التاريخ السوري

دروس التاريخ | بين حريق المسجد الأموي وتشيع محيطه اليوم

عبد الرزاق الحسين – العربي القديم

في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، عبث عامل كان يعمل في سقف الجامع  الأموي الكبير بدمشق حيث كان يصب الرصاص  في فواصل السقف، وكانت  مألوفا وقتها  هذه التقنية… وفي وقت راحته أشعل نرجيلة وبإهماله  شب حريق في خشب السقف الجاف وسرعان ما اشتعل المسجد  المبني سقفه أصلا من الخشب. وحصل دمار هائل فيه حتى بقي على الهيكل أو كاد.  

صورة نادرة لحريق الأموي عام 1893 (أرشيف العربي القديم)

هبت دمشق كلها بروح واحدة لإنقاذ ما يمكن من سجاد ومصاحف ومخطوطات وشكلت بجهود أهلية لجنة للإعمار.  تبرع اهل دمشق ب ٥٠٠ عامل مجانا  لمدة قاربت ٩سنوات. وزعوا مهام إزالة الأنقاض والركام بين شبان الأحياء في عمل دوري حضاري منظم قل نظيره كان يصرف عليهم  تجار سوق الحميدية. إمداد بالطعام والشراب كان عملا هائلا. في غياب المعدات والرافعات… في ظل هذه الكارثة عهد بالأمر إلى موسى الحجار المسيحي دمشقي في إعادة الإعمار. وقد اشرف طلية ٩ سنوات على ذلك. ونجح العامل عبد الغني عثمان الحموي عام 1893 بتصميم عربة لنقل أعمدة الرخام من قطنا إلى الجامع الأموي بعد أن فشلت كل وسائل النقل عن حملها

العربة التي صممها عبد الغني عثمان الحموي لنقل الأحجار من قطنا إلى الأموي (العربي القديم)

فيما تبرعت باب توما المسيحية بأفضل ٣٠ فني ورسام  منهم (كنيته السمرة) في إعادة الرسوم الهندسية والنباتية للأسقف والواجهات دون تدخل في الرؤية الاعتقادية والتوحيدية لدى المسلمين. هكذا اضاءت دمشق بتآخيها  وسماحتها. 

وعاد المسجد مضيئا  بتاريخ أهل دمشق  العريق وهمتهم وتكاتفهم وحرصهم على مدينتهم. ومن نافل القول أيضا أن منارات العراق ومنها المائلة  رممها  فني مسيحي لم يتقاض درهما واحد في جملته الشهيرة: أليس المسجد بيتا من بيوت الله؟؟

في عودة تاريخية للمسجد الأموي. 

كانت عادة الدول والملوك عندما يسيطرون على منطقة  يحولون مركزها الديني  الرسمي إلى مركز الدين الجديد. فلما عزم الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك إلى إيجاد وبناء مركز  للدولة وجامع لها يمثلها، جمع كبار أهل دمشق من مسلمين ومسيحيين. وناقشهم في الأمر.  فخلص الحاضرون إلى أن  دمشق كانت وثنية فكان معبد جوبيتر، ثم تحولت إلى المسيحية فكان كنيسة، واليوم تحولت إلى الإسلام فليأخذ المسلمون حصتهم.  فكان التراضي وتم التعويض للمسيحيين.  

في السويداء  وبينما كان  سلطان الاطرش يمر أمام بناء في طوره الاولي لكنيسة يشرف على بناءها قسيس  بادله السلام والتحية وقال له: شو عم تبنوا؟ أجاب القسيس بحذر  كنيسة  لنا نأوي إليها تعبدا. فأردف سلطان: شايفها صغيرة ياخيي. صمت القس وقال: على قدنا يا باشا.

فما كان من سلطان إلا أن ازال حجر حدود الأرض أمام صمت القس، ومشى به ووضعه في نقطة أخرى اضاف بها مساحة جديدة، وقال: “من هون عمّر. الأرض لله”.

قدمت سوريا نموذجا حضاريا في التآلف والمحبة . فيما استقبلت المهاجرين  اليونان  والارمن  والشركس والإلبان.  ولن تنس دمشق ذلك الاب الذي رهن محتويات الكنيسة لاطعام الفقراء يوم المجاعة  عندما  سأله مسؤول الطعام أن المسلمين يأتون  لاخذ الخبز والطعام. فأجابه: وهل مكتوب على الرغيف  للمسيحي.   في ضوء هذه اللمحة  عن دمشق  نراقب اليوم ما حصل وما يحصل في الاختراق الإيراني لها.

حرائق مفتعلة في قلبها وفي عمقها الاجتماعي والديني، حرائق البزورية الشهيرة، حرائق سوق العصرونية، إهمال البيوت الأثرية.  السطو على تراثها   جعل أماكن تاريخها  مزابل ومراكز نفايات  حتى بيت شاعر ياسمينها نزار قباني سطي عليه. (أوله دمشق…) 

باتت دمشق مدينة منخورة  يأكلها السوس الفارسي الحاقد. وبات أمويها، رمز هويتها وعزتها التاريخية، مركزا للسب والشتم واللطم في وثنية مجوسية فاجرة يرعاها حاكم أقلوي بلا شرف.

لقد صدق اليونان في مقولتهم: حيث الفرس لا ينبت العشب.

زر الذهاب إلى الأعلى