بشير العظمة في (جيل الهزيمة): أجرأ مذكرات عن الوحدة والانفصال
في عام 1991 وقبيل رحيله بعام، أصدر الطبيب ووزير الصحة المركزي في دولة الوحدة، د. بشير العظمة مذكراته التي نشرتها دار رياض الريّس بعنوان: (جيل الهزيمة: بين الوحدة والانفصال) الزميل رامي زين الدين اختار النصوص التالية من مذكرات العظمة، التي تقدم لنا شهادة شاهد عيان على الوحدة والانفصال.
انقلابات وتقلبات سوريّة
في الفصل السابع من مذكراته، المعنون (انقلابات وتقلبات شخصية وسياسية وعسكرية) يتحدث بشير العظمة عن الأجواء التي سبقت قيام الوحدة بين مصر وسوريا مُطَوَّلاً، ويَخْلُصُ إلى القول:
بعد الانقلابات المتوالية شاعت في وسائل الإعلام العالمية صورة بشعة عن سوريا، وأنها بلاد عاجزة عن حكم نفسها بنفسها، كما أنها لا يمكن أن تقبل بحكم أجنبي، وأن الفراغ السياسي القائم خطير على جيران البلد في الشمال والجنوب والشرق والغرب معاً.
اتفقت كلمة الأحزاب والشارع على المطالبة بالوحدة مع مصر، للخلاص من المؤامرات والانقلابات والتهديد بالاكتساح، وبرزت خلافات حول شكل الوحدة بين القطرين، فأصرَّ الحزب الشيوعي وكتلة خالد العظم وهاني السباعي على أن تكون الوحدة متدرجة والحكم ديمقراطي ليبرالي، بينما تطالب الأحزاب الأخرى على اختلاف نزعاتها وتناقضاتها بوحدة اندماجية وفورية، تنهي دفعة واحدة الخطر الشيوعي والصراع الاجتماعي والتهديد التركي العراقي.
ألهب خطاب عبد الناصر في أيلول 1956 عواطف الجماهير العربية المكبوتة من المحيط إلى الخليج. وأثار الحنين إلى أمجاد الماضي البعيد، وآمالاً بانتهاء كابوس النكسات في مسلسل إذلال العرب بعدوان إسرائيل المتكرر.
سادت قناعة كاملة بين مختلف الفئات والجماهير في سوريا أن لا خلاص من حالة عدم الاستقرار وتهديدات الجيران وغارات إسرائيل إلا بالارتماء في أحضان الزعيم العربي العالمي، الذي يحدث الناس عن العزة القومية والعدالة الاجتماعية، ويتحرك على المسرح الدولي نداً بين أقطاب العالم ويثير في كلامه آمال وطموحات ملايين الكادحين في العالم العربي، للخلاص من الظلم التاريخي في ظل الإقطاع والمرابين والحكام المتسلطين.
نجحت الأجهزة الخفية والإعلام في تعبئة تيار واسع وطني لتجعل من الوحدة الفورية الكاملة المخرج الوحيد لخلاص سوريا الحائرة واحتوائها.
كان أعداء الوحدة الحقيقيون متأكدين من أن الوحدة فورة عاطفية لا تتوفر لها أسباب البقاء أو الامتداد لتكون خطيرة على مصالحهم.
كانت انتكاسات مسيرة عبد الناصر وانهيار أحلامه الطموحة نتيجة طبيعية للغرور والفردية وخداع الذات في تقدير حجمه وإمكانياته الواقعية، بعد أن عزلته الأجهزة والجماهير الهازجة الزاحفة وساهمت في ضياعه.
الوحدة والوزارات المركزية 1958-1961
يستهل بشير العظمة الفصل الخاص بالوحدة السورية المصرية: (الوحدة والوزارات المركزية)، بالاعتراف بمشاركته في تزوير الاستفتاء على الدستور وانتخاب جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة بنسبة 99.98%، حيث أدلى العظمة بصوته في عدة صناديق، متسائلاً: “كأن القائمين على الاستفتاء عاجزون عن ملئها من دون عناء!”
في مطلع تشرين الأول أكتوبر أي بعد الوحدة بـ 6 أشهر تلقى بشير العظمة دعوة للقاء الرئيس المصري في قصر القبة بالقاهرة، بشأن تشكيل وزارة مركزية. يقول العظمة “يُطلب من أي متقدم لوظيفة ولو في مستوى حارس ليلي أو آذن مدرسة مؤهلات تفيد بأنه صالح للقيام بالمهمة الموكلة إليه، بينما يكفي تقرير المخابرات أو شهادة ضابط في الأجهزة ليتم الترشيح لمنصب وزير.
يضيف “استقبلني الرئيس مساء في داره في مصر الجديدة بابتسامة وإيناس، بادرني السؤال: “ألم نتقابل قبل الآن عند حضوري إلى دمشق؟” قلت: “أبداً فدرج السراي متعب وأحاول جاهداً تجنّب صعوده”. لم يفهم لهجتي ولا ما أعنيه من كلمة (درج) وصعوبة الصعود، فصححت وأوضحت: لم أُدع لأية حفلة أقيمت لك، ولا أحب المهرجانات والزحام، وإني أعمل في حدود المهنة ولا أتعامل مع سلالم السرايات. ضحك وقال: “ولكنك ستحبُّ ما أنت مؤهل له، وقد أثنى عليك من رشحوك لمنصب وزير صحة مركزي”. قلت “إني بعيد جداً عن أجواء وممارسات الدواوين والإدارة وأخشى الفشل”. قال “لا عليك”. وتلا ذلك تمنيات ومجاملات وحديث عن الطقس، وتركت الجلسة بعد عشر دقائق ناجحاً سلفاً بالفحص، وقبل المواجهة الشكلية، ومن خلال تقارير.
سافرت، بعد أيام إلى دمشق، وقمت بجولة ميدانية أحاول التعرف على الأوضاع الصحية. زارني خلال ذلك رفيق الدراسة خالد بكداش (أمين عام الحزب الشيوعي السوري). وكان متوارياً عن الأنظار، بعد أن غاب عن جلسة إعلان الوحدة في البرلمان السوري، وكان عضواً فيه. كلفني أن أنتهز أية فرصة لأنقل رسالة إلى عبد الناصر بأن الشيوعيين ليسوا أعداءً للوحدة وأنهم مستعدون لدعمها، وبأنه يستحيل عليهم من حيث المبدأ إعلان حل الحزب الشيوعي الأممي كما فعلت الأحزاب المحلية الأخرى. زارني بعد عودتي للقاهرة مستشار الرئيس محمود رياض، فأبلغته رسالة بكداش، ورجوته إيصالها للرئيس. غضب ساخطاً، وقال إنهم عملاء متآمرون وخونة، وإياك أن تعيد ما سمعت لأي إنسان!
وأتبع ذلك بسيل من الشتائم فامتثلت.
ضجر الوزير في الوزارة المركزية!
تولى العظمة وزارة الصحة في حكومة الوحدة، لكنه يروي في مذكراته أنه قضى سنتين في منصبه من دون عمل ولا مسؤولية محددة. يقول:
“إذا اشتدّ بي الضيق والضجر، بعد قراءة الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية، وبعد إيجاد الحلول للكلمات المتقاطعة، أدفع الباب هائماً، أحاول الانطلاق في حدود القفص الذهبي، فأقصد مكاتب الزملاء الأصدقاء الملاصقة لمكتبي ونتشارك الأحاديث والثرثرة ونقضي فترة بعد الضهر في نادي الجزيرة لممارسة ألعاب التنس والسكواتش والبولينغ وغيرها”.
كما يتحدث عن تفاصيل التحاقه بالعمل كوزير، كاشفا جوهر الفروقات بين العقلية السورية والمصرية في الإدارة والحكم:
قصدت مركز عملي الجديد لأبلغه قبل ربع ساعة من الدوام الرسمي، كأي موظف متحمس يريد أن يكون أمثولة للتابعين له. وصلت إلى بوابة المبنى ماشياً على قدمي، وهو لا يبعد عن داري أكثر من 200 متر تقريباً، استوقفني الجندي الحارس، قلت: “وزير الصحة”. أجاب: “لا يأتي قبل الحادية عشرة”. قلت: “هو أنا”. أفسح لي الطريق بإشارة والشك واضح في حركاته وسحنته. سمح الجندي للمخبول أن يدخل دون تحية باليد أو بالسلاح. أفهمني مدير المكتب بعد ذلك بأن التقاليد لا بد وأن تراعى، فالوزير لا يحضر لوزارته قبل الحادية عشرة إذا توفر لديه وقت لذلك. إخفاء وحجب الملوك والوزراء والأمراء عن الأنظار إجراءات لها ضرورتها، لتبقى صورة القادة في خيال الجماهير أقرب إلى صور الآلهة والأئمة، نقية طاهرة.
لم تعرف سوريا في تاريخها الحديث الملكية والحاشية والبلاط والحجّاب. كان شكري القوتلي رئيس الجمهورية عند قيام الوحدة يسكن في شقة مستأجرة عادية جداً في حي الجسر الأبيض وحارسه شرطي يداوم نهاراً فقط. يتعرف الشعب على الحكام من خلال صورهم المصقولة وأحاديثهم المسجلة الكريمة والمهذبة، ومن خلال زيارات مندوبي الصحف.
سألني صحفي عن الفارق بين وزير في الإقليم الجنوبي وآخر في الشمالي أجبت بأني لم أكن وزيراً هناك، ومع ذلك فالفارق كما أراه، بأننا نطلق على الواقف أمام مكتب الوزير في بلدي اسم “الآذن” بينما اسمه “الحاجب” عندكم.
الخلاصة، قضينا شهوراً عديدة بل سنتين تقريباً من دون عمل ولا مسؤولية محددة. كنا نتبادل الزيارات بين المكاتب ونستقبل كل طارق.
تحدث العظمة عن زياراته المفاجئة إلى المستشفيات والمراكز الصحية والتي احتجّ عليها وزير الصحة التنفيذي: أردت التعرف على الأبعاد المرئية للمشكلة الصحية، واعتمدت أسلوب المفاجأة من دون إخبار مسبق بالزيارات التي أريد القيام بها، فرأيت مشاهد لا يمكن وصفها أو تصوّر وجودها. بادرني وزير الصحة التنفيذي باحتجاج على الزيارات المفاجئة، قلت لا بد من ذلك إذا أردنا معرفة الحقائق، ودعوته إلى مرافقتي، فقبل. زرت مشفى الأمراض السارية في عين شمس، قرب دار الرئيس: قاعات فسيحة، وكل منها تضم 50 سريراً تقريباً من دون حواجز، والمنظر أقرب لقاعة سجن كبيرة، والفوضى كاملة وبعض المرضى يفترشون الثرى. أضابير ضائعة تائهة بين العاملين، تشخيص دون فحوص مخبرية، وأوساخ وروائح.. إلخ. الأدهى من كل ذلك أني في مقابلة يتيمة اجتمعت بها مع الرئيس بعد أشهر، ذكرت له مشاهداتي بغية توصيف الوضع الصحي وضرورة الاهتمام بالجهاز الضخم جداً، والعاطل كاملاً عن العمل والإنتاج، فقاطعني وأنا أسرد ما شاهدت، فقال: “مش صحيح، مش معقول، ما أنا زرت المشفى ورأيته جيداً، والخدمات فيه مقبولة”. قلت: “الزيارات المرتبة دائماً خادعة، لقد فرشوا المشفى وتم طلاء القاعات وبدلوا ملابس المرضى والأطباء قبل حضورك وأعيد كل شيء إلى المخازن بعد انتهاء الزيارة”. لم يُعلق على ملاحظتي، ولكنه كان متوتراً يستعجل نهاية الجلسة غير المريحة.
المخابرات
بعد مرور شهرين على وجودنا في القاهرة، رافقنا الرئيس في زيارة إلى مدينة “المنيا” في الصعيد. والهدف تعريف الجمهور على وجوه وزرائه من الإقليم الشمالي، وكذلك إشعار الوزراء بوجودهم وأهميتهم.
في سرادق يتسع للألوف من الناس، بدأ مهرجان عكاظ الخطابي تتكرر فيه جمل السين وسوف والآمال الواسعة. يدعو المشير عامر الوزراء السوريين ليكلموا الجماهير المصرية التي لا تفهم إلا اليسير من لهجتنا العامية، وكذلك الفصحى كما أعتقد. ولما صعد الصديق أمين النفوري وكان وزيراً مركزياً للمواصلات، بادرهم بالبشرة الكبيرة بأنه سوف يعمل المستحيل لتعميم المخابرات في كل مدينة وقرية.
نزلت كلماته على المساكين كالقدر الرهيب، وارتفعت أصوات الهمهمة والزئير المكتوم احتجاجاً واستنكاراً للوعد غير الكريم! قفز فوراً المشير عبد الحكيم عامر، يقاطع الخطيب، وأعلن للحاضرين بأنه أخوتهم في الإقليم الشمالي يطلقون تسمية “المخابرات” على الاتصالات السلكية واللاسلكية، بينما “مخابرات”، بمعنى أجهزة التجسس والمداهمة من زوار الصباح، هي تسمية خاصة بالإقليم الجنوبي.
أرسل المشير إلي من يخبرني بأني سأكون الخطيب التالي، فأشرت معتذراً وبإصرار، وقلت إني لن أتحرك من مكاني، وإني لا أتقن إطلاقاً التحدث للجماهير. تحصّنت بأني “تكنوقراط” فني لا علاقة لي بالسياسة. تجاوزني وبقيت بالنسبة إليهم غامضاً بدون هوية سياسية معروفة. وقد حاولت الأجهزة إياها بعد ذلك أن تُعيد المحاولة، فطلب إلي عدد من الزملاء المصريين ودون مناسبة محددة مرافقتهم في جولات خطابية دورية. كان موقفي الاعتذار والرفض المبدئي، وبقيت علامة الاستفهام طوال وجودي في القاهرة.
بعد أن استقر بنا المقام في المقر الجديد للوزارة في هليوبوليس جمعنا الرئيس وطلب أن يحدد كل وزير بتقرير يلخص فيه تصوره، وتأملاته عن الاشتراكية العربية، حدودها وأهدافها كل في اختصاصه، محاولة اختراع لنظرية اقتصادية سياسية اجتماعية جديدة.
وبعد مرور شهرين من النشاط الفكري الكتابي، رفعت تقريراً لرؤيتي السياسية الصحية المناسبة. وانتظرت مناقشة التقرير في مجلس الوزراء ثم راجعت وزير شؤون الرئاسة (علي صبري)، فقال: “نسيت أن أنقل إليك إعجاب الرئيس وتهانيه بما جاء في تقريرك”.
مع استمرار وازدياد الشعور باليأس والملل، اندفعت أنتهز الفرص للقيام بزيارات سياحية في أرجاء القطر المصري، وبدأت أتمتع بأيام لطيفة في بلد غني بآثاره وطبيعته وكرم أهله تجاه أصحاب المراكز والألقاب الرفيعة.
تمجيد السلطة ورموزهاً في الوجدان المصري
عاد السيد حسين الشافعي الوزير المصري من زيارة للإقليم الشمالي، وبادرني القول: “موظف بالمرتبة الخامسة في بلدي ولا ووزير في بلدك، إنكم لا تقيمون وزناً لأصحاب الشأن وتستخفون بأصحاب المراكز”. قلت جواباً: “اسمع القصة التالية: كنت في إجازة منذ شهر في دمشق، وطلب صديق أن أرافقه في نزهة إلى بيروت. أوقفنا الشرطي على الحدود، يطلب دفع 5 ليرات رسم العبور. قال الرفيق وأشار إلي: إنه وزير الصحة المركزي: اعترضت وقلت إني مواطن مسافر للنزهة وعلينا دفع الرسم القانوني. ذهب الشرطي يستشير رئيسه ويطلب منه الحضور. عاد معتذراً عن حضور رئيسه، وقال: “هل السيد الوزير بمهمة رسمية لإعفائه؟! دفعنا ورفيقي يشتم الأيام وأنا فخور بالمواطن يحترم نفسه ووظيفته”. الجزء الثاني للقصة أننا دعينا لوداع الرئيس سيكوتوري، وانتهينا مع فجر يوم الجمعة. اقترح مدير مكتبي، وكان يقود السيارة، أن نكمل طريقنا لصيد السمك في السويس وهي منطقة عسكرية، لا يدخلها إلا من يحمل تصريحاً من القيادة واتجهنا شرقاً. توقفت السيارة أمام حاجز لشرطة الجيش يطلبون التصريح، ورقم سيارتنا خاصة. فتح مدير المكتب زجاج النافذة، وقال كلمتين: “وزير الصحة”، وأشار إليّ. تحية ويرفع الحاجز ونكمل المشوار. قلت: “قد أكون جاسوساً أو مخرباً ولم يتحقق إنسان من هويتي”.
الفوارق بين الإقليمين
قد ينجرف قارئي فيقول إن المصريين نوعية خاصة من الشعوب العربية الأخرى. دوافع القائلين بذلك عرقية غير علمية ومرفوضة. سلوك الشعوب والأفراد بالرضوخ والاستكانة، نتيجة تربية وتدجين على الإذلال والقهر التاريخيين. الأرض في مصر سهل منبسط، غني، يفور بخصوبته وثرائه، والنيل شريان الحياة للساكنين على الضفتين المرويتين بمائه. والمنطقة المزروعة شريط لا يزيد عرضه عن عشرات الكيلومترات من الجانبين من أسوان إلى القاهرة. تلي ذلك رمال صحراوية غير منبتة، الأمطار فيها شحيحة أو غير معروفة تقريباً، بينما يزيد معدلها في الشمال عن المئة ميلمتر سنوياً فقط. وعليه، فإن من يمسك ويتحكم بتوزيع وتنظيم ري الأرض الزراعية، يتصرف كذلك بأرواح ساكنيها. والحكام منذ الفراعنة أسياد على النهر العظيم، ينظمون عبادته في فيضه ومواسمه. ورغم التأكيد بأن العوامل الجغرافية المناخية ليست حاسمة في التكوين النفسي الاجتماعي للشعوب بشكل عام، ولكنها مع ذلك عوامل مهمة وفاعلة، واضحة التأثير في ترسيخ المعتقدات وصهر الضمير الجماعي الموحّد. الإنسان الذي يعيش في السهل المنبسط تاريخياً مختلف عن مجتمعات المناطق الجبلية الوعرة، فالطفل ابن الجبل يهوي إلى الوادي وتتحطم أضلاعه إذا لم يكن قادراً على التشبث بالصخر الذي يتسلقه ويفتح الطريق فيه وينتزع اللقمة من بيئته القاسية. يلاحظ من يزور مصر من الشمال إلى الجنوب وحدة اللباس والعادات والسكن والتقاليد والمزروعات، كما أن الجماعات التي استقرت في مصر انسجمت في المجتمع المتجانس، فليس في مصر أقليات عرقية يتميز بعضها عن بعض وعن الأكثرية بلباسها وتقاليدها وعاداتها وطقوسها. حتى الأقباط المصريون الذين احتفظوا بعقيدتهم قبل الإسلام لا يختلفون عن غيرهم بشيء من كل ذلك. يقابل ما هو قائم في مصر نقيض له في سوريا، فهي أرض تضاريسها منوعة: سهول وأودية وجبال وأنهار وسواق. معدل الأمطار متباين فيها بين الألف ميلمتر في الساحل وأقل من 100 ميلمتر في البادية. تكونت التجمعات السكانية في سوريا متناثرة، احتفظ كل منها بتراثه ولغته أحياناً، تقطن في مناطق لا يموت الناس فيها محاصرين إذا اختلفوا مع جيرانه. وكل منطقة جزيرة سكانية يروي أرضها المطر من السماء. ملابس السكان وعاداتهم وطراز بيوتهم ومعتقداتهم، وحتى نوعية طعامهم، محلية، وبعضها غير معروف في مناطق بعيدة. منذ فترة قريبة، كان يسيراً على الدمشقي أن يُشير بإصبعه، يحدد من لباس المارين مناطقهم وقراهم وقبل أن يسمع لهجة كلامهم. هذا من حوران، وآخر من الجزيرة أو من إدلب، وأحياناً هذه من القلمون أو من المزة أو كفرسوسة، ولا تبتعد عن دمشق أكثر من مرمى الحجر. جزر سكانية يرتبط بعضها ببعض، ومع المدينة أو العاصمة بأوهى الأسباب، لا تحتاجها إلا في مناسبات خاصة، وتتجنب الاتصال والانتقال إليها لأنها تخشى الاغتراب والإخضاع والإذلال. لم تقم في سوريا تاريخياً سلطة مركزية قاهرة متصلة، بينما الدولة في مصر قديمة راسخة في تقاليدها منذ الفراعنة. ومع مرور القرون وتعاقب الأجيال، اتخذت السلطة تراتباً هرمياً واضحاً، تتحمل القاعدة أثقال الطبقات الأعلى، ولا تتوفر الحرية في الاتجاهات الخمسة إلا لمن يتربع مرتاحاً في القمة. يجري على ألسنة الناس بشكل عام تحديد لسلوك موروث خاص بكل شعب. إنها أقوال غير علمية ولا واقعية. ليست القومية التاريخية تجمعات معزولة مغلقة على نفسها على المدى التاريخي المديد، خاصة بالنسبة للواقع الجغرافي التاريخي للشرق العربي. وعليه ونتيجة لاختلاط الشعوب، بالهجرة والغزوات والاجتياح، يستحيل أن تنقل الأجيال المتعاقبة سلوكاً وطبيعة خاصة بكل منها. يوصف مثلاً الشعب الإنكليزي بأن الفرد فيه هادئ، مُدبّر، منظم وشجاع، والفرنسي عاطفي، انفعالي، سطحي، العربي مخادع، كثير الكلام، كسول، ومتقلب، والزنجي حاد المزاج، ذليل، وخانع، والتركي شرس، قاس ومتعصب، والروسي فظ، غليظ، وبارد… إلخ خرافات وأوهام تجري على الألسنة التي تتداول الصور السهلة الجاهزة. الفرد الإنساني والحيواني عامة فريد بخصائصه البيولوجية وتربيته وبيئته، وكذلك فريد في طباعه وسلوكه. أجريت دراسة علمية لطباع البشر السلوكية، وظهر أن اختلافات النماذج المدروسة في شعب واحد عديدة جداً، ولا فوارق عددية بين مختلف الفئات السلوكية بين شعب وآخر. أعني من ذلك أن بين الإنكليز عدداً من العصبيين الانفعاليين مماثلاً أو أكثر أحياناً مما لدى الفرنسيين منهم، فالإنسان وليد بيئته وتاريخه الفردي والجماعي، ويختلف الأشقاء والإخوة والتوائم أيضاً رغم وحدة العوامل الوراثية، ونتيجة لمؤثرات البيئة والتاريخ الفردي. وقد يكون الاختلاف تناقضياً. كذلك يؤكد بعضهم من دون أية حجة أو إحصاء ودراسة بأن سكان المنطقة أو البلد المعين أغبياء أو بخلاء أو أنجاس محتالون.. إلخ. كل ذلك هراء لا معنى له في الواقع. لا يرى الأفراد والمجتمعات إلا ما يرضي الغرور ولو بالتطاول على الآخرين، والإنجازات الحضارية التاريخية المصرية مبعث فخار حقيقي، وللجميع شواهدها شامخة ومذهلة لمن يزور المتاحف والمعابد في الأقصر وأسوان، وعلى مدى قرون مديدة جداً. والحضارة ليست غزواً وفتوحات، ومع ذلك فقد أخضع محمد علي الكبير بجيش مصري الجزيرة العربية وسوريا. ثم إن هزيمة الجيوش العربية الثلاثة عام 1967، وهزائم كل جيش على حدة، في مسلسل العدوان الإسرائيلي المتصل، برهان قائم على خطل آراء العنصريين، فالفرد اليهودي معروف في التاريخ، ومشهور لدى الرأي العام العالمي بأنه إنسان جبان ذليل ومحتال. السوري والأردني والعراقي أو البدوي لا يتميز، وليس أفضل عرقياً من الأشقاء المصريين، وكلنا في هموم الشرق والتخلف سواء.
التذمر
بعد أشهر من الإقامة في القاهرة، نتيجة الإهمال والبطالة بين الوزراء المركزيين، بدأ الهمس ثم التذمر والتساؤل بيننا: ماذا يراد منا ويراد لنا؟ زارني رياض المالكي وزير الثقافة والإرشاد في سوريا وسألني: كيف صحة الوحدة؟ قلت صراحة بأن الرفاق الوزراء السياسيين يتذمرون، يحاولون معرفة ما وراء إبعادهم رهائن في القاهرة، والوحدة كما نراها عملية ضم واحتضان للإقليم الشمالي. يذكر المالكي في كتابه “على درب الكفاح والهزيمة” بأنه عند تكليفه بالوزارة أوضح له عبد الناصر ما يلي: الإعلام والدعاية أهم من القوات المسلحة لأن الحرب الدائرة بين العرب واليهود هي حرب نفسية دعائية، تلعب فيها أجهزة الإعلام الدور الأكبر. أما بالنسبة للقوات المسلحة فلا دور كبير لها في مثل هذا الظرف الذي تمر فيه القضية العربية. يُعلق العظمة على حديث عبد الناصر “الكلام عن الدعاية والسلاح أصدق كشفاً عن خلفية الفكر في أعلى مركز قيادي. بالصراخ والتهويش سوف ترتعد إسرائيل وتستسلم. تكررت زيارات عبد الناصر لسوريا، وكان يستقبل في كل مرة بحماسة منقطعة النظير. اجتمع رؤساء تحرير الصحف الحكومية في القاهرة بالرئيس عبد الناصر، وأشاروا إلى التذمر السائد في سوريا. دعاهم لمرافقته لحضور احتفالات بدء السنة الثالثة لإقامة الوحدة في دمشق، وكانت آخر زيارة له للإقليم الشمالي. استقبل بحشود وترحاب، فالتفت عبد الناصر إلى رجال الصحافة بعد خطابه ليقول لهم: “هؤلاء الناس كما ترون لن ينفصلوا عنا أبداً!”. بعد أشهر من الوحدة بدأت أشك وتدرجت أتساءل ثم أتهم. ماذا نفعل وماذا يراد لنا؟ إذا كان بعض الزملاء من الوزراء رهائن فإنهم كذلك لرفعة شأنهم بحكم زعامتهم العسكرية أو الحزبية، وما جريرتي بينهم وقد كنت أعمل بنشاط في التدريس والعيادة الخاصة والجمعية الخيرية معاً؟! تبخرت سريعاً نشوة الشرف العظيم بأن أكون وزيراً عند عبد الناصر، أجيراً عند متعهد إعادة بناء أمجاد العرب. وقد اشتد ضيقي وشعوري بتفاهة المنصب الذي أتولاه من دون صلاحيات ولا إمكانيات، خاصة بعد رحلاتي الاستطلاعية في سوريا ومصر، واطلاعي على الواقع الصحي ميدانياً على حقيقته، فقد تداعت آمالي بل أحلامي ببدء ثورة صحية طبية تدعم الثورة القومية الاجتماعية والاقتصادية. وجدت نفسي بعد شهرين فقط بيدقاً في رقعة يحرك حجارتها جهاز تشريفات القصر الجمهوري، للتواجد في الاستقبال والوداع، نسمع ونبتسم ونصفق، ثم ننصرف بانتظار المناسبة القريبة القادمة. وبعد الأشهر الستة، بلغت مرحلة اليقين بأني والمركب على ضلال.
الجلسة اليتيمة
بعد عدة شهور من رفع تقريري عن السياسة الصحية، اشتدّ بي الضيق من البطالة والتفاهة. طلبت مقابلة الرئيس عن طريق وزير الرئاسة، وبعد مضي 4 أشهر كاملة تكرم الرئيس وحدد موعداً لاستقبالي في استراحة القناطر الخيرية. ترحيب متحفظ وابتسامة استخفاف متسائل. قلت “منذ 6 أشهر، قدمت تقريري بتكليف منكم عن السياسة الصحية، ولا أزال أنتظر مناقشته”. قال مقاطعاً: “أي تقرير تشير إليه؟”. قلت: “لقد نقل إليّ السيد علي صبري تهنئة عن لسانك، وأنك معجب بمحتويات التقرير”. قال منفعلاً “يصلني كل يوم حمولة لوري (سيارة شاحنة) من التقارير. هل تريدني أن أقرأها جميعاً وأستوعب محتوياتها؟”. شعرت بالغضب الحاد خاصة وأن اللهجة وتعابير الوجه استفزازية وغير مهذبة. قلت “إما أنك نسيت أو أن السيد علي صبري يتكلم بلسانك دون علمك” . قال: “ما لنا والتقارير. عايز إيه؟”. وأردف وبالحرف الواحد: “هل تريد سيارة أو ينقصك شيء؟”. ابتسمت مشفقاً للمساومة التي اعتاد الرؤساء يراجعهم الأتباع للمزيد من المكاسب الشخصية. قلت “لدي سيارة خاصة منذ عام 1937 وقد تجاوزت المراهقة والشباب وأنا في الخمسين من العمر”.ابتسم عندئذ ملاطفاً وقال: “عسى أن تكون مرتاحاً والعائلة، والقاهرة مدينة جميلة وزاخرة بالمعالم والمتاحف”. قلت “إن أموري الخاصة ممتازة، لكني لن أبقى إذا لم أعمل وأشعر بأني موثوق وأن في بقائي خدمة حقيقية”. قال “ماذا تقصد من قولك لن أبقى؟”. قلت: “أعني بأني سأعود من حيث أتيت لعيادتي في دمشق” أطرق متجهماً، وسردت عليه مشاهداتي في زيارات الصحية وهو يردد: “غير معقول.. غير ممكن. لقد شاهدت بنفسي خلاف ذلك”. قلت: “يخدعونك وينظمون الزيارات”. عاد يكمل حديث الطرشان مرة ثانية: “ماذا ينقصك وماذا تريد؟ أعدت القول: “أريد أن أنجز.. أريد أن أعمل”. وانتهت المقابلة بابتسامات وتربيت على الكتف، وانتهيت إلى يقين بأن النهاية غير بعيدة”. (ص 213)
إشكالية الميزانية
بعد سنة تقريباً من وجودي في القاهرة، وُجّهت الدعوة لاجتماع وزراء الإقليمين لدراسة ميزانية الجمهورية، والميزانية صورة تطبيقية للسياسة. عكفت خلال أيام أدقق بأرقامها. أثار انتباهي الفارق الكبير في النسبة المقتطعة من ميزانية الإقليم الشمالي (53%)، وما يؤخذ من ميزانية الإقليم الجنوبي (17% فقط) لقوى الأمن ولتسليح وتدريب جيش الجمهورية الواحد. بدأت الكلام في مجلس الوزراء الموسع أشرح وجهة نظري فتكهربت الأجواء. وهاج المشير عامر يقاطعني مع عدد من الوزراء المصريين. أسكتهم الرئيس وقال: “اتركوا الوزير الفني يكمل كلامه”. أجاب بعد أن أنهيت: “كانت نسبة إنفاقكم على الجيش وقوى الأمن الداخلي في حدود النسبة التي أشرت إليها، وكذلك كانت نسبة إنفاقنا على القوات المسلحة كما ذكرت واحتفظنا بالأمور كما كانت”. قلت: “جيش واحد ودفاع واحد منطلق الوحدة ودعامة تطورها، ولا بد من أن نتقاسم سواسية وبنسبة واحدة أعباء الدفاع عن الجمهورية الواحدة”. وأكملت ما بدأته من الدوافع الحقيقية وراء الرغبة الجامحة لسوريا في الوحدة إنهاء الانقلابات وتسلّط الأجهزة، وتوزيع وتخفيف أعباء الدفاع، والوحدة إذا لم تُترجم عملياً بجيش واحد وحدود ودفاع موحد، فإنها عندئذ شعارات لا معنى لها!”. صخب متجدد ومحاولات لمقاطعتي والتخفيف من حدة وقع كلماتي، أعاد الرئيس القول إن لا مجال إطلاقاً لتبديل نسب الإنفاق، ويبقى ما كان كما كان.
تهريب الأموال إلى لبنان والسلع إلى مصر
كانت الأجواء العامة في سوريا مشحونة بالتوتر ومشاعر الخيبة، فقد بدأت عمليات تهريب الأموال إلى مصارف لبنان مع الوحدة، واشتدت بعد ذلك، والنقد السوري في هبوط متدرج بالنسبة للعملة اللبنانية والقطع الأجنبي، ازدادت بشكل رهيب عمليات النهب المنظم للبضائع المشتراة بالعملة الصعبة تستوردها سوريا أصولا أو معرّبة من لبنان، ُ يصدرها إلى مصر ألوف الموفدين للعمل كخبراء ومعلمين وضباط في الإقليم السوري أو يحملها تجار “الشنطة” توفدهم شركات قائمة في الإسكندرية، تشتري لهم بطاقة ركوب باخرة (الثلاثاء)، وتعطيهم مصروفهم في النزهة لمدة 3 أيام، يملؤون الشنط بكل ثمين وغير متوفر في أسواق مصر من البضائع الأجنبية للرفاه والتباهي. وهكذا استمرت سوريا تدفع بالعملة الصعبة ثمن برادات وأدوات كهربائية وأقمشة أجنبية وما إليها، لمصلحة المترفين ومصلحة التجار في البلدين. كانت تُهّرب السلع إلى مصر بالطائرات العسكرية، تباع بأرباح فاحشة أو تستخدم بتزيين الدار والزوجات والأصدقاء. صدرت تشريعات التأميم للشركات الصناعية الكبرى. عارض التأميم أصحاب الفعاليات الاقتصادية على اختلاف مستوياتهم من أصحاب المعامل إلى الدكاكين الصغيرة، وانضم الجميع إلى مالكي الأرض الذين تناولهم الإصلاح الزراعي والذي لم ُيطبق خلال الوحدة إلا في أضيق الحدود. كان في سوريا إقطاع سوري وطني بينما أصول الطبقة الإقطاعية وأصحاب الشركات التجارية الكبيرة في مصر تركية يونانية أو لبنانية سورية. وقد اشتدت الأوضاع سوءاً نتيجة الجفاف الذي أصاب البلاد خلال أعوام من عمر الوحدة، فلم يهطل مثلاً في دمشق عام 1959 سوى 75 مليمتراً بينما متوسط الهطول يبلغ عادة 250 مليمتراً سنوياً. ص (210- 211)
فترة الانفصال أيلول 1961- آذار 1963
في الفصل التاسع من مذكراته بعنوان (فترة الانفصال) يرصد بشير العظمة في مذكراته، مشهد الانفصال الذي وقع على النحو التالي: استمرت الوحدة 42 شهراً، وانتهت كما بدأت في سوريا بحركة عسكرية، قام بها نفر من ضباط قصر الحاكم أيضاً.
سمعت بعد منتصف ليل 28 أيلول 1961 رشقات أسلحة خفيفة وانفجارات أقرب ما تكون لحفلة ألعاب نارية، ومع طلوع الشمس صدر البلاغ رقم واحد. وفوجئت في ضحى اليوم الثاني للانقلاب الحائر بزيارة ضابطين مع زملاء وأصدقاء، يطلبون مني الاشتراك في الوزارة الجديدة، فرفضت معتذراً.
وتفجرت منذ اليوم الأول حرب إذاعية بين دمشق والقاهرة، تتبادلان قذائف من الشتائم والاتهامات، وتحركت في الشارع الدمشقي مسيرات هزيلة تتبدل هتافاتها ويافطاتها تبعاً لتوجهات أرقام بلاغات القيادة الحائرة.
تم الانفصال بيسر وسهولة مذهلة، وفي جميع قطاعات الجيش ومراكز القيادة مستشارون ومدربون وخبراء مصريون. تساءل الجميع: كيف نجحت الحركة الهزيلة وتمت جراحة الفصل بين الإقليمين. كيف خضعت فرق الجيش البعيدة عن العاصمة، لمجرد إذاعة البلاغ رقم واحد، فلم تقاوم أو تتردد، وقادتها ضباط ناصريون معروفون.
تحركت مع الانقلاب العسكري القيادات السياسة، وتداعت لاجتماع عُقد في دار أحمد الشرباتي، وصدر بيان عن المؤتمرين الذين يمثلون جميع الاتجاهات السياسية، إلى جانب عدد كبير من كبار التجار والصناعيين.
في البيان الذي صدر عن المجتمعين مناشدة للدول العربية والأجنبية تأييد خطوة الجيش الجبارة، وأن ينظر الجميع بجدية وتعاطف مع رغبة وإصرار النظام الجديد الذي يريد إقامة ديمقراطية حقيقية في ظل القوات المسلحة. وكنت من بين الموقعين على البيان.ودعم البيان بعد ذلك كلا من شكري القوتلي وفارس الخوري وسلطان الأطرش.
كما دعم الملك حسين وعبد الكريم قاسم حركة الانفصال وحاولا الدفاع عن الضباط الشوام. أزعج البيان مزاج عبد الناصر، واعتبره طعنة غادرة من الذين ارتموا في أحضانه قبل اثنين وأربعين شهراً. وبادر إلى الاعتراف بالكيان السوري المستقل، وقال إنه حريص على أن تبقى سوريا عربية، وليس هاماً أن تبقى إقليماً شمالياً.
كلام قومي سليم، ولكن ما جرى في الخفاء والواقع نقيض ذلك، فقد شدّدت الصحافة والإذاعة والتلفزيون حملاتها، تُثير الأحقاد بين الضباط الشوام وزملائهم في السلاح، مع اتهامات بالخيانة والعمالة والرشوة. واستمر السلطان المطعون في كبريائه لا يرتوي ولا تنطفئ أحقاده على الذين تطاولوا على المقام ولو أدى التحريض والتفتيت إلى قيام حرب أهلية.
لم تُحقق الوحدة الآمال والأحلام للذين تحمسوا لها، وكما اتفقت كلمة جميع الذين اندفعوا لقيام الوحدة، اتفقت مرة أخرى على ضرورة إنهائها.
_________________________________________
من مواد العدد الثالث من صحيفة (العربي القديم) الخاص بذكرى مرور 62 عاما على الانفصال- أيلول/ سبتمبر 2023