الرأي العام

تفاصيل سورية | المثقف الذي كسب صداقة الزعران والمثقفين والفنانين

بقلم: غسان المفلح

مع أن سنة نجاحي في البكالوريا، كانت سنة استثنائية بكل المعاني، إلا أن المرحلة الثانوية برمتها كانت بالنسبة لي مرحلة نضوج سريع، كما قال صديقي الصحفي والكاتب خليل الخليل الذي تعلمت منه الكثير رحمه الله. الكتابة عن خليل تشبه ما كتبته عن أستاذي في الصف الرابع الابتدائي الذي حدثتكم عنه. وهما في الحقيقة شخصيتان متشابهتان إلى حد كبير.

خليل من المثقفين القلائل الذين يتركون لديك انطباعاً رائعاً يجعلك تتمسك به، لأنه نموذج من البشر قلَّ أن يجده المرء في حياته كل يوم.

أكتب عن خليل الخليل لأنه من جهة من أكثر من مروا في حياتي تأثيراً عليّ، ولأنه يتمتع بشخصية خاصة لا تجدها كثيراً في مجتمعنا من جهة أخرى. الكتابة عن خليل هي كتابة عن وعيي السياسي والفكري. لخليل فضل لا أنساه.

سكن خليل جانب مطعم فلسطين بالمخيم. ذلك المطعم الشهير الذي ينبغي أن نكتب عنه لأنه تاريخ لنا جميعا، تاريخنا نحن سكان المخيم والتضامن مع الفول والفلافل والحمص، خاصة سندويشة الفلافل من مطعم فلسطين. طبعا دون أن ننسى في هذا السياق أيضا أن كل حارة تقريبا وكل قسم من أحياء التضامن والمخيم، كان فيها محل فول وحمص وفلافل.

وغالبا ما يفتخر كل ابن حارة بمحل حارته، ما عدا سندويشة فلافل مطعم فلسطين أذكر أنها كانت محط إعجاب الجميع هههه.

خليل ذاك المثقف الشاب الذي يصر على أخلاق الفتوة والجدعنة، أخلاقيات ابن البلد أو ابن الحارة. قارئ نهم، يجيد التحدث ويجيد إيصال ما يريد. كان يحمل في بعض الأحيان موس الكباس كعلامة على فتوته. لديه تشكيلة متنوعة من العلاقات. تبدأ بزعران المخيم كما يسميهم، ولا تنتهي بالكثير من مثقفي وفناني سورية، حيث كان اهتمامه بالمسرح واضحا جدا، مرورا بشعراء وروائيين وكتاب ورجالات معارضة. خليل من عرفني على أوساط مسرحية، كان آخرهم المخرج العراقي المعروف جواد الاسدي، اثناء عمله مع الفرقة المسرحية لاتحاد نقابات العمال سورية. لا أذكر عدد المسرحيات التي أخرجها جواد لهذه الفرقة. ذهبت مع خليل أكثر من مرة لحضور بروفات مسرحية في مسرح اتحاد نقابات العمال، الذي كان على ما أذكر في بداية حي أبو رمانة. كما عرفني على الممثل وفيق الزعيم الذي كان يدير ورشة تعلم فن التمثيل في المسرح في المركز الثقافي العربي بدمشق. خليل من عرفني بالشاعر السوري المعروف حسان عزت. إضافة لفنانين وغيرهم.

الأهم في غرفة خليل الدافئة، مكتبته الضخمة التي سرق بعض كتبها من المكتبات. لكنه كان يعيش علاقة خاصة مع مشروب العرق لاحقا. ربما مات بسببه، تشمع في الكبد كما عرفت لاحقا. أذكر مرة لاحقنا صاحب مكتبة النوري بعدما فشلنا في سرقة كتاب. كان من الصعب على خليل أن يوفر تلك المكتبة من مصروفه الخاص الذي كان يعطيه له والده سابقا. والده الذي كان يعامل خليل كصديق، أو حتى بعد أن عمل في الصحافة دخله لا يكفي للحصول على هذا الكم من الكتب. خليل من عرفني على الصديقات سلوى ضميرية التي كانت تعمل ممثلة في فرقة اتحاد العمال وصارت لاحقا زوجة خليل وكونت معه أسرة من طفلين منهما الممثل المعروف الآن يزن الخليل، وعلى الصحفية فرات زكريا، والأصدقاء عماد نداف وحبيب برازي والمثقف الموسوعي المرحوم سليمان البوطي وغيرهم. أغلب من ذكرتهم لا يزالوا يعيشون في ضميري ووجداني. نتحدث هنا عن نشاطات ثقافية وسياسية متنوعة انخرطنا بها، عن هروب بعضهم إلى لبنان إثر اعتقالي الاول في فرع فلسطين نهاية عام 1979.

علاقتي بخليل مرت بثلاث مراحل:

– الأولى منذ المرحلة الثانوية حتى نهايتها، حيث سافرت إلى إسبانيا بعدها. تلك المرحلة كانت حقيقة مرحلة تعلم من خليل وأصدقائه، واستعارة نهمة للكتب من مكتبته. في تلك المرحلة تشكلت كشيوعي إنما خارج كل الأطر الشيوعية الموجودة في سوق الأحزاب الشيوعية السورية آنذاك. لم أكن قد تعرفت بعد على رابطة العمل، ولكني تعرفت على المكتب السياسي (حزب الشعب حاليا) وعلى حزب العمال الثوري.  خليل هو من عرفني على تفاصيل كثيرة عن عمل النظام الاسدي.

– المرحلة الثانية امتدت منذ عودتي من اسبانيا وحتى عام 1986، وكنت مطلوبا يومها من المخابرات وهربت إلى حلب.

– المرحلة الثالثة كانت بعد خروجي من المعتقل تشرين الثاني 1999.

في هذه المراحل كان خليل حاضرا في حياتي بما تركه من أثر مميز فيّ.

أكتب عن خليل لأنه شخصية محورية في هذه السيرة السورية بالنسبة لي. هذه السيرة في الحقيقة ينقصها رأي من ذكرتهم أو من سأذكر لاحقا. ليعذروني! أتمنى ممن يقرأ هذه التموجات الروحية التي اكتبها، أن يبادر ويصحح لي. أن يعطي رأيه بي في كل مرحلة يتذكرها حتى لو كان سلبيا جدا. لأنها ربما تكون السيرة السورية لفرد أو السيرة الفردية لسورية.

عندما تعرفت على خليل كان قد خرج للتو من المعتقل الأسدي. حيث اعتقل لفترة قصيرة نسيت في الواقع سببها لكنه سياسي. كثر ممن ذكرتهم أو لم اذكرهم أعلاه جرب الاعتقال الاسدي.

من عرفني عليه صديق عابر من منطقتنا في التضامن اسمه طلال سلطان، من المقربين من خليل وقتها. وطلال شاب دمث ومثقف في وقتها بالنسبة لنا، ويكبرنا عمرا. ينحدر من عائلة من القرداحة جلها يعمل بمراكز مهمة في سلطة الأسد آنذاك. أما من عرفني على طلال فهو صديق العمر هيثم سرية الذي كنا ثنائيا في أغلب ما ذكرت أعلاه من نشاطات وصداقات، سيأتي الحديث عن هيثم في زاويا قادمة، هيثم الذي تربط عائلته علاقة صداقة مع عائلة طلال وعائلة عمه. وعمه هذا كان مشهوراً نسبياً آنذاك لأنه كان يغني في المسرح العسكري واسمه محسن سلطان.

زر الذهاب إلى الأعلى