الرأي العام

السخرية من الأسد: غطاء لإفلاته هو ونظامه من العدالة

العدالة لا تبدأ بالسخرية من الجلاد، ولا بالاكتفاء بإدانته كشخص، بل بفضح المنظومة التي سمحت له بالاستمرار

نوار الماغوط- العربي القديم

ليس الخلاف اليوم حول توصيف بشار الأسد، ولا حول كونه مجرم حرب. هذا تحصيل حاصل، ومعروف للسوريين قبل غيرهم، ودفعوا ثمنه دمًا وتهجيرًا وخرابً. فالرجل، في الوعي السوري والعالمي، مجرم حرب ومسؤول عن واحدة من أكثر المآسي دموية في القرن الحادي والعشرين. هذه حقيقة مستقرة،و لكن المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية استخدام هذه الحقيقة: هل تُطرح بوصفها مدخلًا للعدالة الشاملة، أم تتحول إلى أداة لغوية لتفريغها من معناها الجنائي والسياسي

 هنا تحديدًا تكمن خطورة الخطاب  الذي الذي تنتجه جماعة عزمي بشارة ومنصّاتها الإعلامية، ولا سيما ما يُنشر بشكل متكرر ومنهجي في ما يُسمّى «صحيفة الثورة السورية»، بوصفها المنبر الرسمي الوحيد المتاح للشعب السوري . فالإدانة المعلنة للأسد لا تُطرح هنا ضمن رؤية متكاملة للعدالة، بل يُعاد تدويرها بشكل انتقائي باسم العقلانية والواقعية هذا الخطاب لا ينكر جريمة الأسد، لكنه  يحوّل الإدانة إلى سقف نهائي  ويقدّمها كبديل عن العدالة

التركيز الحصري على «تسريبات بشار الأسد»، دون سياق سياسي حقيقي، ودون ربط الجريمة ببنية النظام الأمنية والعسكرية والاقتصادية، ودون تسمية القوى الإقليمية والدولية التي رعته وأعادت دمجه، لا يمكن اعتباره موقفًا ثوريًا. بل هو تبسيط  مضلّل  ، ويمنح شعورًا زائفًا بالقيام بالواجب الأخلاقي، بينما تُترك الجريمة الحقيقية بلا مساءلة.

بهذا المعنى، تتحول الإدانة إلى قناع. قناع يُخفي خلفه فراغًا سياسيًا، ويُستخدم لتجنب أي نقاش جدي حول مسؤوليات الفاعلين الآخرين: من تفاوض باسم السوريين؟ من شرعن المسارات العبثية؟ من قبل بتحويل الثورة من مشروع تحرر إلى ملف إنساني أو دستوري ؟

واحدة من أخطر أدوات هذا الخطاب اليوم  هي تحويل النقاش حول مجرم حرب إلى مادة سخرية. الحديث عن الأسد كـ«طبيب فاشل»، أو التندر على شهادته، أو تخيّله يفتح عيادة في قرية نائية في سيبيريا، قد يبدو ذكيًا أو ساخرًا، لكنه في جوهره يفرغ الجريمة من ثقلها الأخلاقي والسياسي.

المجرمون ليسوا أغبياء، ولا معتوهين، ولا شخصيات كاريكاتورية. هم واعون تمامًا لما فعلوه ويفعلونه،

المجرمون لا يخافون السخرية.
المجرمون يخافون المحاسبة.

العدالة لا تُبنى على النكات، ولا على البلاغة الساخرة، بل على تسمية الجريمة، وتحديد المسؤوليات، وربط المحاسبة بميزان القوى الحقيقي، لا بعالم افتراضي منزوع السياسة.

الحديث المتكرر عن الأسد بوصفه «طاغية معزول عن محيطه» يخدم سردية بالغة الخطورة: أن المشكلة انتهت عند شخص، وأن سقوطه أو محاكمته الرمزية كفيل بإغلاق الملف. هذه السردية تتجاهل عمدًا أن ما جرى في سوريا لم يكن نتاج فرد مختل، بل نتيجة نظام متكامل: أجهزة أمن، جيش، ميليشيات، شبكات مصالح اقتصادية، وتحالفات إقليمية ودولية.

اختزال الجريمة في شخص واحد يُريح كثيرين:

يُريح من شاركوا في قمع الثورة أو تحييدها

يُريح من تلاعبوا بتمثيلها سياسيًا وإعلاميًا

ويُريح من يريد “طي الصفحة” دون محاسبة حقيقية أو انتقال سياسي فعلي

بهذا الاختزال، تصبح الثورة حدثًا انتهى، والجريمة فصلًا أُغلق، ويبقى السوريون وحدهم أمام الخراب، بلا عدالة ولا أفق.

وأخطر ما  يفعله اليوم تيار الدكتور عزمي بشارة  المسيطر فعليا على مؤسسات الدوله الثقافية و الاعلامية والادبية ،  تحويل الجريمة إلى مادة  للسخرية، وإلى مقالات” ذكية ” تُظهر كاتبها في موقع القاضي الأخلاقي، بينما تترك القتلة الحقيقيين وشركاءهم، المحليين والدوليين، خارج أي مساءلة جدية.

العدالة لا تبدأ بالسخرية من الجلاد، ولا بالاكتفاء بإدانته كشخص، بل بفضح المنظومة التي سمحت له بالاستمرار، وبمحاسبة كل من شارك في الجريمة، وكل من تلاعب بوعي الناس باسم الثورة، وكل من ساهم في تفريغها من معناها.

أما غير ذلك  فهو الالتفاف على العدالة، وتمكين المجرمين من الإفلات من المحاسبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى