العربي الآن

الطائفية الأسدية والإسلامية الجهادية: لماذا بقي العلويون حول الأسد حتى لحظة سقوطه؟

ما شهدناه من ظواهر بعد لحظة سقوط الأسدية لا تنم عن خوف لدى العلويين، لكن عن رفض لأي تغيير في واقع حال البلد، لأن هذه الطائفة مستفيدة رمزيا وماديا.

غسان المفلح – العربي القديم


ليس مهما ما يراه المثقف او السياسي في ظاهرة ما. بل في لحظات من التاريخ الأهم هو الموجود التاريخي في ذهن الناس والشعب السوري. يمكننا الإحالة في هذه القضية نظريا لما يسميه بيير بوروديو الحس العملي في الشارع السوري. مثال: على مدار أكثر من خمسة عقود عندما يسمع أي مواطن سوري شخصا ما يتحدث بالقاف الساحلية الريفية، اول ما يتبادر إلى ذهنه أن هذا الشخص علوي من السلطة الأسدية. تراكب الخوف مع الإحساس الجواني بالرفض، لأن السلطة الاسدية الوحشية محسوبة على هذا التكوين محسوبة على هذا الحرف.

 تماما كما يتبادر لذهن الناس خاصة من الأقليات، عندما يرون شخصا يرتدي الافغاني وذقنه طويلة أنه من جماعة بالذبح جيناكم! داعش ومخلفات تنظيم القاعدة.
في كلا الحالتين لا يعود للتنظير الثقافي أو الثقافوي العدائي أية أهمية. لأن هنالك تراكم ممارساتي أدى إلى نشوء هذا الحس العملي عند البشر. هذا إذا اضفنا بالطبع ما كانت تعمل عليه مراكز أبحاث وميديا من أجل تكريس هذه الصورة.
– ليس مهما ما يشعر به المثقف العلوي او المعارض العلوي للأسدية، المهم ما يشعر به جمهور الطائفة. جمهور الطائفة الذي لفظ منذ بداية الثورة أي معارض علوي للأسد حالي او سابق، والامثلة كثيرة. يمكن العودة لما كتبه الصديق راتب شعبو أو أحمد خليل أو نصر سعيد أو الصديق نبيل ملحم خاصة بعد حرق منزل عائلته في قريته من قبل أهل القرية وشبيحتها.
– في الإسلامية السياسية أو الجهادية أيضا وصلنا لمرحلة في بعض البيئات السنية إلى نبذ حتى مفهوم العلمانية. من الأسباب هو ادعاء الاسدية أنها علمانية. هذا ما سمح للإسلام السياسي باللعب على هذه الورقة. بعض اقربائي يرفضون أي كلمة تأتي مني لأني ملحد او علماني رغم أني معارض وقضيت كثيرا من سنوات عمري معتقل او ملاحق. أيضا رغم ما كان لديهم من نفس معارض لنظام الأسد.

 
– لكن بالمقارنة بالتأكيد السنة منقسمون وبكثرة على كافة الصعد الأيديولوجية والسياسية والأهلية حتى. بينما الطائفة العلوية بقيت متماسكة حول الأسدية حتى لحظة سقوطها. وما شهدناه من ظواهر بعد لحظة سقوطها لا تنم عن خوف إن وجد، لكن ينم عن رفض لأي تغيير في واقع حال البلد، لماذا لأن هذه الطائفة مستفيدة رمزيا وماديا. مجرد المطالبة من وجهاء وفعاليات بالعفو العام هو تعبير عن ذلك.
– لماذا هذا الانقسام في السنة وبقية مكونات سورية ما عدا الطائفة العلوية، كردا وعربا، مسيحيين ومسلمين، دروزاً واسماعيلية. لأن هذه المكونات ليس لديها رب عامل واحد، ولا رمز واحد مجمعين حوله سواء بالديمقراطية أو بكونه رب عمل. الأسد الأب صاغ النظام على أن يكون هو رب العمل الوحيد للطائفة من خلال الجيش والأمن والقطاع العام.

الطائفة لا تبنى بالخطابات بل تبنى بالمال أيضا. عليك أن تبحث عن المال في أية ظاهرة حديثة ومعاصرة. بعد المال هنالك بعد تمييزي رمزي. المواطن العلوي كان يشعر أنه مميز عن بقية مواطني سورية. هكذا الأسد نضَّد المجتمع السوري ورتبها في دوائر موالاة.
– القول إن الجريمة الأسدية بالتساوي مع بقية المكونات هذا تزوير فاضح لتاريخ سورية.
لا يوجد نظام سياسي لا يبحث عن توسيع قاعدة الموالاة لديه. ومن الطبيعي أيضا ان يجدها في بقية مكونات المجتمع، هذا أيضا جزء من ترتيبات السلطة ونظام الموالاة وطبيعة احساسه أنه نظام أقلوي. ممن يعلن ولائه بشكل كامل. لكن ما نسبة من ارتكب جرائم في كل مكون


– الإسلام السياسي والجهادي منه خصوصا يستهدف المكون السني أيضا، وكانت ضحاياه خلال الثورة معظمها من المكون السني. بينما لم يستهدف النظام إلا بعض معارضين اعدادهم قليلة جدا بعد الثورة من المكون العلوي، وحاربتهم بيئتهم أكثر مما حاربهم الأسد. اعترف ببساطة أن لدى المكون السني إشكالية تمدد الإسلام السياسي فيه. الإسلام السياسي الذي يلف ويدور على تبني عقد اجتماعي مدني. الذي يلف ويدور في قضية حقوق الانسان وتمكين المرأة. الذي لديه مشكلة مركزية وهي تتمحور حول أن المرأة لا تصلح قاضية مثلا! ولا تصلح لكثير من المهن. لكن المعضلة تكمن في أن الإسلام المسيس هذا يشعر أن أخطر ما يمكن أن يفقده سيطرته او هيمنته على الشارع السني هو إعطاء المرأة حقوقها كاملة وفق الشرعة الدولية لحقوق الانسان والتي تعتبر ثمرة نضالات البشرية منذ ولادتها. هذه الإشكاليات يمكن ان تودي بالمجتمع السوري أيضا نحو التهلكة.


– الاشكاليتان الطائفية والإسلامية السياسية، هما اشكاليتين سوريتين. كل سوري معني بهما وبمحاولة إيجاد حلول جمعية لهما. لكن هذا يتطلب الاعتراف بوجودهما أولا. على الطائفة العلوية أن تعترف بما كان لديها وبما قام به ابناءها والاعتذار عنه من الشعب السوري. هذا الاعتذار لا يعتبر ادانة للطائفة بل يعتبر جسر عبور للطائفة لكي تساهم في معركة تأسيس عقد اجتماعي مدني. كما أنه ليس الغاية ادانة الطائفة بل الغاية البدء بإنهاء ذيول هذه الإشكالية.


أيضا على الإسلام السياسي أن يتعب على نفسه ويجتهد ويعتذر عما ارتكبه بحق السوريين.
– لماذا يصير غالبية بل معظم المعارضين العلويين على مانشيت مزور “أن كل المكونات ارتكبت جريمة”؟ هذا لا يساعد بإنجاز مرحلة انتقالية لقيام عقد مدني. وتسليم كل المجرمين للعدالة. رغم أن اغلبهم يعرف أن هذا المانشيت مزور. لأنه يعرف البيئة الاسدية وحجمها وفعلها داخل الطائفة، التي ارتكبت كل هذه الجرائم ليس لأنها طائفية، بل لأن رب عملها الأسدي طائفي. لم يكن بالإمكان أن تتحول طائفة إلى طائفية بدون رب عمل، مهما كانت الأسباب المساعدة لذلك.
– الحديث أيضا عن السبب هو الخوف من الأكثرية. هذا كلام غير صحيح القصة لها علاقة برب العمل من جهة والامتيازات المادية والرمزية التي منحها لهم رب العمل من جهة أخرى. إذا اضفنا حجم الجرائم التي ارتكبت منذ بدء الثورة السورية وحتى اللحظة. حتى وإن وجد هذا الخوف فهو مركب الأساس فيه ما ذكرته أعلاه من جهة ويمكن ان يضاف إليه الواجهة الإسلامية الجهادية للاسلام السياسي. ألم يكن ولايزال للإسلامية الجهادية رب عمل؟ نعم. هو أكثر تعقيدا من رب العمل الأسدي.


في النهاية هذه مادة غايتها الحوار والتقارب من جهة، لفتح صفحة جديدة في تاريخ سورية تتناسب مع هذه النقلة الكبيرة التي حدثت في اسقاط الأسد. لا يهمني إن اتهمت بأني طائفي لكن ما يهمني مصلحة السوريين كل السوريين بدون استثناء. هنا يكمن الحل. لهذا دعوت أكثر من مرة لتشكيل وفود أهلية بين المحافظات والمدن والقرى، وتبادل الزيارات لكي يتعرف السوريين على بعضهم من جديد في جو الحرية هذا. الاعتذار سيعطي قوة رمزية هائلة كما أرى للسوريين جميعا من أجل تجاوز التركة الأسدية السوداء بأقل الخسائر الممكنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى