أرشيف المجلة الشهرية

حماة: قراءة تاريخية وإنسانية

العربي القديم – دوّنها سعد فنصة

لم تكن تلك البقعة الخضراء التاريخية التي أُطلق عليها اسم حماة؛ لاعتبارات دفاعية، لتنأى عن تاريخها البعيد  (حامات) بالآرامية، أو(حمث) وتعني الحصن، ويُعتقد أنها كانت خط الدفاع الأول، حين احتلها الملك تحتمس المصري، وسجل على جدران معابده الجزية الكبيرة التي نالها، والذهب الوفير الذي غنمه منها، ومن محاصيلها، في بداية النصف الأول من الألف الثاني، قبل الميلاد، وبعد أقل من مئة عام، أعاد رعمسيس الكرَّة بالزحف على سوريا، وعند تخوم حماة وقفت جيوش جرارة من الحثيين، جُمع جنودها المدافعون من قبائل البدو والممالك السورية الحثية، وغرق العاصي بالدماء إذ أُزهقت أرواح كثيرة، في هذه المعارك التي امتدت لحقبة تاريخية طويلة، إلى أن تم الإعلان عن معاهدة السلام، بعد مرور قرون على بدء الصدام الحثي الفرعوني، باسم معاهدة قادش الثانية عام 1270 ق.م، بين “رمسيس الثاني” و”مواتللي الثاني”، إذ سبقتها على ما يبدو نصوص لمعاهدات أخرى، عُرف عنها ممّا سجله المدونون على جدران معبد “الكرنك”، و”أبو سمبل”، ورسائل “تل العمارنة” المكتشفة في  الموقع ذاته عام 1887 ميلادي. 

حماة مدينة غنية عبر التاريخ، بجناحيها الغربي المطلّ على سهل الغاب الخصيب، بتنوع مزروعاته، والشرقي باعتباره مراعي البادية، بما توفره من ثروة حيوانية وما ينتج عنها، ويتفق المؤرخون بأن حماة واحدة من أجمل مدن العالم القديم بخضرتها، ومزارعها ووفرة محاصيلها. كانت مزارع الزيتون الشهيرة تصل بتجارة زيتها إلى السواحل الجنوبية للخليج العربي، وكل حوض البحر الأبيض المتوسط، ولا تخلو قرية من الريف الحموي من معاصر الزيتون، ومخازن الزيت في جراره الفخارية الضخمة ومستودعاته التي اكتُشفت آثارها عبر التاريخ .

إضافة إلى نواعيرها الضخمة، والتي منحت، عبر العصور لهذه المدينة الخالدة بريقاً، وهوية لا يضارعها في ذلك أي بقعة أخرى تشابه هذه الواحة المروية التي التي تنقّي غبار رمال الصحراء، عند هبوبها من الشرق، وترطّب أجواءها. لقد كانت حماة بمنزلة بستان كبير موزَّع، على مجموعة من المرتفعات الصغيرة، تتوسطه قلعتها التي فُقدت كأبوابها، وأسوارها التاريخية الأربعة عشر، ولم يتبقَ منها، سوى خيط معماري صغير طوله 15 متراً، بعد أن أُزيل، عبر مراحل منفصلة، وكنيستين متبقيتين داخل حرم المدينة السكنية، وأزقة قليلة، ومساجد متنوعة، وعريقة تحفُّ على جانبي سرير نهرها العاصي الحدائق الطبيعية، متحدياً في اسمه وسريانه أحد أشهر قوانين حركة الأنهار، حيث ينبع من الجنوب، ويصب في الشمال، عاصياً بذلك نظاماً طبيعياً عُرف قديماً، عن طبيعة سريان الأنهار في بيئة تُعدّ الأجمل في بلاد الشام، بعد غوطة دمشق، قبل أن تأكلها غابات الإسمنت والأسفلت، ولا يضارعه في عصيانه سوى نهر النيل العظيم!

يقول ابن قرناص :

           وحديقة غناء ينتظم الندى     بفروعها كالدر في الأسلاك

                         والبدر يشرق من خلال غصونها

                         مثل المليح يطل من شبـــــــــــاك

ويقول ابن حجة الحموي في عاصيها:

وعاص رحيب الصدر قد خرّ طائعاً    ودولابه كالقلب يخفق بالصــــــــــدر    

قد أشبه الخنســـــــــاء نوحاً وأنة       وها دمعه قد جاء يجري على صخر

فيا جيرة العاصي اذا ذقت مـــاءكم     أهيم كأني ثملت من الســــــــــكر

لولا بقايا طعمه في مذاقــــــــي     لما ظهرت هذه الحلاوة في شــعري

ولعل قلة قليلة من العامة مطلع على أهمية المكتشفات الأثرية في حماة وريفها، بأنها كانت موطناً مبكراً لسكن إنسان العصور الحجرية، سحيق القدم، وبالقرب منها تم اكتشاف أولى الأدوات الصوّانية التي نحتها إنسان العصر الحجري القديم، والمسمّى (الهوموأركتوس – الإنسان المنتصب القامة) 1والذي ظهر لأول مرة، خارج القارة الأفريقية، واستوطن حوض العاصي في موقع “اللطامنة”، حيث تم اكتشاف مجموعات من الفؤوس الحجرية، والأدوات الصوانية، التي صنعها إنسان تلك الحقبة التي تعود إلى ما قبل مليون سنة من الآن، إذ قدم هذا الموقع أولى الدلائل على الاستيطان البشري الجماعي خارج القارة الإفريقية.

أما آخر أعمال الكشوفات الحديثة التي جرت في موقع “القرماشي” القريب لحماة، يؤكد مرة أخرى، على أهمية حوض العاصي في الأبحاث الجديدة كلياً، في علم آثار العصور الحجرية، والتي جرت بين الأعوام 2004-2009، لتدلل على شواهد جديدة لاستيطان بدائي يعود إلى نحو نصف مليون عام من اليوم.

كانت حماة تتصف ببعض الصناعات النسيجية الشهيرة التي كان يُقبل عليها البدو، وأنواع خاصة من الحرير الذي كان يُصدّر إلى الأناضول. اجتمعت فيها طبقة تجارية صغيرة، بالإضافة إلى شريحة مثقفة، لها طابع ديني محافظ على قيم وتقاليد الأسلاف، امتلك بعضهم مكتبات، ومخطوطات نادرة أُحرق النفيس منها، بعد أحداث عام 1982، كما روى لي بعض شهودها، أمّا المزارع المحيطة فيها، فكان أكثرها مُلكاً للعوائل الخمس الأشهر في حماة، وهي: العظم والكيلاني والبرازي وطيفور والشيشكلي.

كان لبعض عائلاتها فروع عبر التاريخ في دمشق،  تنتسب إليها بحكم القربى، وترتبط بأوشج الصلات العائلية والمصاهرات، حين لم تكن الصلات عائلية، كانت معاملاتها حافلة بالعلاقات التجارية والزراعية والمالية، ولعل أبرزها في ما بعد السياسية، حتى إن اللهجة الحموية لا تشابه أي لكنة من اللهجات المحيطة بها، فهي بعيدة جداً عن اللهجة الحلبية، ومختلفة عن اللسان الحمصي الذي يَقْرُب منها بالمسافة، وتتقارب أكثر مع اللهجة الدمشقية، ومن بين دور العائلات الحموية العريقة التي يمكن تصنيفها بالبرجوازية الصناعية والتجارية، كمثال ليس للحصر، والتعداد كان: آل شاكر، والشواف، والحبال، والخاني، والزعيم وغيرهم، ومن العائلات الدينية  المتوارثة التي لعبت أدواراً متفاوتة كان منها: آل مراد والحامد والجابي وحوا، وغيرهم وأخيراً السياسية : كان لآل الحوراني والشيشكلي والعظم والبرازي، أدوار بالغة الأهمية والخطورة، في تاريخ سوريا قديمه وحديثه، حتى رأس الهرم السياسي والقيادي لعموم البلاد، وبعض هذه العائلات كانت من المحيطين بالساحة عند باب طرابلس الذي لم يزل قائماً إلى اليوم، في حي المحالبة، حيث كان فرسان حماة يستعرضون جيادهم المطهّمة في المناسبات والأعياد، خصوصاً العشيرة “البرازية” التي استوطنت الحي ذاته، بالقرب من باب طرابلس في حي الجسر السكني.

ومن العائلات المسيحية العريقة: مرهج، وكركور، وكلاس، والبني، وسمعان، ونصور، وغيرهم الكثير، مما لا يتسع المجال لتعدادهم[1].

 كان الفرز العائلي في حماة يتصف بالتفاوت الطبقي التمايزي، عند العائلات المالكة الأشهر بين صنفين، من المجتمع الأسري الذي تحكمه قواعد صارمة، وشديدة البأس بقوة الاختلاف، مع الريف الحموي في منطقة عُرفت بغزارة محاصيلها، ضمن نظام زراعي وراثي  تتخلله حالات من العنف كانت تودي بأحدهم، أو أكثر إلى الموت، في لحظات الغضب والانفعال الحموي المعتاد، حول قضايا الإرث، أو الشرف والصراع على الأرض، أو الكلأ أو حقوق الري بين مالك الأرض وفلّاحيه، وأحياناً بين العوائل المتنافسة ذاتها على النفوذ السياسي والوجاهة التي كانت ترسم حدود العلاقات، بين الأسر المتنافسة، ظلالها الثقيلة على مجلس المبعوثان العثماني، ثم على البرلمان السوري اللاحق، تحت وقع آثام الدولة الوليدة للانتداب الفرنسي الذي رُكب عنوة فوق رؤوس السوريين، بقرار أممي بعد عامين على المؤتمر السوري العام، والذي نشأ في كنف الحكومة الفيصلية العربية الأولى 1918 .

الحركة الوطنية ورجالاتها

تعود نشأة الحركة الوطنية في حماة، إلى مرحلة مبكرة، من أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث انخرط نخبة من الشباب الحموي المتعلم في دمشق، والآستانة، وبغداد، وبيروت، في النضال الوطني الذي كان له بحكم وجاهة الإقطاعيات العائلية الغنية آنذاك هيبة وزعامة لم تكن فقط؛ بسبب الغنى المالي فحسب، بل كان مردّه أيضاً للمقدرات العلمية والخبرات الإدارية التي أُتيحت أمامهم، خلال الحكم العثماني، ونُميت إلى بعضهم، لتتبوأ قيادات شعبية عارمة في حماة، اتسعت لتشمل بلدات ومقاطعات، ومناطق أخرى من بلاد الشام.

كان في مقدمة هؤلاء “نجيب آغا البرازي”[2] 1877 – 1967 الزعيم الحموي الشهير، والذي استقبل الملك “فيصل”، خلال زيارته لحماة، مع نخبة من وجهاء الأحياء، والزعامات التقليدية عام 1918، وصالح قنباز 1885 – 1925 أحد أعضاء حزب الشعب البارزين الذي أسسه “عبد الرحمن الشهبندر”، قبل اندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925، والتي استُشهد فيها وفقدت حماة بفقدانه سياسياً، وأديباً مثقفاً فذاً، من مؤسسي مجمع اللغة العربية مع رائده الموسوعي “محمد كرد علي”، و”عثمان الحوراني” 1898 – 1958، أبرز رجالات حماة ومؤسس جمعية (العروة الوثقى)، وكان له في سلك التعليم أيادٍ بيضاء، كما يذكره جيله، وجهاده الطويل، في سبيل مبادئه التي آمن بها، و”توفيق الشيشكلي”[3] 1884 – 1940 طبيب العيون الأشهر الذي صار علماً في صباه، خلال مساهمته في الحركة العربية، وأصبح زعيم حماة بلا منازع، إضافة إلى امتلاكه كاريزما جاذبة تأخذ بالألباب، حتى غدا واحداً من أعلام العرب البارزين، سمّي بيته في حماة (بيت الأمة)؛ لكثرة مرتاديه من أصحاب العلم والنضال الوطني، وانضم إلى حركة الشباب الحموي عدد من رجالات حماة المتنورين، أمثال: المحامين “رئيف الملقي”، و”مصطفى الحوراني”، و”محمد البارودي” وغيرهم .

لم يكن رجالات حماة كلهم من المتنورين وبلغاء الكلم، لقد كانت الشرائح الأكثر غلبة في الشارع الحموي، ولاتزال وارثة أحقاباً من الظلامية الدينية، والفكر الغيبي المتحجر، والممسك بأذيال المرجعيات الدينية المغلقة، إلا أن ظهر من بينهم أصوات تُعدّ بحق ثورية، في الخروج من بوتقة الفكر الديني، ومرجعياته المتشددة متأثرين بفكر “محمد عبدو”، و”جمال الدين الأفغاني”، و”عبد الرحمن الكواكبي”، ولا يمكن إغفال أن هذه الشريحة من رجال الفكر الديني المتنور في سورية، عند تلك المرحلة، كان بعضهم – ولا أدّعي غالبيتهم- تلاميذ نجباء للتنوير، فكان الشيخ “حسن رزق” 1873 – 1912 أحد أبرز هؤلاء الذي تجاوز بدراساته المحرَّم من فكر، وأدب رهين المحبسين “أبو العلاء المعري”، وسُجن إخلاصاً لمبادئه، بعد هياج العامة على أفكاره، ومُنع الناس من مخاطبته أو مجالسته، وقد أنشأ مجلة (الإنسانية) عام 1910، فكانت منبراً حراً للأفكار الواعدة والجريئة، وكان الشيخ “محمد سعيد زهور عدي” 1887 – 1980 من الذين نادوا بتعليم المرأة في مرحلة مبكرة، مع صاحبه الشيخ “أحمد الصابوني” 1875 – 1916 مؤسس صحيفة (لسان الشرق) 1908، وأحد دعاة الإصلاح والنهضة، إذ كتب الشيخ “عدي” في صحيفة هذا الأخير مآثر أدبية يقول فيها :

“عليكم يا دعاة العلم فرض، فأدوا ما عليكم للبنات … فما فسدت خلائق كل شعب بشيء غير جهل الجاهلات “.

كان ذلك في مجتمع يقوم (بخرطشة) بواريده العثمانية، عندما يُذكر مجرد ذكر أي نبأ عن حريمه ومُحْرماته .

كذلك الشيخ “سعيد الجابي” 1879- 1948، والشيخ “محمد الحامد” 1910-1969، والشاعر الشهير بدر الدين الحامد، والطبيب الشاعر وجيه البارودي، كل هؤلاء وغيرهم، ممن لا يتاح المجال للتوسع في إيراد نشاطهم في البيئة الحموية التي أشارت كثير من الأقلام إلى تطرّفها الديني، إلا أن بعض رجالاتها الأفذاذ، بلا أدنى ريب كانوا عمالقة وقفت أسواراً عالية في وجه الخرافة الدينية والتطرف، وتردي المجتمع، كما كان لمسيحيي حماة، وبقية الطوائف الأخرى شأن في الحياة والنشاط الحموي، وان كان بدرجة أقل، ولكنه كان حضوراً وطنياً، وإنسانياً فاعلاً، إذ كان مسيحيو حماة السريان يتوزعون على القرى القريبة التي يمارسون فيها أعمالهم الزراعية، وصناعاتهم الخفيفة، كمحردة، والصقيلبية، وبقية مدن وقرى الغاب، وكانت أطيب الصلات تربطهم بأخوتهم المسلمين، من رجال دين، وبعض شرائح المجتمع الحموي المختلفة، أسوة بغالبية المدن السورية، وكانوا أحراراً في اختيار مساكنهم وأعمالهم، وأرزاقهم… أمّا حوادث العنف فكانت نادرة، وإن حدثت، لايمكن نكرانها إلا أنها كانت تُطوّق فوراً، من قبل العقلاء والزعامات الوطنية، أوالمرجعيات الدينية.

 وكان من أهم الوجوه المسيحية الوطنية الحموية، التي لعبت دوراً بارزاً في الحركة الوطنية، المطران أغناطيوس حريكة[4]، والنائب فريد مرهج، والدكتور أديب نصور، وخليل الكلاس، وغيرهم ممن لا تحضرني الذاكرة لتذكر مجاميعهم. ولا يمكن إغفال الثقافة الدينية المتوارثة في غالبية مدن الشام تاريخياً، المناهضة  للتشدد، والموائمة لحماية الحرية الدينية لأتباع الطوائف الأخرى، قبل تدخّل القوى الأوربية، وممثلي بعثاتها القنصلية، والأدوار التي قامت بها دونتها وثيقة الوالي العثماني، والصدر الأعظم “مدحت باشا” في رسالته الشهيرة إلى السلطان “عبد الحميد” في العام 1889، والتي فصّلت  الأوضاع الاجتماعية والسياسية الدائرة آنذاك بنفاذ عقل، ودهاء سياسي، في كل الشام[5].

ولكن حماة في ما بعد، وفي غفلة من الزمان وفد إليها جيل آخر، من حملة الشعارات، جاء بنوع فريد من أشكال القمع السياسي، والعقاب الجماعي، والنظم الأمنية القهرية، وجعل منها أمثولة الخوف والموت، لكل السوريين على مدى عقود، من حكم البعث، ثم الطائفة، ثم الأسرة، وهو ما ستكشفه وتوثّقه شهادات، وأقلام السادة الكتّاب في الصفحات القادمة.   

ولن أجد مقتطفاً أجمل من هذه التورية كتبها الزعيم فارس الخوري عن حماة عام 1932 قال فيها:

حماة بها عز العروبة والندى …………..  لها في مضامير الجهاد مفاخر

بها من أطاع الشعب نال كرامة …….. وفيها على العاصي تدور الدوائر“.

ولهذين البيتين قصة لطيفة، يمكن للباحث عن فحواها أن يجدها كاملة في أي محرك للبحث على الشبكة العنكبوتية.

هوامش:

  •  يحوي متحفا دمشق وحماة، في جناح ما قبل التاريخ أقدم الفؤوس، والأدوات الحجرية التي اكتُشفت بالقرب من حماة لإنسان (الهومو أركتوس)، تعود بصناعتها وتشذيبها الى ما قبل مليون عام .
  • معلومات عن التموضع العائلي الحموي أفاد بها السيدان: صفوح البرازي، ونورس طيفور، اضطررت إلى اختصاره، وذكر أمثلة أسرية منه .
  • نجيب آغا الباكير البرازي، وهو أيضاً خال أديب الشيشكلي:  سياسي مخضرم واقتصادي ناجح ولد في حماة ودرس فيها.  عين مستشاراً لبلدية حماة 1910، ومستشاراً لدى مجلس الولاية بين عامي 1911 و1915. نفته السلطات التركية إلى الأناضول بسبب نشاطاته الوطنية، وبقي هناك من عام 1916 إلى 1918 حين عاد إلى سوريا بعد خروج الأتراك منها .أصبح رئيساً لبلدية حماة، وأنجز العديد من المشاريع الخدمية الهامة، وبقي في هذا المنصب حتى عام 1925، حين سجنته السلطات الفرنسية بتهمة إثارة ثورة حماة التي دعمت الثورة السورية الكبرى في دمشق وجبل العرب. شارك في تأسيس الكتلة الوطنية عام 1932، وكان واحداً من أبرز قادتها، وتسلم رئاسة فرع مدينة حماة. انتُخب نائباً عن حماة لثلاث دورات أعوام 1932 و1936 و1943.  كتب عنه المرحوم خالد العظم في كتابه، في القسم الذي تحدث فيه عن الرئيس شكري القوتلي: “كان نجيب البرازي بين سبعة قواد كبار يقررون المسائل الخطيرة، أي مَن سيكون رئيساً للمجلس النيابي، ومَن سيختار لرئاسة الحكومة، وقد ظل كذلك دائماً، ولو لم يكن يرضى أن ينتقل إلى مقدمة الساحة ” .  انظر كتاب (صانعو الجلاء في سوريا).
  • الدكتور محمد توفيق بن الحاج عبد الرحمن، وجده الأعلى محمد آغا المشهور بـ (الشيشكلي) بن عبد القادر بن خليل بن المنلا خليل، حضرت هذه الأسرة لحماة في أوائل القرن الحادي عشر هجري، من معرة النعمان، وهي وآل المطوح في المعرة، وآل الغزي في أدلب أبناء عم عصبيون، وللعائلة أبناء عم أيضاً في أنطاكية، وهم آل المعصرجي، وينقل شيوخ أسرتي الشيشكلي، وآل الجندي أن بين الأسرتين في المعرة صلات قرابة، وأنها عصبية، وأن الجدين الأعليين كانا أخوين، أو على درجة من القرابة لا يعلم مداها، وكان أحدهما مفتياً والآخر قاضياً في مدينة المعرة، بعهد السلطان سليم العثماني الأول، ولدى آل عبد الرحمن الشيشكلي وثيقة حكم من قاضي المعرة الشرعي يثبت اتصال العائلة بالنسب الشريف الطاهر. نشأته: بزغ نجم الفقيد في سماء حماة سنة 1303هـ و1884م، وابتدأ دراسته الابتدائية في مدينة حمص، حيث كان والده مستنطقاً فيها، ومن رفاقه في الدراسة المرحوم مظهر باشا رسلان، والدكتور الشهير عزة الجندي وغيرهما. وبعد أن نال الشهادة الثانوية في حماة، وانتقل إلى مدرسة عنبر بدمشق، ثم انتسب إلى كلية الطب العثمانية بدمشق، وقد تخرج فيها سنة 1911، وكان في مراحل دراسته مثالاً يُقتدى في الجِدّ والاجتهاد، ومحبوباً من رفاقه وأساتذته وجميع معارفه. وقد وضع رسالة في الصرف والنحو، وترجم عن التركية القوانين المتعلقة بالأوقاف والكاتب بالعدل. في العهد التركي: لقد كانت الحالة الاجتماعية والثقافية في العهد العثماني متأخرة في البلاد العربية، فكتب فقيد العروبة إلى عارف بك المارديني والي الشام يرجوه العناية بالمدارس والثقافة، وبدأت حماة ترى في ولدها البار غايتها المنشودة في قيادة زعامتها، واشتُهر بخدماته الإنسانية أيام وجوده رئيساً للمستشفيات العسكرية في زحلة، خلال الحرب العالمية الأولى، فكان يضع علمه وخبرته ومهارته، والأطباء الذين تحت إمرته، ومخازن الأدوية العسكرية في خدمة الأهلين، وما زال أهل زحلة يذكرون عهده بالخير، ويترحمون على جهوده وإخلاصه وإنسانيته، وقد أشاد الأستاذ إسكندر الرياشي صاحب الصحافي التائه عن حياة الفقيد في زحلة وفضله، ومآثره الاجتماعية النبيلة. تخصص في معالجة العيون، ولعل ما حمله على ذلك انتشار مرض العيون في حماة، وقد كافح هذا المرض ونجح في عمله، وكان لطفه ومؤانسته لمرضاه، وعطفه على الفقراء من أكبر العوامل في نجاحه في عاطفته الإنسانية. أدبه السياسي: لم يكن الفقيد أديباً بالمعنى المعروف، بل كانت خطبه السياسية ومقالاته الاجتماعية تدل على أنه أديب سياسي بليغ، ولذا فهو يُعتبر في زمرة الأدباء اللاحقين، وقد أصدر جريدة التوفيق في حماة، وكان يحررها بنفسه، وهدفها تأييد العهد العربي، ونشر الإصلاح، ولكنها لم تعمر طويلاً، وأوقفها لأسباب سياسية. وقد ظهرت فيه موهبة الخطابة، عندما برز إلى الميدان السياسي، فكان الخطيب الشعبي الألمعي يدعو إلى مكارم الأخلاق والتآلف بعاطفة صادقة، ولسان ساحر، وأسلوبه في خطابته يمتاز بالقوة والرشاقة، والضرب على الوتر الحساس في أهدافه الوطنية، مما أهلته هذه الموهبة لأن يكون خطيب الكتلة الوطنية، تعتمده في كثير من المواقف الحاسمة، والمناسبات القومية العظيمة.
  •   ولد المطران أغناطيوس حريكة في بترومين قضاء الكورة شمال لبنان، ولكنه قضى الردح الأكبر من حياته في حماة، ودفن فيها عام عام 1969.
  •   يمكن للمهتم الاطلاع على وثيقة مدحت باشا منشورة كاملة في كتاب النكبات والمغامرات للمؤلف بشير فنصة، إصدار دار يعرب – دمشق 1996.

_________________________________________

 ملف العدد الثامن من مجلة (العربي القديم) شباط/ فبراير 2024

زر الذهاب إلى الأعلى