تاريخ العالم

المكارثية: مرحلة سوداء في التاريخ الأمريكي طالت حتى نجوم هوليود!

العربي القديم – خاص:

قبل أكثر من سبعة عقود شهدت الولايات المتحدة حملة محمومة ضد ما وصف وقتها بــ” الخطر الشيوعي” أو “الوباء الأحمر”، نتج عنها قلب حياة العديد من ضحايا هذه الحملة رأساً على عقب، فيما بات يعرف بـ”المكارثية”.. فما قصتها وكيف بدأت وانتهت؟ ولماذا منع الممثل الشهير شارلي شابلن من العودة إلى أمريكا بسببها؟

حملة مطاردة غير مسبوقة

في شهر شباط/ فبراير من 1950 أعلن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي جوزيف مكارثي أن لديه قائمة تضم 205 موظفين يعملون في وزارة الخارجية الأمريكية ويشتبه بأنهم شيوعيون. وعقب ذلك انطلقت في الولايات المتحدة حملة مطاردة شاملة وغير مسبوقة في القرن العشرين أدت إلى اعتقال آلاف الشيوعيين أو الذين يشك بأن لديهم توجهات شيوعية، وجرى تقديمهم إلى القضاء بتهمة محاولة الإطاحة بالحكم بالقوة أو العنف. كان السؤال الذي طرح لأول مرة: “هل أنت شيوعي أو كنت شيوعيا يوماً ما”؟. كانت حكومة الولايات المتحدة  وشرائح واسعة من الأمريكيين مقتنعين بأن الاتحاد السوفييتي يشكل تهديداً لأسلوب حياتهم وأنه من الضروري اتخاذ إجراءات لحماية أنفسهم. كان يُشار إلى الشيوعيين في كثير من الأحيان باسم «الحمر» بسبب ولائهم للعلم السوفييتي الأحمر،  فيما يشار اليوم إلى تلك الفترة بـ”الوباء الأحمر” للدلالة على الهستيريا التي صاحبت تلك الحقبة وما انطوت عليه من ملاحقات وتعديات على الحريات.

شارلي شابلن والقائمة السوداء لهوليوود

ما زال الكثير من الأمريكيين يتذكرون القائمة السوداء لهوليوود والتي كانت تضم 10 اشخاص على رأسهم الممثل البريطاني الشهير شارلى شابلن،  الذي تضخم ملفه لدى مكتب التحقيقات الفيدرالية بسبب المكارثية،  حتى إنه وصل إلى 2063 صفحة. وفي هذا الملف مذكرة سطرها مكتب التحقيقات بعد مرور أسبوع من قرار النائب العام الأمريكي بمنع شابلن من العودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهو في عرض البحر، حيث كتبت الاستخبارات الأمريكية (CIA) في تقريرها أن شابلن خطر على الأمن القومي الأمريكي!

 كما تضمنت قائمة هوليود كل من: جريجورى بيك، وهمفرى بوجارت، وفرانك سيناترا، وجيمس ستيوارت، وجين كيلى، وريتا هيورث، وآفا جاردنر، ودانى كاى، فضلا عن كتاب بوزن: وبريتولد بريخت، وآرثر ميلر.

المكارثية وافتراءاتها على الأكاديميين

في دراسة للباحث إحسان مسعود حول “المكارثية في المجال الأكاديمي” أجراها في معهد ماساتشوستس عام 2019 عن تجربة ثلاثة أكاديميين كانوا من بين ضحايا هذه الحملة، يورد مسعود معلومات صادمة حول الأساليب التي استخدمت حتى مع الأكاديميين وأساتذة الجامعات المرموقة، مستشهدا بما قالته المؤرخة والبروفيسورة (ايلين شريكر)، أبزر مؤرخي مرحلة الماكرثية والتي تعمل في جامعة يشيفيا في نيويورك، إذ تشرح (شريكر) ما كان يقوم به مكتب التحقيقات في المجال الاكاديمي ضد من كان يشك بميولهم السياسية قائلة: “يأتي عنصر من مكتب التحقيقات إلى مكتب رئيس الجامعة أو الكلية أو حاكم ولاية ويسلمه ورقة لا تحمل أسم الوكالة أو رقماً في سجلاتها” وكانت الورقة تحمل عنوان: “مذكرة غير قابلة للتعقب ومجهولة المصدر، تتضمن فقط اسم الشخص وأسماء أشخاص مشبوهين له صلة بهم، والتوصية بعدم تعيينه في منصب وعدم تجديد عقده أو الوظيفة التي يتولاها. وكان يتم إنهاء عمله بهدوء دون أن يكون هناك أي دليل أن مكتب التحقيقات الفدرالي يقف وراء ذلك”.وكان أحد هؤلاء الضحايا الدكتور كارل سولومون المؤرخ في مجال الأمريكيين من أصول أفريقيا في كلية سايمونز في ماساشوستس وحامل درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد.

بعد سنوات عديدة طلب سولومونز من المكتب الحصول على ملفه لديه، فتبين له أنه جرى استهدافه من أعلى المستويات في المكتب، وأوضح قائلاً: “رغم أن الملف الذي حصلت عليه مختصر جداً لكنه تضمن طلبا من المدير الإقليمي للمكتب في بوسطن من مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي وقتها أدغار هوفر للموافقة على شن حملة تهدف إلى تقويض سمعتي الأكاديمية وطردي من جامعة هارفارد. ووافق هوفر على الطلب لكنه طلب التزام الحرص على المصادر التي تم الاعتماد عليها في هذا المجال بغية عدم كشف أي دور للمكتب في تلك الحملة”.

من هو جوزيف مكارثي؟

كان السيناتورالجمهوري  جوزيف مكارثي شخصية بارزة في الحركة المناهضة للشيوعية، حتى نسبت الحركة كلها إليه، وارتبطت باسمه، وقد ستخدم نفوذه لتوجيه اتهامات بالشيوعية ضد عدد من الأفراد البارزين.

ولد جوزيف ريموند مكارثي في مزرعة في ويسكنسن  عام 1908، وحصل على شهادة المحاماة من جامعة (ماركويت) عام 1935. انتخب كقاضٍ في محكمة استئناف عام 1939 ليصبح أصغر قاض يتم انتخابه بالولاية، وفي سن 33 تطوع للخدمة في قوات مشاة البحرية الأمريكية وخدم خلال الحرب العالمية الثانية. لمع نجمه في خمسينيات القرن العشرين بسبب اتهاماته الشهيرة التي طاللت موظفي الخارجية الأمريكية أولا، حيث اتهم الكثير منهم بالعمالة للشوفييت، وقد وجد مكارثي الدعم لأنه من وجهة نظر أنصاره، كان من الضروري في ذلك الوقت تحديد العملاء الأجانب وقمع «المنظمات المتطرفة»، فقد كان المعتقد السائد أن العناصر التخريبية تشكل خطراً على الأمن القومي للبلاد، ولذلك تم تبرير مثل هذه الإجراءات المتطرفة، حتى لو تضمنت الحرمان من الحريات المدنية.. لكنه العدالة اقتصت من مكارثي الذي راحت تضغف مصداقيته شيئا فشيئا  إلى أن حوكم بتهمة اللصوصية والفساد، توفي في الثاني من أيار/ مايو عام 1957 بمستشفى بيثيدا البحرية وهو لم يتجاوز الثامنة والأربعين من العمر، بسبب إصابته بمرض التهاب الكبد الفيروسي.

كيف انتهت المكارثية

في عام 1957، وضع حكم المحكمة العليا في قضية «ييتس» ضد الولايات المتحدة حداً للملاحقات القضائية بموجب «قانون سميث» من خلال مطالبة الحكومة بتقديم دليل ملموس على أن المدعى عليه قد اتخذ إجراءات محددة للإطاحة بالحكومة، ولم يعد «قانون سميث»، الذي تم استخدامه لمحاكمة الأفراد الذين دعوا إلى الإطاحة بالحكومة من الناحية النظرية، كافياً، لقد وضع «قرار ييتس» حداً للمكارثية، التي اعتمدت بشكل كبير على الإضرار بسمعة الناس ومهنهم بدلاً من تقديم أدلة واقعية لدعم هذه الادعاءات، ولكن بالرغم من أن مناخ الخوف والقمع بدأ يتراجع خاصة في نهاية الخمسينيات، فإن الخوف من “الوباء الأحمر” استمر في التأثير على النقاش السياسي في العقود التي تلت ذلك، وتعريض الحريات المدنية للخطر، وفي هذا كتب الروائي الأمريكي جون شتايبنك محذرا من مغبة مثل هذه الحركات على الديمقراطية الأمريكية:

“لطالما كان لدينا مكارثي، يمكنني سرد الأسماء والحركات التي تعود إلى بداية تاريخنا، ودائما كانت النهاية هي نفسها … إن هذه الحركات تغير اسمها كل بضع سنوات.. إنها تستخدم دائمًا طُعم التحصين أو الأمان”.

ارتبطت المكارثية في القاموس السياسي العالمي، بأي إجراء حكومي يقيد أو يضعف الحقوق والحريات المدنية الأساسية باسم الأمن القومي، مع قمع الآراء السياسية أو الاجتماعية التي لا تحظى بشعبية، وتتضمن هذه الممارسة استخدام القائمة السوداء وأشكال أخرى من المضايقات للضغط على الأفراد للامتثال للمعتقدات السياسية الشعبية، بمعنى أنه أي شخص يوجه اتهامات لا أساس لها أو يجري تحقيقات غير متوازنة بهدف إسكات الآخرين أو تشويه سمعتهم يعتبر ممارسًا للمكارثية، وبهذا ينتهك هذا السلوك التعديلي الأول والرابع عشر للدستور، الذين يضمنان الإجراءات القانونية الواجبة ويحميان الحريات المدنية.

زر الذهاب إلى الأعلى