الرأي العام

13 سنة ثورة | الثورة السورية بين تنظيرات الثقافة والسياسة

بقلم: غسان المفلح
منذ اليوم الأول للثورة آذار 2011 كان هنالك تفارقا واضحا في قراءة الثورة بين الثقافة والمثقفين، وبين السياسة والسياسيين في اللوحة السورية المناهضة للأسدية.

هذه المفارقة كان لها أسباب عديدة في الواقع ليس مجالها هنا. غالبية المثقفين في الواقع لم يقرأوا الثورة بوصفها صراعاً سياسياً. أي صراع سياسي هو ميزان قوى. قلة من مثقفي سورية وبدون ذكر أسماء من حاول ربط التناول الثقافي للوحة السورية، والتناول السياسي بوصفه ميزان قوى. الحقيقة من المهم جدا أن نعرف ما هي القوى التي كانت تساند الثورة، وما هي القوى التي كانت تعمل لإجهاضها؟

منذ بدايات الثورة كان تركيزي بشكل أساسي على معرفة الموقف الأمريكي والأوروبي الغربي من الثورة السورية. ليس هذا وحسب، بل أيضا ماذا تفعل هذه المواقف على الأرض. كان واضحا لي أن سورية مدولنة منذ تأسيسها 1946. والسبب في ذلك موقعها الجيوسياسي أولا، ولاحقا وجود إسرائيل على حدودها. هذا إذا أضفنا عاملاً بقي يفعل فعله في الخفاء في سورية ولبنان، ألا وهو العامل التنوع الديني والطائفي والاثني في سورية الطبيعية.
لهذا منذ الأشهر الأولى وجدت أن الموقف الأمريكي ومعه الأوروبي الغربي وضمنا الإسرائيلي، ليسوا في وارد حدوث تغيير نوعي وانساني حقوقي في سورية. كثيرة هي المقالات التي كتبتها حول هذا الموضوع يمكن للقارئ الكريم العودة للأرشيف. لكن يمكن ذكر بعضا منها” سورية المدولنة وثورتها” ومقال “سوريا: تزمين الثورة حتى صوملة المجتمع” وغيرها. كأن آخرها في هذا المجال بتاريخ 14 أكتوبر 2012 “السورنة syriaization على الابواب رغم الحرية”!. أعيد بعضا مما جاء في هذا المقال:
ظهر مصطلح البلقنة من صراعات القرن العشرين قي منطقة البلقان وبعد تقسيم إرث الامبراطورية العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى قي البلقان إلى دول إثنية عرقية او على اساس ديني او طائفي. البلقنة Balkanization مصطلح سياسي جغرافي يقصد به تفتيت أو تقسيم منطقة أو دولة إلى مناطق أو دويلات اصغر والتي غالبا ما تكون غير متعاونة مع بعضها، أو اقامة دولة تحمل في بنيتها التأسيسية إشكالية تفجرها المزمنة كالعراق ولبنان أو ابقاء دول في خضم حرب أهلية او داخلية حتى تتحول إلى إشكالية مزمنة أيضا كافغانستان والصومال.اللبننة Lebanonization الصوملة Somalization الافغنة Afghanization والعرقنة Iraqization والآن السورنة syriaization حتى بالانكليزية لم يتم ادراج هذه المفردة بعد، لكي تستقر في الحقل السياسي المتداول. ولكل مصطلح من هذه المصطلحات دلالاته الأخرى، نظرا لخصوصية كل وضعية على حدا، لكن يجمعها جامع واحد هو دور المجتمع الدولي وخاصة الدول الكبرى في ذلك، وفي طريقة معالجتها لهذه الاوضاع في تلك المناطق والبلدان، وهنالك بالطبع دون أن نغفل الخصوصيات التاريخية لكل دولة أو منطقة… بالمقابل علينا ألا نغفل التماس الخطير بين الحقل السياسي في ممارساته الصراعية على الارض وبين حقوق البشر وحقوق الانسان عامة، كحقوق الافراد والشعوب، حقوق الاقليات والاكثريات، الطوائف والاديان والمذاهب.. هذا التماس الخطير يجعل مقاربة تلك الموضوعات، المزمنة والاشكالية هو إشكالي أيضا، لأنه يحمل خطر الانحياز الضمني لهذا الطرف او ذاك من قبل الباحث في هذه الاشكاليات. لا اريد هنا ان اناقش كل تلك الاشكاليات بل سأتحدث كعادتي عن سورية قبل ان تندرج في إطار المسألة المزمنة- في الواقع إنني متشائم جدا وخوفي انها اندرجت ولم يبق سوى اقرار المصطلح دوليا!!! كالنكتة التراجيدية- بعد انطلاق الثورة السورية في حوران قبل عشرين شهرا تقريبا، كنت كتبت عن الخيار الصفري التزميني، للثورة السورية، بانه خيار مطروح دوليا، وكنت أكرر ايضا أنه خيار إسرائيلي بمحصلته النهائية.
لا يمكنا قراءة ميزان القوى منذ لحظة انطلاق الثورة إلا إذا استطعنا قراءة مواقف هذه القوى التي ذكرتها أعلاه على ارض الواقع السوري والإقليمي. نحن ما زلنا وفي الذكرى الثالثة عشر للثورة نعيش هذا الفصام. غالبية للأسف من المثقفين وغيرهم ممن يدعون المعارضة للأسدية، يرمون كل ثقلهم خلف أن سبب فشل الثورة هو تخلف المجتمع واسلامه! دون النظر إلى أن الثورة وقواها الشعبية كانت منفتحة على أي خيار، يتيح لها الوصول إلى هدفها نحو سورية حرة من الأسدية.

الخيارات غير الإسلاموية لم تكن مطروحة على الطاولة مطلقا، كأن يتشكل جيش حر ليبرالي ديمقراطي- شيء من الكوميديا السوداء- لكن التدويل احتل الثورة ولم يحتل سورية كما يرى بعض هؤلاء وخلق قوى امر واقع متشددة ومسلحة ومدعومة ماليا من الخارج لتكون قوى تزمين التعفين الذي طال المجتمع السوري برمته ودون ان نعرف إلى متى؟ جبهة النصرة، اغلب فصائل الجيش الوطني المدعوم تركيا، قسد والمليشيا الاسدية وميليشيات إيران. كلها قوى امر واقع فرضت من الخارج.
الجيوش الأجنبية التي دخلت سورية بدء من مستشاري الملالي منذ اليوم الأول للثورة وانتهاء بالجيش التركي مرورا بالجيشين الروسي بسماح أمريكي، ثم أعقبه الجيش الأمريكي نفسه. هذه الجيوش وقدومها يطرح سؤالا جوهريا وهو: لماذا هذه الدول لم تحتل سورية قبل الثورة؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى دعونا نسأل السؤال الآخر: هذه القوى الجهادية التي نبعت في سورية هل كان لها أن تنبع لولا دعم لوجستي دولي واقليمي؟

يتحدث بعضنا عن اخراج النظام لمتطرفين إسلاميين محسوبين على القاعدة وفكرها بعد انطلاق الثورة بأشهر، وبقدرة قادر أفراد مثل حسان عبود وزهران علوش وغيرهم، باتوا بسرعة البرق وخلال أقل من عامين قادة فصائل كبيرة وتمتلك أسلحة واموال كثيرة. هل هذه ورثة من آبائهم مثلا؟ هذه أسئلة تتعلق بحقل القوى المتصارعة واللعب فيه من قبل من أراد تدويلا جديدا للثورة السورية، لأن سورية مدولنة أصلا. أليست هذه الخطوات التي كانت تتم تحت سمع وبصر القوى الدولية الفاعلة هي تأسيس لحالة سورنة مزمنة؟
من هي الدول التي قدمت خيارات غير الذي وصلنا إليه؟

 عندما نكتشف ان التدخل الروسي 2015 كان بتمويل امارتي ورضا أوباما، ماذا يمكننا أن نقول؟ مع ذلك إنها الثورة التي ألهمت وستلهم والشعب السوري. لايزال مثقفونا يتحفوننا يوميا بأساطير نظرية مدججة بكل أسلحة التنظير على مجتمع يعاني منذ ستة عقود من حكم أسدي طائفي فاشي ومجرم. ملايين من السوريين نزلت الشارع تطالب بحريتها، هذا تأسيس لن ينسى مهما كان ميزان القوى الذي لانزال حتى اللحظة مقصرين في فهمه.

زر الذهاب إلى الأعلى