العائلات السياسية السورية في التاريخ المعاصر
د. عبد العزيز ديوب – العربي القديم
لتحليل نشوء وبزوغ هذه الظاهرة، على الرغم من الصعوبات التي اعترضت ظورها، خاصة أن المنطقة بأكملها كانت محتلة من قبل العثمانيين، أرى من الأهمية بمكان تحديد الأسس والقواعد التي انطلقت منها بعض العائلات السورية في اهتمامها بالعمل السياسي، ومن أهم الأفكار التي كانت سباقة ومستنيرة في مضامينها، تلك التي قدمها عبدالرحمن الكواكبي في كتابه الأول (أم القرى)، والذي تضمن أفكاراً دعوية أكثر منها سياسية، بينما توضحت أفكاره ومبادئه السياسية التي غرست الوعي لدى العائلات السياسية فيما بعد، في مؤلفه الثاني (طبائع الاستبداد)، وقد جاءت متحدية ومتجاوزة للزمن آنذاك، ويؤكد بعضهم أن ذاك المؤلَّف قد تسبب له بعداء الكثيرين من أنصار الاستبداد، فمات بالسم شهيداً في سبيل مبادئه وصراحته المدوية.
في كتابه ذاك، يؤكد الكواكبي على أن كل المآسي التي يعاني منها المجتمع من اجتماعية وأخلاقية واقتصادية سببها الاستبداد، هذا وقد توصل إلى هذه الفكرة باتباع منهج التحليل والاستنباط، وفيه انتقل من الدعوة إلى السياسة، خلافاً لما قام به الإمام محمد عبده في مصر، حيث انتقل من السياسة إلى الدعوة الدينية، هذا وقد أكد الكواكبي على أن الإصلاح السياسي هو الحل الأمثل، وفي الوقت ذاته تمنّع عن اعتماد الحل الانقلابي؛ لأنه يؤدي إلى الاستبداد أيضاً، وبذلك يرى أن قيام النخبة بتوعية أفراد المجتمع ضرورة لقيام حكم يساهمون فيه، إضافة إلى أن الرقابة والمحاسبة تعتبران ضمانة، ومنعاً لانفراد الحاكم، وأحياناً الجماعة في الحكم، وتحولهم إلى عصابة حاكمة، حتى وإن كانوا منتخبين ديمقراطياً.
لاشك بأن أفكار الكواكبي كانت سباقة، وكأنها تحاكي ما يحدث اليوم، فهو قد أكد على أهمية فصل الدين عن السياسة، أو بالأحرى عن الدولة، كما بيّن تورط مشايخ السلاطين في تكريس الاستبداد والفتوى بشرعيته.
جاءت أفكار الكواكبي بمثابة شرارة مضيئة، أنارت الطريق أمام العديد من النخب السورية من أبناء العائلات العريقة، أمثال عبد الحميد الزهراوي، وعبد الوهاب الإنكليزي، وسليم الجزائري، وعزيز المصري، وشفيق مؤيد العظم وغيرهم، حيث إنهم أسسوا جمعيات ثقافية ذات مضامين سياسية مناهضة للسلطة العثمانية منها الفتاة، والثورية وغيرها، ولما كانوا من رعاياها فقد وجهت لهم تهمة التآمر على الدولة، والتواصل مع البريطانيين والفرنسيين أعدائها في الحرب العالمية الأولى، وبناء عليه تم إعدامهم في ساحة المرجة بدمشق في السادس من أيار للعام 1916.
من هنا تعمق الوعي لدى العديد من أبناء المجتمع السوري، الذين أدركوا أهمية العمل السياسي في بناء الدولة العصرية، خلافاً لسلطنة العثمانيين المبنية على العنف والمؤامرات بعضهم على بعض… فتشكلت ظاهرة العائلات السياسية التي يتوارث أفرادها الاهتمام بالشأن العام والتصدي لقضاياه.
من أهم العائلات السورية التي تركت لها بصمات حية في التاريخ السوري:
عائلة الأتاسي
-هاشم الأتاسي
تمتد جذور هذه العائلة في أهميتها، من حيث المشاركة في الشأن العام منذ العهد العثماني، ومن أهم الشخصيات التي ساهمت في العديد من المجالات السياسية، قبل وخلال الاستعمار الفرنسي وفي ما بعد الاستقلال، هذا وقد شارك في العام 1936 بعضوية الوفد السوري، الذي تفاوض مع الحكومة الفرنسية في باريس، حيث تم التوصل إلى معاهدة الاستقلال، وبذلك تسلم مقاليد الرئاسة حتى العام 1939 فيه تقدم باستقالته احتجاجاً على نكوص الفرنسيين ببنود المعاهدة، ورغم زيارة الجنرال ديغول له في مدينته حمص إلا أنه أصر على الاستقالة.
بُعيد استقلال سورية عن السلطنة العثمانية انتخب الأتاسي رئيساً للمجلس التأسيسي، الذي توصل إلى إعداد دستور عام 1920، والذي تفوق على الدستور الفرنسي في مواكبته للعصر، وبانتهاء مهمة المجلس ترأس الحكومة، وكان من أحد البارزين في عضويتها وزير الدفاع يوسف العظمة الذي تصدى لجيش الاحتلال الفرنسي مدافعاً عن الوطن.
انتخب هاشم الأتاسي رئيسا للجمهورية في كانون الأول/ ديسمبر عام 1936 لكنه قدّم استقالته في أيار/مايو عام 1939معللا ذلك بمواصلة فرنسا مماطلتها حول الاستقلال السوري وسحب كامل الجيوش الفرنسية
بُعيد انقلاب الحناوي وإعدام حسني الزعيم، انتخب في ذات العام رئيساً للجمهورية حتى العام 1951، حيث عاد العسكر إلى سياسة الانقلابات، ومنهم العقيد أديب الشيشكلي، وفي العام 1954 عاد ثانية إلى رئاسة الجمهورية، وذلك عندما غادر العقيد سورية بعد الانقلاب عليه من شلة صغيرة من الضباط في مدينة حلب، ولم يمضِ عام على رئاسته، حتى جرت انتخابات مبكرة جاءت بالقوتلي رئيساً، وذلك في العام 1955 وفي العام 1958، حيث جرت مفاوضات الوحدة مع مصر عبد الناصر، كانت له وجهة نظر مختلفة ومخالفة لتلك الوحدة، وبذلك اعتزل العمل السياسي، ولزم منزله، إلى أن وافته المنية في العام 1961 عن عمر تجاوز التسعين عاماً.
– لؤي الأتاسي
واحد من الشخصيات المنتمية لهذه العائلة الفريق لؤي الأتاسي، والذي أصبح أول رئيس للجمهورية، إثر انقلاب الثامن من آذار عام 1963، هذا وقد شارك في ربيع شبابه في حرب عام 1948 في فلسطين، كما أنه شارك في تمرد ضباط حلب على الشيشكلي، وفي عام 1963 وتحديداً في 18تموز، حيث جرت محاولة انقلابية قادها العقيد الناصري جاسم علوان، وفشلت، وفي الوقت ذاته تعاملت السلطة البعثية مع أفراد الحركة بطرق لم يشهد مثيلها المجتمع السوري، حيث جرت إعدامات ميدانية في الشوارع، وأمام مبنى الأركان، وكان لهذه التصرفات أثر بليغ على مشاعر الفريق، مما أدى به إلى تقديم الاستقالة، لتتم الموافقة عليها فوراً، واستبداله بالفريق أمين الحافظ كواجهة بديلة.
– نور الدين الأتاسي
من الشخصيات التي شاركت في الشأن العام، والمنتمية لهذه العائلة نذكر الدكتور نورالدين تخرج طبيباً جرّاحاً من جامعة دمشق، وشارك في عداد الثورة الجزائرية برفقة بعض الأطباء، ومنهم الدكتور ماخوس، والذي تبوّأ منصب وزير الصحة بعد انقلاب 1963، وكذلك الدكتور يوسف زعين، والذي تبوّأ منصب رئاسة الوزراء، هذا وقد انتخب الأتاسي في العام 1966 أميناً عاماً لحزب البعث، ورئيساً للجمهورية، ورئيساً للوزراء، ومن قبل تبوّأ منصب وزير الداخلية، وكل هذه المناصب زادته تواضعاً، ومن أهم إنجازاته تشييد سد الفرات، وفي العام 1970 تقدم باستقالته احتجاجاً على قيام حافظ الأسد بالتطاول على الدولة، وعصيانه المستمر قرارات القيادة السياسية، ولدى انقلاب الأسد زُجّ به في السجن، ليمضي فيه 21 عاماً، حيث أُصيب بمرض السرطان، ولم تُقدم له أي مساعدة أو علاج، وقبيل وفاته أُفرج عنه بعد أن استشرى السرطان في أجزاء جسمه كافة، هذا وقد قامت عائلته بنقله إلى باريس للعلاج، ولكن المنية وافته بعد أسبوع من وصوله فرنسا.
عائلة الحوراني
لهذه العائلة جذور تمتد إلى مرحلة السلطنة العثمانية، ويمكن وصفها بالعائلة الإقطاعية، حيث إن رشيد الحوراني، وهو والد أكرم كان ملّاكاً لعدد من القرى، وهنا نذكر أهم الشخصيات التي برزت من هذه العائلة، وهي شخصية:
-أكرم الحوراني: ولد في حماة، وفي بداية شبابه التحق بكلية الطب في بيروت، ولكنه طُرد من لبنان، نتيجة لمشاركته في بعض الحركات السياسية، فعاد إلى سورية ليدرس في كلية الحقوق بجامعة دمشق، ويعمل محامياً في مدينته حماة.
قام الحوراني بتأسيس حزب الشباب الاشتراكي، والذي لاقى تجاوباً شاسعاً، وخاصة من قبل الفلاحين، وقد وزع عليهم أربع قرى من إرثه عن أبيه، مما أكسبه شعبية كبيرة على إثرها انتُخب كأصغر نائب عن مدينة حماة، هذا وقد تسلّم الحوراني العديد من المناصب الحكومية، مثل وزارتي الزراعة والدفاع، خلالها ساهم بشكل كبير في تسييس الجيش، لاعتقاده بأن العسكر سوف يساهمون في الدفاع عن الديمقراطية، كما حدث خلال زعامة أتاتورك في تركيا، وخلال تسلم العقيد الشيشكلي مقاليد السلطة وجنوحه نحو الدكتاتورية، علماً أنه كان صديقاً للحوراني، إلا أنه حاول سجنه مما أدى إلى هروبه إلى لبنان، حيث التقى بكل من عفلق والبيطار الهاربَين أيضاً، وهنا تم الاتفاق على دمج حزب البعث مع الحزب الاشتراكي، ليصبح الاسم حزب البعث العربي الاشتراكي.
شارك الحوراني في حرب فلسطين عام 1948، وكان آنذاك قومياً سورياً كاتجاه سياسي، وخلال نشاطه السياسي تميز ببراعته في هذا المجال، وخاصة خلال النشاط البرلماني، ويذكر أنه في عام 1962 قد ساهم في نجاح قائمته الانتخابية عن حماة كلها، وذلك ضد الإقطاعي عبد الرحمن العظم وقائمته، مما يؤكد على قوة شخصيته، ويذكر أيضاً بأن بي بي سي البريطانية كانت تعرف بتسميته ثعلب الشرق الأوسط، هذا وقد كان الحوراني من أشد مناصري الوحدة مع مصر، ولدى قيامها اختاره ناصر نائباً له، ولكن بدون أي عمل ليقضي في القاهرة وقته فراغاً، وكأنه سجين ولذلك تقدم باستقالته، وعاد إلى سورية عدواً لناصر وفي العام 1962 انتخب رئيساً للبرلمان السوري المنتخب، وكان عدد نوابه اثني عشر فقط، ولكن ببراعته تمكن من حصوله بالتصويت على رئاسة البرلمان، وذلك حتى انقضاض عسكر البعث برفقة الناصريين، وتسلمهم السلطة انقلابياً، وعلى الفور أدرجوا قائمة من أسماء السياسيين، ومنهم الحوراني، وخالد العظم، والدواليبي، والقدسي، وغيرهم وسميت بقائمة العزل السياسي لتصادر أملاكهم، وليهرب بعضهم، مثل الحوراني الذي سجن لفترة وجيزة، ومن ثم غادر إلى لبنان، ومنها إلى فرنسا وأخيراً إلى الأردن، حيث وافته المنية بعد أن قام بكتابة مذكراته بحوالي أربعة آلاف صفحة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن حافظ الأسد قد رفض دخول جثمانه إلى سورية ليدفن في الأردن.
– عثمان الحوراني: هو عم السيد أكرم الحوراني (1898 – 1958) وكان أديباً ومربياً فاضلاً، ساهم في الكثير من الأنشطة التعليمية ليس في سورية، إنما في بعض دول الخليج العربي وفي العراق، هذا ولم يثنِه ذلك عن قيامة ببعض الأنشطة السياسية المحدودة أبزرها التحاقه بثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941. وأثناء ثورة حماة سنة على الفرنسيين بعد قصفهم البرلمان عام 1945 كان عثمان الحوراني من أبرز المساهمين والموجهين للثوار.
– فداء الحوراني: هي الدكتورة فداء الحوراني الابنة البكر لأكرم، وهي صاحبة مشفى الحوراني في مدينة حماة، والذي كان ملاذاً آمناً للجرحى المتظاهرين خلال ثورة 2011، علماً أن فداء ساهمت في ربيع دمشق، وفي كل المنتديات التي انتشرت لفترة وجيزة من الوقت، حيث قامت أجهزة أمن النظام باعتقال المشاركين ووأد هذه التجربة، والتي مهدت لقيامها الأجهزة الأمنية بهدف القضاء على أي نشاط سياسي مستقبلي، ليتسنى للنظام السيطرة المطلقة على البلد، هذا وقد تعرضت فداء للاعتقال والملاحقة بعد الإفراج عنها، مما اضطرها للهروب في العام 2013 بعد أن تم تدمير المشفى كاملاً.
عائلة الجندي
تمتد جذور هذه العائلة في مدينة السلمية التي كانت تحت سيطرة الإقطاعيين، والولاء للسلطة الدينية متمثلة بالآغا خان، وخلال الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي قام السيد محمد الجندي مع ثلة من أصدقائه بالتصدي لسلطة الإقطاع، وكان من أبرز أولاده الذين مارسوا العمل السياسي:
– الدكتور سامي الجندي: تخرج كطبيب أسنان من جامعة دمشق، وشارك في تأسيس حزب البعث، وفي العام 1963 تبوّأ منصب وزارة الإعلام ومديرية الإرشاد، التي أصبحت في ما بعد وزارة الثقافة، كما أنه كُلّف في أيار 1963 بتأليف الوزارة، وخلال تلك الآونة وجد نفسه بعيداً عن السياسة التي لم يعد لها لون حقيقي، وعليه تم إرساله إلى فرنسا سفيراً لسورية، حتى إلى ما بعد انقلاب الأسد الذي أقاله على إثر كتاب من تأليفه، وقع مقدمته الملك حسين، ومن مؤلفاته العديدة الأعمال الكاملة والبعث، وعرب ويهود، وأتحدى وأتهم وغيرها، ولدى إقالته غادر إلى لبنان هروباً من سجن محقق، وذلك حتى العام 1982 لدى وصول قوات شارون إلى بيروت، مما اضطره للهروب خوفاً من الأسر، وعندما وصل إلى الحدود بلا أي وثيقة تثبت شخصيته، طلب أن يتم السؤال عنه من قبل حافظ الأسد الذي أوعز من خلال مدير مكتبه بدخوله سوريا، ليستقر في مدينه السلمية ويمارس طب الأسنان من جديد وذلك حتى وفاته.
– خالد الجندي: هو أحد أبناء السيد محمد الجندي، وفي بداية انقلاب 1963 تم انتخابه رئيساً لاتحاد نقابات العمال، حيث ساهم بشكل كبير في بناء الاتحاد من جديد، ليصبح مؤسسة نقابية قوية، وفي العام 1967 وبعيد الهزيمة، وانسحاب الجيش كيفياً أصبحت دمشق بلا حماية، وهنا وجد نفسه وحيداً، حيث إن القيادة السياسية هربت إلى حمص؛ ولذلك قام بحماية دمشق من خلال المؤسسة العمالية التي قام بتشكيلها من قبل، وكما ذكر لي شخصياً بأن إذاعة وتلفزيون دمشق كانا تحت حمايته، وأنه كان قادراً على إعلان بيان رقم واحد، وتسلم السلطة الفارغة، وعندما عادت القيادة إلى دمشق، وتمكن حافظ الأسد من السيطرة على الجيش، لم ينسَ خالد الجندي الذي كان منافساً له في التسمية، حيث إن الجميع كانوا ينادونه باسم (أبو سليمان الأول) وحافظ بالثاني، وبذلك كان حقده شديداً على خالد، فدبر له تهمة أودت به إلى السجن، وعند الإفراج عنه غادر هارباً إلى تونس، حيث أصبح في ضيافة اتحاد الشغيلة التونسي إلى أن توفي ودُفن هناك.
– علي الجندي: وهو أيضاً أحد أولاد السيد محمد، ولم يمارس العمل السياسي كشقيقيه، إنما كان شاعراً عظيماً، وفي عام 1969 اتهمته السلطات البعثية بنقل وصية العقيد عبدالكريم الجندي، والتي اتهم فيها الأسد بالخيانة، وتهريبها إلى الصحف اللبنانية، حيث سُجن لفترة وجيزة، وأُفرج عنه، ولم يمارس عملاً سوى كتابة الشعر.
– العقيد عبدالكريم الجندي: هو ابن شقيق السيد محمد الجندي، وقد انتسب للكلية الحربية، وأصبح ضابطاً في سلاح المدفعية، وخلال الوحدة تم إبعاده إلى مصر مع بعض الضباط غير الموالين لناصر، وهنا ساهم في تشكيل اللجنة العسكرية مع عمران، والأسد، وجديد، والمير، وعاد إلى سورية بعد الانفصال عن الوحدة، وعاد أيضاً للجيش كقائد لكتيبة المدفعية، حيث ساهم في عام 1963 بعملية الانقلاب بكتيبته، وأصبح وزيراً للداخلية، وفي أعقاب حركة شباط من العام 1966 أصبح وزيراً للزراعة، ومن ثم مديراً لمكتب الأمن القومي، خلال ذلك قام بالتعاون مع جهاز المخابرات السوفييتي، حيث تمكن من تقوية جهاز المخابرات السوري إلى أن اشتد الخلاف بين الأسد وجديد، حيث وقف الجندي إلى جانب جديد، علماً أنه كان قادراً على اعتقال الأسد، ولكن جديد لم يسمح له وأخيراً وفي آذار من العام 1969 تم قتله من قبل سرايا رفعت الأسد، بعد تعرضه لجملة من المضايقات من قبل الأجهزة الأمنية الموالية للأسد، وكما ذكر من قبلهم أنه انتحر بعدة رصاصات في رأسه، هذا وقد انتحرت زوجته بعد شهر من وفاته، وهنا تجدر الإشارة أنه لم ينجب أولاداً، وأنه أوصى بالتبرع بمنزله البسيط، والذي لا يملك سواه لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما أنه اتهم في وصيته التي نشرتها صحيفة (النهار) اللبنانية بعد وفاته حافظ الأسد بالخيانة العظمى.
عائلة العظم
لهذا العائلة امتداد طويل في السلطنة العثمانية، حيث تقلد العديد من أفرادها مناصب كولاة على عدة بلدان، ومن أهم وأبرز أفرادها خالد العظم، والذي لُقب بالمليونير الأحمر، نظراً لقربه من الفلاحين والمزارعين وتواصله مع الاتحاد السوفييتي.
– خالد العظم: هو من مواليد دمشق، وابن أسعد باشا العظم، درس الحقوق وامتهن المحاماة، وأتقن عدة لغات، وفي العام 1935 أصبح وزيراً للخارجية، وفي عام 1941 رئيساً للوزراء، ورئيس دولة بالوكالة، وبعيد الاستقلال أصبح وزيراً للعدل، ليصبح بعد عامين رئيساً للوزراء، وفي العام 1949 تم اعتقاله، إثر انقلاب الزعيم وبعد الإطاحة به من قبل العقيد الحناوي، وإعدامه، عاد العظم إلى رئاسة الوزراء، ومن أهم إنجازاته تأسيس المصرف المركزي السوري، والجمارك، ومرفأ اللاذقية، وسكك الحديد لربط المحافظات في ما بينها، هذا وقد تنحّى عن الرئاسة، ليصبح في ما بعد وزيراً للدفاع، وذلك في العام 1954 وفي بداية العام 1958 رفض التأييد للوحدة مع مصر، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه تبوّأ منصب رئاسة الحكومة في العام 1961، لدى قيام العسكر بانقلاب على ناصر وفسخ الوحدة، ويعود الفضل إليه في تشييد صوامع الحبوب، وفي بداية انقلاب آذار 1963 تم تجريده مع آخرين من الحقوق المدنية، وعليه قام بالهرب إلى بيروت، حيث توفي فيها عام 1966.
– د.صادق جلال العظم: أستاذ جامعي وكاتب ومفكر ولد في دمشق عام 1934، وله عدة مؤلفات في مجال الأدب والفلسفة، ومنها (نقد الفكر الديني)، وخلال تواجده في بيروت تقدم مفتي لبنان بشكوى ضده، مما أدى به إلى السجن لفترة محدودة، أفرج عنه بواسطة وزير الداخلية آنذاك كمال جنبلاط، وجاء قرار المحكمة برفض الدعوى.
واكب العظم ثورة 2011 منذ بدايتها مدافعاً عنها، مما جعله مطلوباً من مخابرات النظام؛ ولذلك هرب إلى ألمانيا، وفي ما بعد قام بالتدريس في جامعات أمريكية عدة منها في نيويورك وبوسطن وغيرها، وأخيراً وافته المنية ودفن في ألمانيا في العام 2016.
لاشك بأن عائلات سياسية أخرى تعيش في سورية، ولم يرد ذكرها أو الحديث عنها، ليس إهمالاً لها أو التغاضي عن أنشطتها، إنما ورد هذا المقال مبيناً ولافتاً النظر إلى بعض العائلات وليس جميعها.
_________________________________________
من مقالات العدد الرابع عشر من (العربي القديم) الخاص بالأسر السياسية في التاريخ السوري – آب / أغسطس 2024