الطريق إلى حلب: خطوط أردوغان - بوتين
همام البني – العربي القديم
في سبتمبر من عام ٢٠١٨ جلس الزعيمان التركي والروسي أمام خرائط من خطوط متحركة، بلدة هنا وقرية هناك، لم يحتاج الاثنين لمترجمين من غير لغتهم الأم، حتى لغة أهالي تلك المناطق المترامية على الخارطة الملونة أمامهم.
قبل ذلك التاريخ بالتدريج كان الصوت السوري يُسحق تحت البراميل ويختفي خلف أصوات المدافع. الذخائر وقود الحروب، والسيادة قُربانها. الزعيمان الحالمان بفكرة إدارة الإمبراطوريات والمصائر، المنتشيان بمشاريع “إطلاق اليد” رسما خطوط “خفض تصعيدهم” الذي تحكموا بمنسوبه، تبلغ الفرقاء السوريين القرار، “هذا لكم وهذا أهدي إلي”، نقاط مراقبة مشتركة؛ قواعد عسكرية دائمة، موانئ على المياه الدافئة. الانسجام الروسي – التركي وصل غايته القصوى، مناطق معزولة السلاح بعمق يتراوح بين ١٥ و٢٠ كيلومترا مع سحب الأسلحة الثقيلة من كل مناطق الاشتباك وخطوط التماس، بعدها بعام، تحديدا، في أكتوبر ٢٠١٩ اجتمع الزعيمان مرة أخرى، راكم الرئيس التركي من سوتشي، المزيد من الغنائم، منطقة آمنة بحدود ٣٠ كيلو مترا على طول الحدود التركية – السورية. “شهور العسل” الروسية التركية بسوريا تواصلت، في اللقاء الثالث، أصبحت خطوط بوتين – أردوغان أكثر صلابة مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب حيز التنفيذ في 6 من مارس ٢٠٢٠.
ساهمت الاتفاقات في تهدئة الأوضاع نسبيا ولم تحقق سلاما دائماً، ثُبتت الخطوط رغم تباين المصالح، انتظرت جميع القوى المتصارعة اوقاتا أفضل، تلك الأوقات لم تأتِ أبداً، في عوالم السياسة زَهْوُكَ بنصرٍ غير واضح المعالم، أخطر من اعترافك بأنصاف الهزائم. لم تُستغل سنوات التهدئة أو يبنى عليها، ركّز النظام السوري على لعبته التاريخية، “خادم السيدين، سيد على خادمين” فاضَلَ بين الروسي والإيراني لسنوات. السيدان اليوم ليسا بأفضل الأحوال عسكرياً واقتصادياً، على الأقل.
تُعزز التغييرات الجيوسياسية التعاون أحيانا لكنها تشكل تنافساً حاداً في أوقات أخرى، لم يكن حلف الزعيمين التركي والروسي استراتيجياً، جاء أشبه بصفقات برغماتية سريعة الهضم، تصافحت الأيادي وبقيت الأذان هناك في واشنطن. الظاهرة الترامبية اليوم تغطي العالم، كل شيء ممكن وغير ممكن، بالوقت ذاته، فريقه يجهز الملفات “اللامتوقعة”، المفارقة أن الرجل يبدو أكثر الموجودين عقلانية. جاءت صافرة الانطلاق التركية بعد تلاشي أوهام استانة وسوتشي ودعوات التطبيع التي قوبلت ب”قلة القدر” لذلك تبدو الأحداث أعمق كثيرا من “جس نبض”.
الأيام الأولى للمواجهة الراهنة أثبتت أن سوريا وحدها التي تغيرت حقاً، إثر موجة التسونامي العربية التي انطلقت في ٢٠١١. ما هي مسار المعارك وكيف ستتطور الأحداث؟ لا أجوبة واضحة اليوم بعيدا عن نقاط عدة، فاحتمالات التنسيق الروسية – الإيرانية قد تدفع ثمنه موسكو من رصيدها الأميركي الجديد. النظام السوري يقف على عصا سليمان، لم يدخل حرب الساحات ولم يخرج منها. السيناريوهات الإيرانية تنقسم بين خيارات الانتشار أو التقوقع في ميزان الإصلاحيين والمصالح. تغييرات كبرى حصلت في الإقليم، ليس أقلها الجنرال الأميركي بقواته المتأهبة للانتشار في الجنوب اللبناني ودور حزب الله المنقذ القديم بعد تسديد فاتورة انكشافه السوري. إضافة إلى جديّة الانفتاح العربي على إعادة تشكيل المشهد، والأهم أخيرا القِوَى السورية الصاعدة وأيديولوجيتها مقابل مقبولات توسيع النفوذ، كلها عوامل تشكل ماهيّة الخطوط الجديدة واحتماليات ظهور خرائط أكثر وضوحا، أو ربما عودة الجميع إلى طاولة أكثر ثباتاً.