أنا من خيمــة ١٣
عبد الرزاق الحسين
في زيارة قام بها الدكتور معين حيزة إلى مخيم الزعتري، سأل طفلا من أين أنت؟ أجابه الطفل: أنا من خيمة ١٣.
لن أصف حجم الألم والصمت الذي لازم الدكتور معين، لقد توقف الزمن فلا رجعة للذل ولا أمل في القادم. كيف مر شريط الذكريات المؤلم والقاتل مترافقا بذل وقهر واجرام. ماذا يعني وطن لنا ؟ فكيف بذلك الطفل الذي لايعرفه وقد لا يعرفه او يحسه او يتخيله، حتى في انعدام تعليم وقراءة وكتابة. لقد غاب المعنى رمزية وواقعا.
مستقبل غامض، بلا ضوء في نهايته. قد لا يبصره الرضيع حتى وفاته، فقد بات الشاغل والشغل خيمة ورغيف خبز وعلبة دواء وقد لا يتوفر الكفن ولا القبر، كما في لبنان. لقد انتهى أو قارب انتهاء الطيبين في تبرع قطعة أرض للدفن.
كانت الغربة قاتلة وقد عاشها أدباؤنا الأوائل في الأمريكيتين. رغم قساوة الغربة ظلت قلوبهم ومشاعرهم متعلقة في الأرض والتراب وتجلت في مدرسة شعر الحنين التي عرفت بأدب المهجر… فكل ما كان يتمناه المغترب عودة ولو في تابوت لتحتضنه أرض وطنه (وعودوا بي إلى حمص ولو حشو الكفن) كما قال الشاعر السوري نسيب عريضة.
اليوم نحن مغتربون.. وقد ينتابنا هذا الشعور وبات مستحيلا تحقيقه. فكيف بذلك الطفل الذي لا يعرف وطنا له إلا خيمة.
كانت الخيمة عند البدوي مأوى لكن كانت كل الأرض موطنه يتنقل، يستقر، يلاحق المراعي والمياه، وطنه لا متناهٍ، ووطن السوري اليوم رقم خيمة او تصريح ينتهي بضغطة زر. تضيق الدنيا بما رحبت فلا جواز سفر فاعل ولا بلد مستضيف. تغلق الأبواب وتتعلق القلوب في السماء. كنا نقول تغريبة فلسطين واليوم قد نقول فناء السوري.
في المنظور القريب والبعيد، لا طوق نجاة ولا أمل في منطقة يعاد صياغتها جغرافيا وعرقيا واثنيا وفق رؤوية إسرائيلية أمريكية. أرض مستباحة ودم رخيص ودول صامتة لا حول لها ولا ركز.
فقدت المفردات والجمل معانيها وبتنا في جهل واستلاب إرادة. غابت الرؤية فهل وهل من رشيد… أم فات زمن المعتصم وحلبت من استجارت به بولد من أعجمي لقيط.