواقعية السحرية.
حوار قصير مع كاتب الرواية: أتعبتني البنية النفسية لشخصياتي
ولاستكمال هذه القراءة النقدية في (أشباح لندن) وما تحمله من هواجس ودلالات أدبية وفنية، صحيفة “العربي القديم” أجرت حواراً قصيراً، عبر الهاتف مع الكاتب السوري حسيب الزيني. س: بداية حدثنا عن اللغة في (أشباح لندن) برأيي كانت لغة صحفية ولم تجنح كثيرا نحو التعبيرية الأدبية . كيف ترى أنت ذلك؟
– تجنبت توظيف اللغة الجزلة والفخمة، لصالح حضور اللغة الصحفية القريبة من نبض الشارع، وهذا شيء مقصود كان بإمكاني أن أفعل ذلك وأن أزخرف وأكتب انشاء إدبيا أستعرض فيه عضلاتي اللغوية كما يفعل كتاب آخرون، ولكني أفضل أن أصل للجميع، وأن تتحدث شخصياتي بلغتهم.
س: المرآة في (أشباح لندن) علاقة مضطربة بين ثقافة الشام، وثقافة لندن، كيف ترد؟
– اختلاف الثقافات أمر طبيعي، ويجب أن نتلمسه حين ننتقل في الجغرافيا، قسرياً كان هذا الانتقال أو طوعياً. فما يمكن أن يحصل في لندن لا يمكن أن يحصل في الشام، ولا أستطيع أن أجعله يحصل. اختلاف الأمكنة يستدعي اختلاف الثقافات
س: ما هو الهاجس الأساسي الذي اشتغلت عليه في هذه الرواية؟
– في الرواية اشتغلت بشكل جيد على الحالة النفسية لشخصياتي. أتعبني ذلك دون شك، ولكن حينما تتوقف المدافع هناك – بالتأكيد – حرب أخرى ستبدأ، ومحورها الإنسان في داخله، لا ما حوله فقط.