العربي الآن

رجل الأعمال في مقعد الدولة: لماذا لا أُرحب بهذه الوصفة؟

رجل الأعمال نرجسي بطبعيته، تحركها دوافع المغامرة، ويعتمد في قراراته على حدسه وخبرته في اقتناص الفرص

بلال الخلف – العربي القديم

ظهر رجل الأعمال السوري ذو الأصول الإدلبية في مقابلة تلفزيونية مؤخراً على تلفزيون سوريا الممول قطرياًَ ليدلي بدلوه في شؤون الحكم والإدارة والبناء والاقتصاد والنموذج السينغافوري. ولن أكون في هذا المقال بصدد التخوين أو الهجوم، فالرجل مشهود له بالأيادي البيضاء والمواقف الوطنية المشرفة. لقد عبّر عن رأيه، وهذا من أبسط حقوقه، بل من مكتسبات ثورتنا التي خرجت في الأصل لتنادي بالحرية، وفي مقدمتها حرية التعبير.

لكن، وبينما انتشرت الشائعات مسبقاً عن احتمالية تعيينه رئيسًا للوزراء، لم أستطع أن أُخفي تحفظي، بل أقولها بصراحة: لم أرحب. وأود هنا أن أشارك القارئ، الذي أظنه غزير الاطلاع، برأيي المتواضع عن سبب تحفظي، ولماذا — في نظري — لا تنجح هذه الوصفة في بيئتنا العربية، رغم نجاحها الظاهري في دول أخرى.

رجل الأعمال بطبيعته شخصية نرجسية، تحركها دوافع المغامرة، ويعتمد في قراراته على حدسه وخبرته في اقتناص الفرص، حتى وإن كان محاطًا بهيكلية إدارية ومجالس إدارة. الربح له، والخسارة أيضًا تقع عليه، وهذا ما يجعله أكثر جرأة في اتخاذ قرارات ربما لا تُقبل في ميدان السياسة.

لكن، حين ينتقل رجل الأعمال إلى رئاسة الوزراء، فإن قواعد اللعبة تختلف. النجاح يُنسب لشخصه، أما الفشل فتتحمله الدولة وشعبها واقتصادها. وهنا يكمن الخطر.

خذ مثالًا من الولايات المتحدة: دونالد ترامب، رجل أعمال أيضًا، قفز إلى مقعد الرئاسة واتخذ قرارات وصفت بالجنون، منها رفع الرسوم الجمركية إلى مستويات قياسية. ورغم فوضوية بعض قراراته، إلا أنها أتت أُكلها. لماذا؟ لأن أمريكا تملك المقومات: اقتصاد ضخم، إعلام مهيمن، مؤسسة عسكرية لا تُضاهى، وسيادة سياسية لا ينافسها فيها أحد.

لكن، تخيل لو صدر قرار مشابه من رئيس وزراء في دولة منهكة بالعقوبات، كحال سوريا؟ النتيجة المحتومة هي الانهيار، لأن الجرأة في اتخاذ القرار ليست كافية عندما تكون الدولة نفسها عاجزة عن تحمل نتائجه.

رجل الأعمال يحتاج بيئة صلبة، واقتصادًا متنوعًا، ونظامًا سياسيًا مستقراً، ليترجم أفكاره إلى نجاحات. أما في دولنا، حيث العقوبات تخنق الاقتصاد، والسياسات مهترئة، والإعلام لا يملك تأثيراً خارج الحدود، فإن القفز فوق الواقع بمغامرات اقتصادية هو ضرب من العبث.

لهذا، لا أرحب بأن يُسلَّم زمام الدولة إلى من تعود أن يقيس الخسارة والربح من ميزان جيبه، لا من نبض الشارع.

لا أكتب هذا المقال تقليلاً من أحد، ولا رغبة في التشكيك، بل بدافع الحرص. فبلادنا ليست حقل تجارب، وشعوبنا لا تتحمل كلفة قرارات مرتجلة. رجل الأعمال ناجح في مضمار السوق، لكن الدولة تحتاج عقلاً سياسياً، يدير شؤونها بحسابات دقيقة، لا تُقاس بالمال فقط، بل تُوزن بميزان التاريخ والمستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى