ما الذي يجعل مرور سيارة الإسعاف الأكثر جذباً لانتباهنا؟!
السبب الأعمق للفت انتباهنا وإقبالنا على متابعتها، يقبع في الجانب المظلم من شخصيتنا.

في كلّ مرَّة تمرُّ فيها سيارة الإسعاف في الشارع فإنها تخطف الأنظار وتثير أكبر قدر من انتباه المارَّة، وكأنها بهذا المرور إحدى أجمل عارضات الأزياء وقد سارت للتوّ على ممرها الشرفيّ!
فما هو السر خلف كل ذلك الاستقطاب يا ترى؟!
إنَّ الرغبة برؤية سيارة الإسعاف والهرولة تجاه النافذة لمشاهدتها فور سماعنا لصوتها، تُمثِّل ميلاً ساديَّاً مُبطَّناً لرؤية مكروه يصيب الآخرين!
صحيح بأنَّ الضوضاء وتلك الجَلَبة التي تُحدثها عملية عبور سيارات الإسعاف الشارع كفيلة بلفت الأنظار إليها، شأنها في ذلك شأن المواكب الرسميَّة، وذلك بسبب سرعتها وعدم اكتراثها بقوانين المرور بحكم الاضطرار، ناهيك عن مصابيحها المميزة وصوت صفارتها المدوّي وغير ذلك…
إلا أن السبب الأعمق للفتها انتباهنا وإقبالنا على متابعتها، يقبع في الجانب المظلم من شخصيتنا.
إنَّ حصول مثل هذا الأمر يمنح الإنسان شعوراً بالأفضليَّة، بمعنى شعوره بالسعادة لعدم كونه في داخلها، وفضوله المرافق لهذا الشعور قد يجعله يتساءل: من قد يكون في داخلها يا ترى؟ وقد يطلق هذا الفضول العنان لميل ساديّ قديم، يقوم بإسقاط المشهد على شخص يكنُّ له الحسد.
حدثني أحد الأشخاص أنَّه ولدى رؤيته أو سماعه لصوت سيارة الإطفاء كان يسأل من هم حوله ذات السؤال في كل مرة وهو: بيت من يحترق يا ترى؟
وعلى صعيدٍ متصل، ومن خلال مثالٍ آخر: شخص يمرّ داخل مستشفى مرور الكرام ورغم حزنه على من رآهم هناك، أبدى ارتياحاً وكأن لسان حاله كان يقول: أنا هنا مجرّد سائح في هذا المستشفى وغيري من يعاني، فلا داعي بعد هذا اليوم أن أكون تعيساً لأي سبب كان!
ثمّة سؤال لابد من طرحه هنا والإجابة عنه: إذا كان قعر الذات لدينا مليء بكل هذه الميول السلبيَّة فأين هي في سلوكنا؟ ولماذا لا تظهر بشكل سافر؟
وللإجابة عن هذا التساؤل نقول:
هناك آليَّة نفسيَّة تسمَّى “الإسماء”، تقوم هذه الآليَّة بالتفريج عن الرغبات المقموعة اللاشعوريَّة، لكن بعد القيام بتعديلها وتهذيبها وتنميقها لتغدو أكثر ملائمة للواقع الاجتماعيّ الخارجيّ؛ حيث تعمد مثلاً على تحويل ميل ساديّ أو عدائيّ تجاه الآخَر إلى شعور بالتعاطف والرغبة بمساندة الآخرين.
ولهذا السبب نحن لا ندرك وجودها في داخلنا، لأننا نتعامل فقط مع الصورة النهائية لها، أو المحطة الأخيرة التي تصل إليها والتي تجعلها أكثر قبولاً في محيطنا الخارجيّ.