فنون وآداب

رحيل الروائية ليلى بعلبكي بعد عقود من الصمت: محاكمة أخلاقية أنهت مسيرتها الأدبية

بقلم: محمد منصور

عن عمر قارب التسعين عاما، توفيت في مدينة لندن أمس الأول الروائية اللبنانية الرائدة ليلى بعلبكي، التي كانت نجمة إحدى المحاكمات الشهيرة في ستينيات القرن العشرين بتهمة إباحية القصص التي نشرتها.

لعائلة شيعية من جنوب لبنان، ولدت ليلى بعلبكي في بيروت في عام 1934، في قرية (حومين التحتا) بمنطقة النبطية. والدها الشاعر الزجلي علي الحاج البعلبكي، أصدر بدءا من ثلاثينيات القرن العشرين عدة دواوين مثل “بسمة الفجر” و”خيمة الصحراء”، إلى جانب كتاب في الأنساب والرواة بعنوان “الأمجاد البادية من عرب البادية”. وقد درست ليلى بعلبكي في المدرسة الرسمية في حي (عين المريسة) ببيروت، ثم انتقلت إلى كلية المقاصد الاسلامية، فأنهت فيها المرحلتين المتوسطة والثانوية. ثم تابعت دراستها في معهد الآداب الشرقية التابع لجامعة القديس يوسف في بيروت، لكنها لم تكملها.

كاتبة وجودية

محاولاتها الكتابية بدأت في سن الرابعة عشرة، وفي سن الرابعة والعشرين أصدرت أصدرت روايتها الأولى (أنا أحيا) عام 1958 وهي رواية وجودية المضمون تصور اغتراب الانسان عن ذاته، وتمرد المرأة على الرجل. وقد لقيت هذه الرواية صدى إيجابياً  في لبنان المتوثب لانفتاح اجتماعي غير محدود، وتمت ترجمها إلى الفرنسية على يد الأديب الفرنسي ميشال باربو وصدرت عن منشورات دار النشر العربية في باريس)، وتحدث عنها المستعرب جاك بيرك في دراسته الموسومة بعنوان “القلق العربي في الزمن المعاصر”، ما وضع ليلى بعلبكي على عتبة الشهرة الأدبية، وجعلها أحد الوجوه الثقافية المعروفة في بيروت آنذاك. ومكنتها شهرتها حينئذٍ من الإقامة الموقتة في باريس بين 1959عامي  و1960.

في تلك الأثناء نشطت في ميدان الكتابة وفي إلقاء المحاضرات مثل محاضرتها في “الندوة اللبنانية” (11/5/1959) التي اختارت لها عنوان “نحن بلا أقنعة”، والتي صبّت فيها نقدها على المجتمع اللبناني والمجتمعات العربية، وعلى العائلة والقيم السائدة. وفي خضم ذلك التألق كانت مقالاتها تُنشر في المجلات الأكثر انتشارًا في لبنان كـ”الأسبوع العربي” و”الحوادث” و”الدستور”، كما نشرت بعض مقالاتها في مجلات “الآداب” و”شعر” و”حوار” وبعد نحو سنتين على صدور (أنا أحيا) أصدرت رواية  (الآلهة الممسوخة) عام  عن دار مجلة شعر1960، فلم تحظَ بالصدى الذي حظيت به روايتها الأولى، لكنها كرست حضورها ككاتبة وجودية، في عز ازدهار موجة الأدب الوجودي الذي تبنته وروجت له مجلة ودار (الآداب) حينذاك، وسواها من المنابر التي تأثرت بموجات الأدب العالمي وعلى رأسها مجلة شعر بالطبع، التي أصدرت لها هذه الرواية.  

وجها لوجه مع تهمة الإباحية

في ستينيات القرن العشرين واجهت ليلى بعلبكي محاكمة شهيرة  شغلت الأوساط الثقافية في حينه، بعد نشر مجموعتها القصصية “سفينة حنان إلى القمر” عام 1963. فقد  نشرت مجلة “صباح الخير” دراسة عن المجموعة موقعة باسم مستعار اتهمتها بالفجور والانحلال، ما أدى  إلى حظر المجموعة في لبنان، وتقديم الكاتبة إلى محاكمة بتهمة “إباحية” بعض القصص.

كانت تلك المحاكمة الأولى من نوعها في لبنان، وكانت التهمة “إهانة الأخلاق العامة” عبر كتابات تتناول الرغبة الجنسية من منظور المرأة. وبالرغم من أن محكطمة المطبوعاتبرأت بعلبكي من هذه التهمة في النهاية، وكان الصحافي سعيد فريحة رئيس تحرير مجلة (الصياد) النافذة، أحد الذين هاجموها في مجلته، إذ تساءل ” كيف يمكن لليلى بعلبكي أن تكتب أدب جنس ما دام أدب الجنس هو أدب التجارب وليلى فتاة شرقية ما تزال في عمر الورود؟”. وأردف: “هل يعقل أن تعيش فتاة في مثل وضعها وسنها أدب الجنس كما عاشه إحسان عبد القدوس وعشته أنا مثلاً؟” وربما كان هذا النقد مهذبا قياسا إلى كتابات أخرى تناولتها بقسوة وأحيانا كثيرة بإسفاف وفضحائية تشهيرية.

إلا أن التجربة كانت قاسية وذات أثر مدمر، ما أدى إلى وأد المرحلة الأكثر أهمية في مسار ليلى بعلبكي الأدبي كما رأى النقاد.

اعتزال الكتابة والناس

عندما اندلعت الحرب اللبنانية في عام 1975 هاجرت ليلى بعلبكي إلى لندن وانقطعت عن الكتابة الصحافية وكانت قد تزوجت من أنطون وديع تقلا (توفي في 1/8/1993)، وأنجبت ثلاثة أبناء. وفي عام 1979 عادت إلى لبنان بعدما اتخذت وهي دون الخمسين من العمر، قراراً باعتزال الكتابة والصحافة والناس، وعاشت منذ ذلك الحين متنقلة بين لندن وبيروت، ولم تظهر إلا مرات قليلة، كان آخرها في معرض الكتاب العربي في بيروت عام 2009 حين أعادت دار الآداب اللبنانية إصدار جميع مؤلفاتها.

زر الذهاب إلى الأعلى