تاريخ طرابلس في مرآة الاستيطان العلوي: باب التبانة... عاصمة طرابلس (2 من 2)
ملف كتبه: رواء علي – العربي القديم
تتشابه مدينة طرابلس مع مدينة دمشق، حتى إن من أسمائها الفيحاء مثل دمشق، وكما أن لدمشق نهرًا يخترقها، فكذلك يخترق نهر قاديشا طرابلس، ومثل قاسيون الذي يحيط ببعض جوانب دمشق، فإن في طرابلس جبل يقع إلى شرقها، ويشرف على وسطها. وكما استعمل الحكم الطائفي في سوريا جبل قاسيون، ليكون بؤرة للاستيطان العلوي المسلح يحاصر من خلاله دمشق ويدمرها إن استدعت الحاجة وخرجت الأوضاع عن السيطرة، كذلك تمت هندسة الاستيطان العلوي في جبل طرابلس، ليكون استيطانًا مسلحًا تكون طرابلس في مرمى نيرانه، كلما استدعت الحاجة.
باب التبانة وجبل محسن
أطلق على الجبل قبل أن يأخذ اسمه الحالي اسم جبل الزيتون، بسبب كثرة أشجار الزيتون فيه، وكان عقارًا مملوكًا لشخص اسمه تيسير محسن، استقدم إليه العلويين كعمال وساعدهم على الاستيطان فيه، فأخذ الجبل بعد هذا الاستيطان اسم جبل محسن، وفي فترة الخمسينيات شهد ازديادًا في حركة العمران والاستيطان، ومنذ ذلك التاريخ تزايد عدد سكانه، حتى وصل اليوم إلى حوالي 80 الفًا يمثل العلويون غالبية سكانه. وفي مرحلة التكتل الطائفي للطوائف في لبنان بعد الاستقلال، أخذت اقلية جبل محسن تبحث عن هوية خاصة بها، أو ما يُشبه الاعتراف بوجودها الطائفي، ومع ازدياد أعدادهم بدؤوا يعملون على تنظيم أنفسهم كتكتل علوي، فأسسوا أولًا جمعية خيرية وفرقًا موسيقية، وصار لهم عضو في نقابة الحرفيين في طرابلس، وجاء القانون التشريعي رقم 60 بتاريخ 30-3-1936 فاعترف بالعلويين أنهم إحدى الطوائف الإسلامية في لبنان، ولم يمنحهم اعترافًا بأنهم طائفة لها ما للطوائف الأخرى من حقوق، فكان عليهم الالتحاق بإحدى الطوائف الإسلامية (السنة أو الشيعة)، فاختار ممثلوهم وقتها الطائفة الشيعية، وسعوا للحصول على اعتراف من الشيعة الاثني عشرية اللبنانية، أنهم من الطائفة الجعفرية (نسبة لجعفر الصادق)، فنشأت بين وجوههم، وموسى الصدر أهم شخصية شيعية في لبنان وقتها اتصالات، حاولوا أن يحصلوا من موسى الصدر على اعتراف بهم، أنهم جعفريون، وطالبوا بإدخال عضو منهم في المجلس الشيعي الأعلى، الذي أسسه وكان يرأسه موسى الصدر، ورغم أن الصدر وعدهم، لكن في النتيجة جاء الرفض صريحًا لمطالبهم، فلم يكن توجد القناعة لدى الصدر والشيعة عمومًا، أن العلويين هم شيعة مثلهم، فهم يعلمون أنهم فرقة غالية باطنية مارقة من التشيع الاثني عشري، لم يعترف بها أسلافهم وبعضهم يكفرها صراحة، فلما فشلت مساعيهم في الانضمام إلى الشيعة الاثني عشرية ولو اسميًا، راحوا يعملون بشكل مستقل على أنهم طائفة مستقلة، فحصل أعيانهم من رئيس لبنان وقتها سليمان فرنجية صديق رفعت الأسد، على أنهم طائفة لها ما للطوائف الأخرى، وهو ما مكنهم من تشكيل حركة تنظيمية أطلق عليها اسم (حركة الشباب العلوي)، قام بتأسيسها شخص منهم اسمه علي يوسف عيد في سنة 1973، أسوة بحركة المحرومين التي أسسها الصدر للشيعة، وكان هذا مما أزعج موسى الصدر، فعمل على تقويض هذا التجمع العلوي، فاسترضاهم بأن عين لهم مفتيًا علويًا منهم وقاضيًا شيعيًا، تم تزويده من الصدر بتعليمات لتفتيت التجمع العلوي، وقد نجح الصدر إلى حد بعيد في تفكيك وتفتيت التجمع العلوي.
في عام 1980 أسس علي يوسف عيد على أنقاض حركة الشباب العلوي (الحزب الديمقراطي العربي) بجناح عسكري مسلح، أطلق عليه اسم (الفرسان الحمر)، بدعم وتمويل وتسليح من رفعت الأسد، وأظهر علي عيد ولاءه وتقديسه لرفعت بأن أطلق اسم رفعت على أكبر أبنائه وخليفته في قيادة الحزب، وما زال الحزب وسكان جبل محسن يدينون بالولاء لرفعت الأسد إلى اليوم؛ لذلك كثيرًا ما يسمون (أيتام رفعت) في طرابلس. ولاحقًا عند انسحاب الجيش السوري من لبنان، ترك الكثير من العتاد والسلاح لعلي عيد وحزبه، وفي أوقات الاشتباكات مع باب التبانة لا يتوانى حزب الله الشيعي وتيار المردة الماروني عن تقديم السلاح والعتاد.
أما تمثيل العلويين كطائفة في نظام الطوائف اللبناني بشكل فعلي وعملي، فلم يتم إلا بعد عام 1992 على خلفية نتائج اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، فتم تمثيلهم في البرلمان بنائبين علويين عينا تعيينًا، نال المنصب الأول علي عيد، والثاني عبد الرحمن عبد الرحمن بعثي من عكار…
وهناك تشابه كبير في نشاط العلويين في جبل محسن مطلع الثمانينيات، وما نتج عنه، ونشاط الشيعة في الفترة نفسها، وما نتج عنه ذلك أن الفترة التي راح العلويون يتكتلون وينظمون أنفسهم في جبل محسن، تعاصرت بنشاط مشابه أقدم زمنًا بقليل، رعاه وحرض عليه الإيراني موسى الصدر الذي تزعم شيعة لبنان في تحريض شيعة الجنوب اللبناني لاحتلال جنوب بيروت والتكتل فيها، وهو ما نشأ عنه لاحقًا ما يعرف باسم الضاحية الجنوبية، حيث مقر حزب الله اليوم الذي ولد عن حركة أمل الجناح العسكري لحركة المحرومين، التي أسسها موسى الصدر قبل ان يَغيب أو يُغيّب في سرداب القذافي
باب التبانة
في الوقت الذي بدأ العلويون بالتجمع في جبل محسن، بدأ يظهر عند البوابة الشمالية لطرابلس تجمع آخر، لا يفصل بينه وبين جبل محسن سوى شارع، يسمى اليوم شارع سوريا، استقطب هذا التجمع فقراء طرابلس والوافدين السنة من خارج طرابلس، هذا التجمع دعي بباب التبانة (عدد سكانه اليوم يزيد عن 100 ألف)، الذي أصبح بعد نكبة عام 1948 مقصدًا لاستيطان كثير من العائلات الفلسطينية المهجرة، فارتفعت كثافة الحي السكانية التي غلب عليها صفة الفقر والتهجير والظلم، وتحول مع الوقت إلى رأس الحربة، وخط الدفاع عن طرابلس أمام المد العلوي سواء من جبل محسن، أو من خارج طرابلس المتمثل بالقوات السورية، وهو ما جعل من باب التبانة الحي المغضوب عليه حتى اليوم، من قبل الحكومات اللبنانية المتعاقبة وجيش حافظ الأسد وميليشياته. ويرتبط اسم باب التبانة وما يعنيه من معاني المقاومة والتمرد التي تكونت حوله عبر الزمن باسم علي عكاوي، وهو فلسطيني نزح مع أهله طفلًا رضيعًا سنة 1948، واستقر بأسرته المقام في باب التبانة، وفيه نشأ وترعرع، عمل فرانًا وسجن في سن السادسة عشرة ثلاث سنوات على خلفية الاعتداء على أحد وجهاء طرابلس عبد المجيد الرافعي، وبعد خروجه من السجن راح يعمل على تجييش شباب الحي مدفوعًا بالمد الناصري القومي المسيطر على الساحة وقتها، وكان عكاوي قد التحق بعد عام 1967 بالفدائيين الفلسطينيين، وتلقى تدريبًا عسكريًا، وعاد إلى باب التبانة، وفي ذهنه أن معركته من أجل فلسطين تبدأ من باب التبانة، فقبض عليه عام 1967، وسجن لمدة عام وخرج بعدها مصممًا على إحداث تغيير إيجابي في حياة الناس في طرابلس ضد النظام السياسي القائم، بعد أن تغيرت ميوله من الناصرية إلى الماركسية، فأسس (منظمة الغضب) التي كانت شبيهة بحركة الصعاليك والعيار متخذًا من باب التبانة مركزًا له مدافعًا عن حقوق الناس، مما جعل منه شخصية قيادية وأكسبه قدرة على تحشيد الجماهير، واستطاع تعبئة الفلاحين في عكار والعمال في الساحل، ضد كبار الملاك والعائلات المتنفذة المدعومة من الدولة وقتها، رافعًا شعار (يا فقراء عكار اتحدوا)، وقام ببضع عمليات ناجحة لاقت قبولًا في أوساط الناس حتى عام 1972، وهو العام الذي تدخلت فيه السلطات اللبنانية، وتم القبض على علي، ثم تصفيته في السجن.
ويرى بعضهم أنه كان لحافظ الأسد الذي وصل إلى السلطة حديثًا دور في القضاء على حركة علي عكاوي خوفًا من امتدادها من عكار إلى سوريا. استمرت حركة علي عكاوي من بعده بقيادة أخيه خليل عكاوي (أبو عربي) الذي نجح في تحويل الحركة إلى لجان شعبية (المقاومة الشعبية) مرتبطة بالمقاومة الفلسطينية، وتكفلت منظمة فتح بتدريب وتسليح هذه المنظمة، لتتحول إلى النواة الصلبة لعصبة باب التبانة التي ارتبطت طوال فترة السبعينيات بمنظمة التحرير الفلسطينية، وقاتلت إلى جانبها بين عامي 75 و76 ووصل تعداد أفراد منظمة باب التبانة عام 1981إلى 500 مقاتل مسلح، تحولوا إلى رأس الحربة ضد الوجود السوري في لبنان، وكان لهم قبول ومساندة من سائر سكان طرابلس، قبل أن تصبح الحركة معزولة في التبانة، مع انتشار الجيش السوري في طرابلس، فتحولت إلى جزء من حركة التوحيد بين عامي 82-84 بقيادة سعيد شعبان الذي كان في أصله من الجماعة الإسلامية الإخوانية لفتحي يكن، انشق عنهم كتيار متطرف بحسب ما يزعمون وأسس لنفسه حركة التوحيد الإسلامي عام 1980 التي ضمت عدة فصائل في طرابلس، كان منها فصيل خليل عكاوي (المقاومة الشعبية)، الذي أعاد تنظيم لجانه الشعبية تحت اسم (لجان المساجد والأحياء) بخلفية إسلامية.
ظهرت الصدامات الأولى بين جبل محسن وباب التبانة، خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية، وكانت مرتبطة أصلًا بالعلاقات العدائية التي مارسها حافظ الأسد تجاه منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات، ومحاولات الأسد اجتثاث الفصائل الفلسطينية من لبنان، أو فرض سيطرته عليها، وبدافع الولاء الطائفي، فإن سكان جبل محسن اصطفوا خلف الأسد، بينما كان التحزب الطبيعي لجماعة باب التبانة، هو مع الفلسطينيين بفعل الروابط الدينية السنية والقومية، مع الفصائل الفلسطينية، ولاسيما أن كثيرًا من أهل التبانة هم من أصول فلسطينية.
كان من نتائج الحرب الأهلية اللبنانية والاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982 أن تم القضاء على معظم مواقع منظمة التحرير الفلسطينية، والخروج الأول لياسر عرفات من لبنان، بينما آثر كثير من أتباعه الانسحاب نحو طرابلس مستفيدين من وجود حاضنة لهم في سكان المخيمات (البداوي ونهر البارد)، حول طرابلس والتحالف الضمني بين حركة التوحيد الإسلامي التي تسيطر على طرابلس ومنظمة التحرير، وكان هذا ما شجع عرفات للعودة إلى طرابلس متخفيًا عام 1983، بعد أن أظهر حزب الكتائب الماروني دعمًا لعرفات ضد القوات السورية، كان ظهور عرفات في طرابلس هو ما سرع المواجهة العسكرية بين طرابلس، وقوات حافظ الأسد الذي ضرب الحصار على طرابلس مستعينًا بقواته والقوات الفلسطينية المنشقة عن منظمة التحرير، مثل الجبهة الشعبية والصاعقة… مع توافق وتعاون بين حافظ الأسد وإسرائيل في تطويق طرابلس، ففي الوقت الذي نفذت قوات حافظ الأسد حصارها وقصفها لطرابلس من البر، كانت السفن الإسرائيلية تقصف من البحر، وقامت المليشيات العلوية في جبل محسن بقصف طرابلس من داخلها، وكان هذا أول اشتباك لها مع أهل طرابلس. استمر الحصار والقتال لمدة شهر ونصف أواخر عام 1983، انتهى بإجلاء ياسر عرفات وقواته عن لبنان نهائيًا، بينما بقيت حركة التوحيد تسيطر على طرابلس ومينائها، ولم تدخلها قوات حافظ الأسد، وإنما استمرت الاشتباكات داخل طرابلس بين حركة التوحيد، وعلويي جبل محسن، والتي لم تتوقف حتى عام 1985، عندما تدخلت إيران على الخط، ورعت وقفًا لإطلاق النار بين سنة طرابلس وعلويي جبل محسن.
مذبحة التبانة الكبرى
ورغم وقف الاشتباكات السنية العلوية في طرابلس، بقي التجمع السني المسلح المتمثل بحركة التوحيد في باب التبانة، بقي هاجسًا عند الأسد للقضاء عليه، وهو ما تم خلال مذبحة التبانة عام 1987.
وبدأت الأحداث بلقاء ضم جهاز الأمن السوري في لبنان وقتها المقدم محمد الشعّار (وزير الداخلية لاحقًا)، الذي يسميه الطرابلسيون (كلب طرابلس)، مع خليل عكاوي طلب فيه الشعّار من عكاوي تسليم سلاح باب التبانة، وهو ما رفضه عكاوي بشكل قاطع مخاطبًا الشعّار: على جثتي… وغادر الاجتماع، وفي طريق عودته تم اغتياله، وتتابعت الأحداث بعدها بهجوم شنته أطراف مجهولة على حواجز للجيش السوري، قيل إنه من قبل حركة التوحيد انتقامًا لخليل عكاوي، وقيل إنه مدبر من قبل نظام الأسد نفسه، ليتخذه ذريعة لاجنياح طرابلس، والقضاء على حركة التوحيد التي اتهمت به، وهو ما تم لاحقًا، إذ قامت الوحدات الخاصة يقودها علي حيدر، تساندها عناصر من ميليشيات الحزب العربي الديمقراطي العلوي (الفرسان الحمر)، الذي يرأسه علي عيد وغيرهم من شبيحة البعث، والقوميين السوريين، وفصائل فلسطينية موالية للأسد كالجبهة الشعبية، وفتح الانتفاضة… بإغلاق منافذ منطقة التبانة كاملاً، وبدأت عمليات قصف عشوائي ارتكبت فظائع شبيهة بتلك التي فعلوها بحماة، ولمدة أسبوعين تعرضت طرابلس وعكار والضنية لعمليات إبادة، قدرت منظمة العفو الدولية في تقريرها عن المجزرة عدد القتلى الذين استطاعت توثيقهم من بعيد في طرابلس بـ 200 قتيل، بينما إحصائيات شهود العيان قدرتهم 700 قتيل، ونقل عدد لا يعرف من المعتقلين إلى جبل محسن، حيث تم إعدامهم على يد العلويين وحزب علي عيد، وتم دفنهم هناك في أماكن بعضها معلوم، وذكر تقرير منظمة العفو دور علي عيد وطارق فخر الدين في إزهاق أرواح مئات الشبان الطرابلسيين، وفي دفنهم في مقابر جماعية في جبل محسن، وفي مرمى نفايات طرابلس… ولا بد من الإشارة إلى أن قيادات حركة التوحيد، قد تكون متواطئة في مجزرة طرابلس، وسهلت لها، وأن إيران قد تكون استمالتهم، منذ أن تدخلت كوسيط في فض الاشتباك بينهم، وبين علويي جبل محسن عام 1985، وبناء على هذا التوافق سلمت الحركة خليل عكاوي، ليكون قتله الشرارة لتصفية باب التبانة، وقد يكون مما يدل على ذلك أن هذه الحركة -التي كان زعيمها سعيد شعبان الذي لا يرى بأسًا في الشيعة، ويجد ثورة الخميني نموذجًا يحتذى به- تحولت إلى حليف صريح، وما زالت لحزب الله ضمن المشروع الإيراني في لبنان منذ عام 1987.
ما فعلتة القوات السورية بشقيها النظامي والعلوي في مجزرة التبانة، كان العامل الأساسي الذي شكل شخصية باب التبانة الذي أصبحت عليه وما زالت، والمتمثل في تمردها وغضبها الدائم، وثأرها الذي لا ينتهي من العلوي الذي قتل واستباح، وما زال كلما سنحت له الفرصةعلى خلفية طائفية علوية، وتتجدد مبررات ثأر باب التبانة، طالما الجيب العلوي في جبل محسن يقوم كالخنجر في خاصرة طرابلس؛ لذا أصبحت المناوشات والمصادمات بين سنة التبانة وعلويي جبل محسن السمة الأساسية المميزة لباب التبانة، يزيد في اشتعالها كل حين التقلبات والتحالفات السياسية والطائفية في لبنان، ومن أشهر الصدامات التي حدثت بين التبانة وجبل محسن عامي 2008، وطوال 2012 و2013.
ففي عام 2008 جاءت على خلفية قضية شبكة اتصالات حزب الله، ومحاولة المعارضة (تحالف الحريري- جنبلاط- جعجع) تفكيكها، واعتقال مدير جهاز أمن المطار وفيق شقير الموالي لحزب الله، وكان من نتيجتها احتلال حزب الله وحلفائه لبيروت وانتشاره في طرابلس، وتصدت التبانة لحزب الله وميليشيات علي عيد العلوية رغم رجحان كفة المعتدين، واستمرت أيامًا، حتى تم الاتفاق بين السياسيين على لملمة القضية. غير ان أعنف اشتباكات التبانة وجبل محسن، كانت عام 2012 على خلفية الثورة السورية التي ناصرها باب التبانة قلبًا وقالبًا في الوقت الذي جاهر علويو جبل محسن بالعداء للسوريين والولاء لبشار الأسد، وهدد رفعت علي عيد بأن بشار الأسد لن يسقط، وإذا سقط سيكون الموت جماعياً، موت بدماء كثيرة ستغرق البلد كله وليس فقط طرابلس. فرد عليه باب التبانة بإغراق جبل محسن بقذائفهم، وحدثت اشتباكات متكررة طوال العام، استخدمت فيها كل صنوف الأسلحة المتوفرة، واستمرت الاشتباكات تتجدد خلال عام 2013، وفيها قام علي عيد وابنه رفعت بتدبير عمليات تفجير مسجدَي التقوى والإيمان في طرابلس، راح ضحية التفجيرَين 60 قتيلًا و700 جريح، ورد باب التبانة على العملية بعمليات اغتيال، طالت قياديًا في حزب علي عيد، وقصف وقنص لعلويي جبل محسن، أما علي عيد وابنه فهربا إلى سوريا بعد إصدار مذكرة توقيف بحقهما من القضاء اللبناني، ليكونا في حماية بشار الأسد وبعدها لفظ علي عيد أنفاسه الأخيرة عام 2014، وخلفه ابنه رفعت في قيادة حزبه وقيادة علويي جبل محسن، وكان قاضي التحقيق قد طالب في 2014 بإنزال عقوبة الإعدام برفعت عيد وآخرين، لتورطهم المباشر بعمليات تفجير المساجد، وتشكيلهم تنظيمًا إرهابيًا، واستجلاب التدخل الخارجي (السوري) إلى لبنان… ولم تأخذ القضية أكثر من صفة إعلامية، إذ إن حزب عيد وطائفته في جبل محسن مشمولة بحماية حزب الله الحاكم الحقيقي للبنان…
لقد عرف عن طرابلس قبل الإسلام وبعده أنها من أمنع الحصون وأشدها صمودًا، فإن كان من معبر اليوم عن شخصيتها وصلابتها، فإن باب التبانة هو مختصر شخصيتها التاريخية، وإن كان نهر طرابلس وقلعتها هي من معالمها، فإن باب التبانة أفقر أحيائها، هو أشهر معالمها، وإن جاز أن يكون لطرابلس عاصمة فهو باب التبانة.
_________________________________________
ملف العدد السادس عشر من (العربي القديم) الخاص بطرابلس الشام – تشرين الأول/ أكتوبر 2024